نظام غذائي خالٍ من المنتجات الحيوانية يقلل المعاناة التي نسببها للحيوانات

الإنتقال إلى نظام غذائي خالٍ من المنتجات الحيوانية ليس مجرد مبادرة رمزية. كما أنه لا يحتاج أن يكون محاولة لعزل الإنسان نفسه عن الواقع البشع في العالم، أو أن يبقي نفسه عفيفاً وبهذا يتفادى المسؤولية عن القسوة والدمار في العالم. تجنّب المنتجات الحيوانية خطوة عملية وفعّالة نحو نمط حياة صحي لنفسك والذي سيؤدي أيضاً إلى نتائج أخرى أهم. فإن الامتناع عن تناول المنتجات الحيوانية يمكن أن يساهم في تقليل المعاناة التي نسببها للحيوانات، وفي زيادة كميات الغذاء -ليس نقص- المتاحة لإطعام تعداد السكان المتزايد وإنقاذ الكوكب من التغيرات المناخية المدمرة، وتقليل خطر ظهور وباء آخر.

الأشخاص الذين يستفيدون من استغلال أعداد كبيرة من الحيوانات لا يحتاجون لموافقتنا. لكنهم بحاجة لأموالنا. فشراء لحوم وحليب وبيض الحيوانات التي يربونها هو أهم شكل للدعم الذي يسعى المزارعون الصناعيون إليه من الجمهور (على الرغم من أن الحكومات تساهم بالتأكيد بدعمهم في بلدان كثيرة). ستستخدم شركات الأعمال الزراعية العملاقة أساليب مكثفة لزيادة الإنتاج الحيواني طالما يتمكنون من بيع ما تنتجه هذه الأساليب. تمنحهم أرباحهم الموارد اللازمة لعرقلة التغيير الشامل وسيواصلون الدفاع عن أنفسهم ضد الإنتقادات من خلال قول أنهم يلبون فقط حاجة الجمهور.

ومن هنا تأتي حاجتنا للتوقف عن شراء منتجات مصانع الحيوانات. وإلى أن نفعل ذلك، فنحن نشارك في استمرار وجود هذه المصانع وازدهارها ونموها، وكل الممارسات القاسية المستخدمة في تربية الحيوانات بغرض توفير الغذاء. في السوبرماركت وعلى مائدة الطعام، لدينا فرصة لفعل شيء أكثر من مجرد الحديث عن كيف يجب أن يقوم شخص آخر بشيء ما لوقف القسوة. من السهل أن نتخذ موقفاً ضد مصارعة الثيران في إسبانيا، أو أكل الكلاب في كوريا الجنوبية، أو إطلاق النار على الكنغر في أستراليا، أو ذبح الفقمات في كندا، أو المذابح الدموية للدلافين في اليابان. ولكننا نكشف عن قيمنا الحقيقية عندما يتعلق الأمر بأمورنا الخاصة.

إذا استمررنا في أكل الدجاج الذي يربى باستخدام طرق مؤلمة للدجاج بسبب عدم قدرة أرجلهم على دعم أجسامهم السريعة النمو، فمن النفاق منا الاعتراض على أكل الكلاب. يمكن لمقاطعة الإنتاج الصناعي للحيوانات أن تساعدنا على تأكيد عمق وصدق قلقنا بشأن الحيوانات.

لجعل هذه المقاطعة فعالة قدر الإمكان، يجب ألا نشعر بالخجل حول ما نرفض تناوله ولماذا. عرفت لأول مرة بوجود المزارع الصناعية من ريتشارد كيشن، زميل في جامعة أكسفورد تناولت الغداء معه في يوم مصيري. سأل إذا كانت الوجبة المقدمة إلينا بها لحم، وعندما قيل له بأنها بها لحم، اختار شيئًا آخر. سألته عن مشكلته مع اللحوم، وفي غضون شهرٍ من تلك المحادثة الأولية أصبحت نباتياً. الحديث عن خيارات الأطعمة الخاصة بك هو فرصة لإخبار الناس بأشياء قد لا يعرفونها حول كيفية معاملة الحيوانات المذبوحة. غيرت محادثة واحدة حياتي، وأثرت آرائي على الكثيرين من بعدها. إذا كانت المقاطعة يمكن أن تقلل من معاناة الحيوانات فلا بد من تشجيع أكبر عدد ممكن على الانضمام إلينا، ولا نستطيع فعل ذلك إلا إذا قدمنا أنفسنا كمثال.

إذا كان تجنب منتجات المزارع الصناعية نوعاً من حملات المقاطعة، فماذا نفعل إذا لم تسفر هذه الحملة عن نتائج؟ يجب طرح هذا السؤال، لأنه منذ أول مرة دعوت فيها القراء لتجنب تناول اللحوم في النسخة الأولى من «تحرير الحيوانات» (1975)، زاد استهلاك اللحوم في جميع أنحاء العالم من 112 مليون طن إلى أكثر من 300 مليون طن، وأنتجت معظم اللحوم الإضافية من المزارع الصناعية. يعود جزء كبير من هذه الزيادة إلى تضاعف عدد سكان العالم خلال تلك الفترة، ومعظم الجزء الآخر يعود إلى الحد من الفقر، خاصة في آسيا. اللحوم غالية الثمن، ويستهلكها الناس فقط عندما يمكنهم تحمل تكلفتها.

ارتفع استهلاك الفرد للحوم في الصين ثلاثة أضعاف بين عامي 1990 و2021، وتضاعف في فيتنام أربع مرات خلال الفترة ذاتها. بينما شهدنا زيادات حادة في البرازيل، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وباكستان، وجنوب أفريقيا. لم تشهد الدول الغنية في العام 1990 اتجاهاً واضحاً بهذا الصدد، إذ شهدت أستراليا والنرويج واليابان زيادات معتدلة بينما شهدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة زيادة عادية وانخفض الاستهلاك في كندا، ونيوزيلندا، وسويسرا. وفي علامة واعدة، انخفض استهلاك اللحوم في كل من ألمانيا والسويد أكثر من 12% في الفترة من 2011 إلى 2019.

كان واضحاً أن ندائي لمقاطعة اللحوم فشل فشلاً ذريعاً. فهل هذا يعني أنّه لا فائدة من الاستمرار بهذه الدعوة للأشخاص الذين يتفقون مع هذه القضية؟ مع المقاطعات غير المباشرة، ربما يكون الأمر كذلك. فعلى سبيل المثال، عندما طالبت جمعية «معاملة الحيوانات بأخلاقية» مؤيديها بمقاطعة شركة الطيران الفرنسية «Air France» لأنها كانت تنقل ألاف القرود البرية إلى المختبرات، هذه المقاطعة إما كانت ستنجح في جعل الشركة تغير سياساتها الخاصة بنقل الكائنات الحية إلى المختبرات، أو كانت ستفشل ولن تحقق أي تغيير (ولحسن الحظ، نجحت المقاطعة).

في حالات المقاطعات التي تهدف إلى تغيير سلوك الشركة أو الحكومة، غالباً تكون كذلك، ربح أو خسارة، مع فارق وسطي ضئيل بين هذين الطرفين. فإذا كنت تحاول مقاطعة منتج واحد، على سبيل المثال، رحلات الركاب التي تبيعها الشركة، لإقناع هذه الشركة بالتوقف عن شيء مختلف تماماً، مثل نقل القرود، فمن المعقول أن تقول إذا لم تنجح، فلا فائدة من الاستمرار في المقاطعة.

مقاطعة مزارع الحيوانات مختلفة لأنها مقاطعة مباشرة للمنتج الذي يعترض عليه المقاطعون، وبالتالي لها تأثير مباشر على مدى المعاناة التي يحاول المقاطعون وقفها. يزيد عدد الحيوانات التي تربى وتذبح في المزارع الصناعية حسب الطلب على تلك المنتجات. والتوقف عن دعم الحركة الكبرى ضد شراء هذه المنتجات لن يؤدي إلا إلى عيش المزيد من الحيوانات حياة مؤلمة في هذه المزارع الصناعية. وحتى لو لم يكن الإتجاه يسير في الإتجاه الذي نأمله، فلا يوجد سبب لجعل الأمور اسوأ.

  • ترجمة: لبنى عبيد
  • تدقيق لغوي: سفوك حجي
  • المصادر: 1