لماذا تبدو الأسماك التي تعيش في أعماق البحار، مثل الكائنات الفضائية؟
طوّرت الأسماك التي تعيش في أعماق البحار سِمات فريدة لتتكيف مع بيئتها التي لا ترحم.
تُشبه العديد من الأسماك في الأعماق البحرية الأشرار الفضائيين الذين يظهرون عادةً في أَفلام الخيال العلمي; بأسنانها العملاقة وأجسادها المتوهجة في الظلام والعيون المنتفخة. ولكن لماذا تمتلك هذه الأسماك مثل هذه الصفات فائقة التميّز؟
إِنَ المظهر الغريب لهذه الأسماك هو إلى حد كبير انعكاس للبيئة القاسية التي تعيش فيها.
فمعظم المحيطات العميقة التي تبدأ من 656 قدمًا (200 متر) تحت سطح البحر، تُصبح نفاذية الضوء فيها قليلة بالتدريج الى أن تنعدم تمامًا. بالاضافة للضغط المرتفع وقلة المغذيات وانخفاض درجات الحرارة بمتوسط درجة حرارة أعلى بقليل من التجمد عند 39 درجة فهرنهايت (4 درجات مئوية).
قالت ماري مكارثي عالمة الأحياء البحرية في خليج مونتيري في كاليفورنيا، ل لايف ساينس: “إِنَ أعماق البحار مكان قاسي حقًا للعيش، لذلك كان على الكثير من الحيوانات التكيف; بإحداث بعض التعديلات الملائمة للبقاء على قيد الحياة في تلك البيئة”.
لقلة الفرص في العثور على الطعام، طوّرت أسماك أعماق البحار سِمات لمساعدتها على إلتقاط الفريسة. واحدة من أكثر هذه السمات إثارة هي مجموعة ضخمة من الفكين مثل التي تمتلكها سمكة الأفعى سلون (Chauliodus sloani) أنيابًا كبيرة جدًا لدرجة أنها لا تستطيع إغلاق فمها دون ثقب دماغها.
هذه الأَسنان تكون شفافة; تساعدها على إخفاء أسلحتها عن الفريسة حتى تحين لحظة الانقضاض عليها.
نوع آخر من الأسماك التي تعيش في أعماق البحار مثل ثعبان البحر (Eurypharynx pelecanoides) لهُ فمٌ واسع يشغل معظم جسمه تقريبًا; لكي يتمكن من إلتقاف الأسماك الكبيرة التي يصادفها في المساحات الشاسعة في أعماق البحار.
ظاهرة الإضاءة في أعماق البحار
تمتلك بعض الحيوانات المفترسة في أعماق البحار سلاحًا سريًا يجعلها مغناطيس للفرائس: التلألؤ البيولوجي (القدرة على توليد ضوء الخاص) مثل الذَخَّاطة أو شياطين البحر السود (Melanocetus) وهي نوع من الأسماك ظهرت في فيلم الرسوم المتحركة “Finding Nemo”.
تَغري هذه المخلوقات الفريسة باستخدام ضوء حيوي يتوهج في الظلام، يكون عبارة عن عضو متصل بالرأس على شكلِ حبل موصول بالرأس، بما يَشبه الطُعم الموجود في نهاية صنارة الصيد.
يمكن لهذا الضوء أَن يجذب الفريسة، عَبّرَ اقناعها بأَنَ الجسم المتوهج هو فريسة بينما هو المفترس.
لكن إغراء الفريسة ليست الميزة الوحيدة للإضاءة الحيوية، والتي يمكن مشاهدتها في أكثر من 75% من الأسماك المنتشرة في أعماق البحار وفقًا لدراسة أجراها باحثون في (معهد مونتيري باي) لأبحاث الأحياء المائية عام 2017.
بعض أسماك الأعماق مثل أسماك هاتشيتشي العملاقة (Argyropelecus gigas) قادرة على التحكم بدرجة اضاءتها لتتناسب مع محيطها; كآلية للاختباء من الأعداء المُحتملين. الاستخدامات الأُخرى للتلألؤ البيولوجي هي “المساعدة في العثور على الطعام، وجذب الأُناث، وكذلك يمكن استخدامها ضد الحيوانات المفترسة” هذا ما قالته إديث ويدر عالمة الأحياء البحرية ومؤسسة مجموعة Ocean Research & Conservation Society البيئية ومقرها فلوريدا ل لايف ساينس.
قامت (ويدر) بمئات عمليات الغوص تحت الماء; للبحث بموضوع التلألؤ البيولوجي في أعماق البحار. وشبهّت تلك الظاهرة تحت الماء بلوحة الليلة المضيئة لڤان كوخ ولكن “بنسخة ثلاثية الأبعاد”.
في معظم الحالات، يكون هذا الضوء ناتج عن تفاعل كيميائي داخل جسم السمكة; حيث يتحد المركب الباعث للضوء المعروف باسم لوسيفيرين مع إنزيم لوسيفيراز لتوليد فوتون من الضوء.
تقع السمكة المنتفخة (Psychrolutes marcidus) في المياه خارج أستراليا وتسمانيا، وتعيش على أعماق تتراوح بين 1970 و3940 قدمًا (600 و1200 متر) حيث يمكن أَن يكون الضغط أكثر من 100 مرة بالمقارنة مع الضغط على السطح، وللبقاء على قيد الحياة في هذا الضغط الفائق، تكيفت السمكة المنتفخة بجسم مطاطي وخلوها من هيكل عظمي قوي.
لهذا السبب عندما يتم إخراج السمكة المنتفخة إلى السطح فإنها تنكمش، وتتحول إلى مخلوق هلامي مع وجه مزموم -عابس- وهو مظهر أكسبها لقب “أبشع حيوان في العالم” في عام 2013.
غريب أم طبيعي؟
يُغطي المحيط أكثر من 70% من كوكب الأرض، لذا فبدلًا من التساؤل عن سبب غرابة مخلوقات أعماق البحار، ربما ينبغي علينا نحن سكان الأرض أَن نطرح سؤالًا مُختلفًا: هل البَشّر هم أصحاب المظهر الغريب؟
قال مكارثي: “لأن (أعماق البحار) مظلمة وباردة، ولأنها في كثير من الأحيان ذات مستوى منخفض من الأكسجين، فهي تشبه عكس ما اعتدنا عليه. ونظرًا لكونها تشكل بيئة الجزء الأكبر من الكوكب، فربما تكون تلك البيئة طبيعية ولكنها غريبة بالنسبة لنا فقط”.
- ترجمة: وداد عنتر
- تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
- المصادر: 1