دراسة جديدة تكشف مدى حظنا في مشاهدة حلقات زحل المذهلة

المحادثة بقلم غاريث دوريان، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في علوم الفضاء في جامعة برمنغهام.

منظر مبالغ فيه لألوان كوكب زحل مضاء خلفياً بالشمس.

حلقات زحل هي واحدة من جواهر النظام الشمسي، ولكن يبدو أنّ زمن وجودهم قصير وعابر.

تشير دراسة جديدة إلى أن عمر الحلقات يتراوح بين 400 مليون سنة و100 مليون سنة، وهو جزء صغير من عمر النظام الشمسي. هذا يعني أنّنا محظوظين لأنّنا نعيش في عصرٍ يحتوي فيه الكوكب العملاق على حلقاته الرائعة. وتكشف الأبحاث أيضاً أنّ تلك الحلقات يمكن أن تختفي في 100 مليون سنةٍ أخرى.

وقد لاحظ الحلقات لأول مرّةٍ عام 1610 عالم الفلك غاليليو غاليلي، الذي وصفها في البداية بأنّها كوكبان صغيران على كلّ جانب من مدار زحل الرئيسيّ، نظراً لحدود دقة تلسكوبه، وأنّهما يبدوان متصلان مادياً بكوكب زحل.

في عام 1659، نشر عالم الفلك الهولندي كريستيان هويجنز “سيستيما ساتورنيوم”، والتي من خلالها أصبح أول من وصف الحلقات بأنّها نظام حلقات رقيقة ومسطحة لم تكن تلمس الكوكب.

وأظهر كيف يتغير مظهرهما، كما يُرى من الأرض، مع دوران الكوكبين حول الشمس ولماذا يبدو أنّهما يختفيان في أوقات معينة، ويرجع ذلك إلى أنّ هندسة المشاهدة الخاصة بهم هي من النوع الذي نراه على الأرض بشكلٍ دوري على الحافة.

الحلقات مرئية لأيّ شخص من خلال زوج مناسب من المناظير أو تلسكوب حديقة خلفية بسيط. يصبغ اللون الأبيض على مدار زحل الأصفر الباهت، وتتكون الحلقات تقريباً بالكامل من مليارات الجسيمات من جليد المياه، والتي تلمع إثر تشتت أشعة الشمس.

وسط هذه المادة الجليدية توجد رواسب من الأشياء المظلمة والمتربة. في علوم الفضاء، يشير “الغبار” عادةً إلى حبيبات صغيرة من المواد الصخرية أو المعدنية أو الغنية بالكربون والتي تكون أغمق بشكل ملحوظ من الجليد، كما يشار إليها مجتمعة باسم النيازك الصغرى، وتتخلّل هذه الحبيبات النظام الشمسي.

في بعض الأحيان، يمكنك رؤيتها تدخل الغلاف الجوي للأرض ليلاً كالشهب، وحقول الجاذبية للكواكب لها تأثير على تكبير أو تركيز “السقوط” للكواكب المتربة.

ويضيف هذا السقوط بمرور الوقت كتلةً إلى الكوكب ويغير تركيبه الكيميائي. وزحل كوكب عملاق غازيّ وضخم، يبلغ نصف قطره حوالي 60,000 كيلومتر، أي حوالي 9.5 ضعف نصف قطر الأرض، وتبلغ كتلته حوالي 95 ضعف كتلة الأرض. هذا يعني أنّ لها “بئر جاذبية” كبيرة جداً -حقل الجاذبية المحيط بجسمٍ في الفضاء- وهو فعّال جداً في توجيه الحبيبات المتربة نحو زحل.

مسار الاصطدام:

تمتد الحلقات من حوالي 2000 كيلومتر فوق قمم سحابة زحل إلى حوالي 80,000 كيلومتر، وتحتل مساحة كبيرة من الفضاء. عندما يمرّ الغبار المتساقط، يمكن أن يتصادم مع الجسيمات الجليدية في الحلقات. وبمرور الوقت، يجعل الغبار من لون الحلقات أغمق تدريجياً ويضيف إلى كتلتها.

مركبة كاسيني هيغنز (بالإنجليزية: Cassini – Huygens) هي مركبة فضائية روبوتية أُطلقت عام 1997. ووصلت إلى زحل عام 2004 ودخلت المدار حول الكوكب، حيث بقيت حتى نهاية المهمة عام 2017. من أحد الأدوات التي كانت على متن الطائرة كان محلّل الغبار الكوني CDA.

باستخدام بيانات من CDA، قارن المؤلفون في الورقة الجديدة أعداد الغبار الحالية في الفضاء حول زحل مع الكتلة المقدرة للمواد المتربة المظلمة في الحلقات. ووجد الباحثون أنّ الحلقات لا يزيد عمرها عن 400 مليون سنة، وربّما تكون صغيرةً كأن يكون عمرها 100 مليون سنة. وقد تبدو هذه جداول زمنية طويلة، لكنّها أقل من عُشر عمر النظام الشمسيّ البالغ 4.5 مليار سنة.

وهذا يعني أيضاً أنّ الحلقات لم تتشكل في نفس الوقت مع زحل أو الكواكب الأخرى. بل تعدّ من الناحية الكونية، إضافة حديثة إلى النظام الشمسي. حيث لأكثر من 90 في المئة من مدة وجود زحل، لم تكن موجودة.

نجم الموت:

هذا يؤدي إلى لغزٍ آخر: كيف تشكلت الحلقات لأول مرّة، بالنظر إلى أنّ جميع الكواكب والأقمار الرئيسية في النظام الشمسي قد تشكلت قبل ذلك بكثير؟ تقدر الكتلة الإجمالية للحلقات بحوالي نصف كتلة أحد أقمار زحل الجليدية الأصغر حجماً، والتي يظهر العديد منها ملامح تأثير هائلة على أسطحها.

أحدها على وجه الخصوص، القمر الصغير ميماس، الملقب بنجم الموت، له فوهة صدمية بعرض 130 كيلومتر تسمى فوهة هيرشل على سطحه.

وإنّها بالتأكيد ليست أكبر فوهةٍ في النظام الشمسي. ومع ذلك، يبلغ عرض ميماس حوالي 400 كيلومتر فقط، لذا فإنّ هذا الارتطام لن يحتاج إلى المزيد من الطاقة لطمس القمر.

قمر ميماس مصنوع من الجليد المائي، تماماً مثل الحلقات، لذلك من الممكن أن تكون الحلقات قد تشكلت من مثل هذا الارتطام الكارثي.

مطرٌ حلقي:

ومع ذلك، فإنّ مستقبل حلقات زحل ليس موضع شك، فارتطام حبيبات الغبار بالجسيمات الجليدية يحدث بسرعات عالية جداً، ممّا يؤدي إلى تكسير شظايا صغيرة من الجليد والغبار بعيداً عن جزيئاتها الأصلية.

والأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس تتسبب في أن تصبح هذه الشظايا مشحونةً كهربائياً عبر التأثير الكهروضوئي. لكوكب زحل، مثل الأرض، مجالٌ مغناطيسي، وبمجرد شحنه، تنطلق هذه الشظايا الجليدية الصغيرة من نظام الحلقة، ويحاصرها المجال المغناطيسي للكوكب.

وبالتنسيق مع جاذبية الكوكب العملاق، تُوجَّه تلك الشظايا إلى الغلاف الجوي لزحل. وتم رصد هذا “المطر الحلقيّ” لأول مرّة من بعيد بوساطة المركبة الفضائية فوياجر 1 وفوياجر 2 خلال تحليقهما القصير حول زحل في أوائل الثمانينيات.

وفي ورقةٍ أحدث تعود لعام 2018 استخدم العلماء كمية غبار، مرّةً أخرى من CDA، حيث طارت كاسيني بين الحلقات وقمم سحابة زحل، لمعرفة مقدار الجليد والغبار المفقود من الحلقات بمرور الوقت. وأظهرت هذه الدراسة أنّ ما يقارب حوض سباحة أولمبي واحد من الحلقات يُفقَد في جو زحل كلّ نصف ساعة.

واستُخدِم معدل التدفق هذا لتقدير أنّه بالنظر إلى كتلتها الحالية، فمن المحتمل أن تختفي الحلقات في أقلّ من 100 مليون سنة. هذه الحلقات الجميلة ذات تاريخٍ مضطرب، وما لم يتم تجديدها بطريقة أو بأخرى، فسوف يلتهمها زحل.

  • ترجمة: هبة الزبيبي
  • تدقيق لغوي: سفوك حجي
  • المصادر: 1