حصلت مؤخرًا عمليات احتيال عالية المستوى في علم النفس دفعت العديد للتساؤل عن فائدة المجال كلّه
- يتعرض علم النفس منذ عقد لهجوم بسبب مشاكل في قابلية إعادة الإنتاج. مؤخرًا هناك قضايا احتيال بارزة ضد باحثين في جامعة دوك وهارفرد مما أعاد الشكوك حول علم النفس إلى الاضواء ثانيةً.
- يقترح أحد الباحثين أنّه إذا كان تجاهل عدد مهم من الابحاث النفسية لم يؤثر على فهمنا للطبيعة البشرية فإذًا ربما علم النفس كلّه غير مهم.
- مع ذلك كان لعلم النفس مشاركات واقعية ومهمة في فهمنا للعقل والسلوك. من هذه المشاركات ماهو راسخ ومنتشر بشكل واسع لكننا نفشل في تقدير تأثيرها.
إذا اختفى علم النفس بأكمله اليوم، هل يهم ذلك؟
بعد كل شيء فشلت العديد من الأبحاث المنشورة في التكرار وباحثون مهمون اعترفوا بارتكاب أخطاء من الانخراط في ممارسات بحثية مشكوك بها إلى ارتكاب احتيال صريح.
هذا الصيف فقط كان هناك مزاعم بالتلاعب بالبيانات، ما دفع العديد للتساؤل عن دراسات عديدة حول (مما يثير السخرية) مصداقية علماء النفس البارزين دان أرييلي وفرانشيسكا جينو. هل أثّر تجاهل هذه المعلومات في فهمنا لعلم النفس البشري بأي طريقة ذات معنى؟
المشكلة مع علم النفس:
ماستروياتي يأسف بأن خطوط كاملة من بحث في علم النفس يمكن إزالتها من الأدب (وقد حصل ذلك) دون أي تأثير ظاهر. مع ذلك لازلنا نعيش حياتنا.
إزالة الاصطفاء الطبيعي سيهدم علم الأحياء، اكتشاف أنّ الجدول الدوري غير موثوق سيحرف الكيمياء عن مسارها، إزالة اكتشافات أينشتاين كان ليكون له تأثيرات هائلة متتالية على الفيزياء، لكن لا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لعلم النفس. لم يكن هناك تحول جوهري في فهمنا للعقل البشري، الدماغ، أو السلوك.
نقلاً عنه: إنها حقيقة مرعبة، أن يكون بإمكانك اكتشاف أنّ مساحات واسعة من مجال علمي هي احتيالية ومع ذلك لا يحدث ذلك فرقًا. حتّى أكثر الباحثين شهرة وإنتاجية مثل ألبرت باندورا، بي إف سكينر، إليزابيث لوفتوس، نعوم تشومسكي، لم يقوموا بأي نماذج أو نظريات ذات معنى، على الأقل ليس مؤخراً.
تباً، هل هو محق؟
قبل التعمق دعونا نقوم بتعريف علم النفس.
علم النفس: هو مجال يتضمن استخدام اساليب علمية مثل التجربة من أجل الملاحظة المنهجية والتنبؤ بالسلوك البشري. (التحليل النفسي، علم التشخيص، التنويم المغناطيسي أو أي مجالات بحثية لا تمارس هذه الأساليب هي علوم زائفة ولا تتبع لعلم النفس).
كعلم يجب أن يضمن لنا علم النفس مشاركته في فهمنا للعالم بالملاحظة التجريبية، والمقياس السليم، وبشكل مثالي النتائج القابلة للتكرار.
إنها لمشكلة عندما يقوم عدد كبير ممن يدّعون نتائج متطورة لا يمكن تكرارها، الباحثون يعترفون بممارسات بحثية مشكوك بأمرها، المجلات الكبرى تنشر دراسات تزعم أنها تظهر الدليل على ESP، وهناك ادعاءات موثوقة ضد جينو ارييلي وعلماء بارزين آخرين مثل ديدريك ستابل.
هل علم النفس مهم؟
رغم ذلك لا يركز ماستروياني على مشاكل الموثوقية بل بدلًا عن ذلك يرى أنّه إذا كانت خطوط كاملة من البحث يمكن رميها بسهولة إذًا علم النفس لا يشارك كثيرًا في المعرفة البشرية.
يقول: “من الواضح أنّه يمكن الوصول إلى مراتب عليا بالإنجازات العلمية، ونشرها مرارًا وتكرارًا في مجلات علمية مهمة وتجمع العشرات الآلاف من الاستشهادات لكن أيًّا من ذلك لا يهم”.
كل علامة على الاشياء التي من المفترض أن تخبرك أنّك على الطريق الصحيح…أنّك تقوم بمشاركة حقيقية في العلم ربّما لا تعني شيئًا على الإطلاق.
المشكلة بحجة ماستروياني أن العديد من الاكتشافات العلمية موثوقة ومهمة أيضًا. مهمة لطريقة رؤيتنا للواقع والعالم.
تصورات كبرى في علم النفس:
بينما ماستروياني يعترف أنّ علم النفس يتضمن بعض النماذج الأولية الموثوقة والأفكار الجيدة لكنّه يقلل من قيمة افكار مثل التحيز المعرفي. رغم ذلك إنّ التحيز المعرفي قد تم تكراره بمئات الطرق ودمجه في فهمنا الأساسي لكيفية تفكير الناس وسلوكهم وهذا ما يدعم مدى أهميته. لا يمكن أن نقلل من قيمة ذلك.
قبل خمسين عام كان الاقتصاديون يسلِّمون بأن الناس عقلانيون تمامًا، هيئة المحلفين افترضت أن شهود العيان الواثقين كانوا دقيقين، ومشاهدوا الأخبار افترضوا أنّ فقط الأشرار هم من يقومون بالأمور الشريرة، منذ عشرين سنة فقط حتى اقتنع اصحاب الأعمال أنّ الحضارات جميعها حول العالم تصيغ القرارات بنفس الطريقة، الفيزيائيون كانا يفترضون أن العقل والجسد مستقلان عن بعضهما، والسياسيون اعتقدوا أنّ الشباب وأصحاب نظريات المؤامرة وحدهم وبشكل خاص معرضون للمعلومات المضللة.
ليس أي من ذلك صحيح وهذه التصويبات النفسية أصبحت راسخة حتى لتبدوا عادية. نحن أسماك محاطة بالكثير من المياه النفسية لكننا لا تراها.
في حال مازلت متشككًا، هذه قائمة مختصرة باكتشافات نفسية قويّة تساعدنا في فهم البشر بشكل أفضل وتحسين حياتنا:
- علاجات فعالة للاكتئاب والقلق والرهاب
- نموذج العوامل الخمسة لسمات الشخصية وكيف ترتبط الشخصية بنتائج الحياة.
- فهم تنمية الطفولة النموذجية والتعلم
- كيف يتم بناء الذاكرة ويمكن تغييرها
- الوظيفة التنفيذية والتحكم المثبط وكيفية تفاعلها مع المعالجة التلقائية.
- كيف يعمل الانتباه، بما في ذلك العمى غير المتعمد وتكاليف تبديل المهام.
- الأحكام الأخلاقية وكيف تؤثر على صنع القرار
- العديد من نتائج التحيز المعرفي التقليدية، بما في ذلك التكاليف الثابتة، وتأطير الربح مقابل الخسارة، والإرساء.
- الدافع وأهمية الدوافع البشرية الأساسية للاستقلالية، والكفاءة، والترابط.
هناك الكثير بالطبع. (يلخص كتاب بول بلوم الأخير امثلة أخرى).
قابلية التكرار مشكلة واسعة الانتشار
بينما يحتاج علم النفس لإثبات موثوقيته لا بُدّ من الإضاءة على أن مشاكل إعادة التكرار والاحتيال بالكاد يتم التمييز بينها بالنسبة لعلم النفس.
وجدت دراسة أجريت علم 2021 أنّ نصف التجارب الحيوية ما قبل السريرية للسرطان، المنشورة في مجلات رائدة فشلت في إعادة التكرار. والواقع أن غالبية الكيميائيين، وعلماء الأحياء، والفيزيائيين، والمهندسين، والباحثين الطبيين، وعلماء البيئة الذين شملهم الاستطلاع أفادوا بأنهم حاولوا وفشلوا في تكرار النتائج التجريبية لعالم آخر على الأقل مرة واحدة. ومع ذلك، قد نجد البعض يجادل بأن هذه الفروع من العلوم لا قيمة لها.
ذلك لأن العلم لا يبنى على الأفراد أو النتائج الفردية. إنه مبني على آلاف الدراسات من آلاف الباحثين حول آلاف الموضوعات. الأجزاء المهمة والدائمة تبني على بعضها البعض. كما لاحظ إسحاق نيوتن، “إذا كنتُ قد رأيتُ أكثرَ من غيري، فذلك لأنني وقفت على أكتاف العمالقة”.
على عكس استنتاج ماستروياني، فإن إزالة بعض الدراسات -أو حتى النظريات المصغرة- غير مهم إلى حد ما للمجال ككل. في الكلمات الأخيرة لعالم النفس بول بلوم ردا على ماستروياني: “إذا كان علمنا يسير على ما يرام، فإن اكتشاف أنّ نتائج محددة توصل إليها باحثون فرديون خاطئة (بسبب الخطأ، أو الاحتيال، أو التصميم السيئ أو أيًا كان) لا ينبغي أن يكون له عواقب وخيمة”.
بمعنى آخر، إنها علامة جيدة على أن مجالنا لا يزال قائمًا.
- ترجمة: ياسمين درويش
- تدقيق علمي ولغوي: سفوك حجي
- المصادر: 1