التطور التكنولوجي المدهش: اشرحه لي وكأنني في الخامسة من عمري
لفهم كيفية اندماج البشر والروبوتات، من الحواسيب العملاقة إلى الذكاء الاصطناعي الفائق، إليك تجربة مناسبة لجميع الأعمار.
اقترب من والدتك ووالدك (إذا كانوا نائمين، كن حذرًا). اسألهم بلطف عن تلك الفترة التي سبقت ولادتك، وهل تجرأوا في ذلك الوقت أن يتخيلوا يومًا ما، أن الجميع سينشرون ويشاركون صورهم الشخصيّة على شبكة اجتماعية تسمى “فيسبوك” ؟ أو أنهم سيتلقون إجابات على كل سؤال من كيان غامض يسمى “Google” ؟ أو الاستمتاع بخدمات مستشار رقمي يسمى “Waze” ؟ الذي يرشدك في كل مكان على الطريق.
إذا قالوا أنهم تخيلوا أن كل ما سبق سيحدث، فأرجو أن يحال هؤلاء الأشخاص إلي. نحن دائمًا بحاجة إلى متنبئين جيدين بالمستقبل.
الحقيقة هي أن قلة قليلة جدًا اعتقدت في تلك الأيام القديمة أن التكنولوجيا مثل الحواسيب العملاقة والشبكات اللاسلكية والذكاء الاصطناعي ستجد طريقها إلى الجمهور في المستقبل. حتى أولئك الذين تخيلوا أن هذه التكنولوجيا ستصبح أرخص وأكثر انتشارًا، فشلوا في تخيل الاستخدامات التي ستُستخدم لها وكيف ستغير المجتمع. وها نحن الآن، هناك صورًا عارية تُنشر على فيسبوك. شكرًا مرة أخرى للتكنولوجيا.
تاريخنا مليء بالحالات التي غيّرت فيها التكنولوجيا الجديدة والمبتكرة، أو مجموعة من هذه التكنولوجيا، حياة الناس تمامًا. التغيير غالبًا ما يكون دراماتيكيًا لدرجة أن الأشخاص الذين عاشوا قبل القفزة التكنولوجية يصعب عليهم فهم كيف تفكر الأجيال التي تليهم. الأشخاص الذين عاشوا قبل التغيير، من الممكن أن يعتبروا الجيل الجديد كائنات فضائية في طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم.
هذه الانتقالات الدرامية في التفكير تسمى “النقطة المفصلية” – وهي عبارة مشتقة أصلًا من الرياضيات، وتصف نقطة لا يمكننا فك رموز خصائصها الدقيقة. إنه ذلك المكان الذي تجنح فيه المعادلات وتفقد معناها.
انتشرت الشهرة المتزايدة للتطور التكنولوجي المدهش في العقود الأخيرة بدرجة كبيرة بسبب اثنين من المفكرين. الأول هو العالم وكاتب الخيال العلمي فيرنور فينج، الذي كتب في عام 1993:
“خلال ثلاثين عامًا، ستكون لدينا الوسائل التكنولوجية لخلق ذكاء يفوق قدرات البشر. وبعدها بفترة قصيرة، ستنتهي حقبة الإنسان.“.
والمتنبئ الآخر البارز بالتفوق التكنولوجي هو راي كورزويل. في كتابه “التفوق التكنولوجي قريب”، يتفق كورزويل في الأساس مع فينج ولكنه يعتقد أن الأخير كان متفائلًا جدًا في رؤيته للتقدم التكنولوجي. يعتقد كورزويل أنه بحلول عام 2045 سنشهد أعظم تفوق تكنولوجي في تاريخ البشرية: النوع الذي يمكن أن يقلب في غضون سنوات قليلة مؤسسات وركائز المجتمع ويغير تمامًا الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا ككائنات بشرية.
تمامًا مثل فينج، يعتقد كورزويل أننا سنصل إلى التفوق التكنولوجي من خلال إنشاء ذكاء اصطناعي فائق القدرات. يمكن للذكاء الاصطناعي من هذا المستوى أن يتصور أفكارًا لم يفكر فيها أي إنسان في الماضي، وسيخترع أدوات تكنولوجية ستكون أكثر تطورًا وتقدمًا من أي شيء لدينا اليوم.
نظرًا لأن أحد أدوار هذا الذكاء الاصطناعي سيكون تحسين نفسه وتحقيق أداء أفضل، فمن الواضح جدًا أنه بمجرد امتلاكنا لذكاء اصطناعي فائق الذكاء، فإنه سيكون قادرًا على إبداع نسخة أفضل من نفسه.
خمّن ما سيفعله الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي؟ بالطبع – تحسين نفسه بشكل أعمق وأفضل. هذا النوع من المنافسة سيؤدي إلى انفجار في الذكاء وسيتركنا – نحن البشر البسطاء والآلات البيولوجية – متخلفين جدًا.
مجتمع ذو ذكاء وإبداع فائق كذكاء أينشتاين
إذا كانت هذه الفكرة تثير خوفك، فأنت لست وحدك. قد أعرب بعض أشهر العلماء والفلاسفة والمخترعين، مثل ستيفن هوكينغ وإيلون ماسك، عن قلقهم بالفعل من أن الذكاء الاصطناعي الفائق يمكن أن يفلت عن سيطرتنا ويتحول ضدنا. وهناك آخرون يركزون على الفرص العظيمة التي يمكن أن تتاح لنا بهذه التقنية. إذا احتُجِز وقُيّد الذكاء الاصطناعي الفائق بكيفية صارمة، يعتقدون أنه يمكنه تحليل وكشف العديد من عجائب العالم بالنسبة لنا. فبعد كل شيء، إينشتاين كان عبقريًا رائعًا قد غيّر فهمنا للفيزياء. حسنًا، كيف سيتغير العالم إذا استمتعنا بالعشرات والمئات والملايين من “إينشتاين” الذين يمكنهم تحليل كل مشكلة وإيجاد حل لها؟
بنفس الطريقة، كيف ستبدو الأمور إذا كان لكل واحد منا القدرة على الاستمتاع ب “دكتور هاوس” خاص به، الذي يحلل حالته الطبية باستمرار ويقدم توصيات مستمرة؟ وما هي الأفكار والاكتشافات الجديدة التي قد تظهر عندما يستعرضون تاريخ البشرية والكتب المقدسة؟
بالفعل نشهد كيف بدأ الذكاء الاصطناعي في تغيير طرائق تفكيرنا بأنفسنا. تمكن الكمبيوتر “ديب بلو” من هزيمة جاري كاسباروف في لعبة الشطرنج عام 1997. واليوم، بعد ما يقرب من عشرين عامًا من التطورات الإضافية، لم يعد يستطيع المحترفون في لعبة الشطرنج هزيمة الذكاء الاصطناعي حتى على جهاز كمبيوتر محمول. ولكن بعد هزيمته، أنشأ كاسباروف نوعًا جديدًا من المسابقات في لعبة الشطرنج: تلك التي يتعاون فيها لاعبو الروبوتات والأشخاص معًا، ويحققون نجاحات وإنجازات أكبر مما سيحققه كل منهم بمفرده. في هذا النوع من التعاون، يقدم الكمبيوتر حسابات سريعة للحركات الممكنة، ويقترح عدة خيارات للاعب الإنسان. يحتاج زميله البشري إلى اختيار أفضل خيار، وفهم خصومه وإرباكهم.
معًا، يخلق الاثنان “سنتور”: كائن أسطوري يجمع بين أفضل صفات نوعين مختلفين. نرى بذلك أن الذكاء الاصطناعي قد دفع بلاعبي الشطرنج إلى إعادة التفكير في إنسانيتهم ولعبتهم.
في العقود القادمة، يمكننا توقع حدوث ظاهرة مشابهة في العديد من الألعاب والمهن والمجالات الأخرى التي كانت محصورة سابقًا للبشر فقط. سيواجه بعض البشر صعوبات في التكيف مع التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما سيتجاهل آخرون هذه التغيرات. وسواء اختار الفرد المقاومة أو التجاهل، فإن كلا النهجين سيؤدي إلى نتائج كارثية، إذ عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر قدرة من الإنسان، ستظل هذه المجموعتين متخلفتين. ولكن هناك من سيدرك أن السبيل إلى النجاح يكمن في التعاون مع الحواسيب المتطورة. سيرشدها ويرشد نموها وتطورها. هؤلاء الأشخاص سيكونون “سِنْتَورَس” (Centaurs) المستقبل. وإدراك أن الإنسان لم يعد قادرًا على الاعتماد فقط على نفسه وعقله، بل يجب أن يتعاون ويتحد مع الحواسيب المتطورة للتغلب على تحديات الغد – أليس هذا تحولًا ثوريًا في حد ذاته؟
- ترجمة: نور بكداش
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1