كيف تغير الوحدة الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا العالم
إذا كان هناك شيء واحد نجده مشتركًا بيننا كبشر، فهو أن معظمنا قد شعر بالوحدة في وقت ما. لكن هل الألم الذي يأتي مع الشعور بالعزلة الاجتماعية هو ببساطة جزء من كوننا بشرًا؟ لماذا يبدو العالم مختلفًا جدًا عندما نشعر بالوحدة؟
بدٱت الأبحاث الحديثة في تقديم بعض الإجابات، واتضح أن الوحدة يمكن أن تؤثر في تصوّرك واستيعابك.
على الرغم من أن لا أحد يستمتع بالشعور بالوحدة، إلا أن العلماء قد جادلوا بأن البشر تطوروا ليشعروا بهذا الشكل لأسباب جيدة.
العلاقات الإجتماعية ضرورية، حيث توفر الأمان والموارد والفرص للإنجاب وما إلى ذلك. الحقيقة أننا نجد الشعور بالوحدة مؤلمًا غالبًا ما يحفزنا على إعادة الاتصال بالآخرين، جالبين مع ذلك جميع هذه الفوائد.
و لكن الأمور ليست بهذا البساطة. يمكن أن يسبب الشعور بالوحدة أيضًا الانسحاب الاجتماعي وأنواعًا من التفكير السلبي، مما يمكن أن يجعل من الصعب التواصل مع الناس.
الدماغ الوحيد
أظهرت الدراسات اختلافات في مناطق الدماغ المرتبطة بالوحدة. في البالغين الشبان الذين يشعرون بالوحدة، يكون لديهم أقل كثافة في المادة البيضاء المرتبطة بالاستيعاب الاجتماعي والتعاطف (المادة البيضاء: شبكة كبيرة من الألياف العصبية التي تسمح بتبادل المعلومات والتواصل بين مناطق مختلفة من دماغك). ولكن في البالغين الأكبر سناً الذين يشعرون بالوحدة، يكون حجم مناطق الدماغ المهمة لمعالجة المعلومات وتنظيم العواطف أصغر بالفعل بالحجم.
أظهرت دراسة حديثة أن أدمغة الأشخاص الوحيدين تعالج العالم بشكل فريد. طلب الباحثون من المشاركين مشاهدة سلسلة من مقاطع الفيديو داخل ماسح تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي ووجدوا أن الأشخاص غير الوحيدين أظهروا نشاطًا عصبيًا متشابهًا جدًا بينهم، بينما أظهر الأشخاص الوحيدين نشاط دماغي كان مختلفًا بين بعضهم وبين المشاركين غير الوحيدين. لذا يبدو أن الأشخاص الوحيدين ينظرون إلى العالم بشكل مختلف عن الآخرين.
العثور على أصدقاء في الخيال
هذا واضح أيضًا في كيفية رؤية الأشخاص الوحيدين للشخصيات الخيالية. قام باحثون في الولايات المتحدة بإجراء فحوصات دماغية على محبي المسلسل التليفزيوني Game of Thrones، بينما قرر هؤلاء المعجبون ما إذا كانت الصفات المختلفة تصف بدقة شخصيات المسلسل. تمكن مؤلفو الدراسة من التعرف على النشاط في الدماغ الذي يميز بين الأشخاص الحقيقيين والأشخاص الخياليين.
بينما كان الفرق بين هاتين الفئتين واضحًا بالنسبة للأشخاص غير الوحيدين، كانت الحدود مشوشة بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون أكثر بالوحدة. تشير هذه النتائج إلى أن الشعور بالوحدة قد يكون مرتبطًا بالتفكير في الشخصيات الخيالية بطريقة مشابهة لأصدقاء العالم الحقيقي.
ومع ذلك، نظرًا لتصميم الدراسة، من غير واضح ما إذا كانت النتائج تشير إلى أن الوحدة تسبب هذه الطريقة من التفكير أم أن النظر في الشخصيات الخيالية بهذه الطريقة يسبب للأشخاص الشعور بالوحدة. وهناك دائمًا إمكانية وجود عامل ثالث يسبب كلتا النتيجتين.
دراسة حديثة أخرى، هذه المرة من قبل باحثين في اسكتلندا، قدمت المزيد من الأدلة على كيفية تأثير الوحدة على استيعابك. تركز هذه الدراسة على الأشياء غير الحية. تم عرض صور على المشتركين لمنتجات تحتوي على وجوه باريدولية (أنماط تشبه الوجوه) وطُلب منهم إعطاء تقييمات متعددة مثل مدى استعدادهم لاستكشاف المنتج ومدى احتمالية شرائه. أظهرت النتائج أن المشتركين الأكثر وحدة (مقارنة بأولئك الذين هم أقل في الشعور بالوحدة المبلغ عنها ذاتيا) كانوا أكثر عرضة للتركيز على المنتجات والتفاعل معها وشراؤها إذا كانت تحمل صور “سعيدة”. هذه النتائج قد تقدم مرة أخرى دليلاً على أن الوحدة مرتبطة بالدافع للعثور على تواصل، حتى إذا كان مع الأشياء.
بالفعل، هذا منطقي في ضوء الأعمال السابقة التي تشير إلى أن الأشخاص الأكثر وحدة عرضة أكثر لأن يجسّموا الأجهزة أو حتى حيواناتهم الأليفة.
إذا نظرنا إلى هذه الدراسات وما يبدو أنها تخبرنا به، فإن الوحدة ليست فقط غياباً تمر به عن الآخرين، بل هي أيضاً رغبة في الاتصال. سواء كان ذلك عن طريق التفكير في الشخصيات الخيالية كأصدقاء حقيقيين أو الانجذاب نحو الأشياء السعيدة، يبدو أن أدمغتنا تبحث عن روابط اجتماعية أينما تجدها، خصوصاً عندما نشعر بأن البشر الآخرين لا يقدمون لنا ما يكفي منها.
- ترجمة: نور موازيني
- تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
- المصادر: 1