الطفرات الوراثية التي تُعزِّز التكاثر تميل إلى تقصير العمر
وجد الباحثون في دراسة جديدة أن التكاثر وعمر الإنسان يرتبطان وراثيًا بصورة سلبية وبقوة.
الدراسة قادتها جامعة ميشيغان استنادًا إلى مراجعة المعلومات الوراثية والصحيّة لأكثر من 276000 شخص دعمًا قويًا لنظرية تطورية دامت لعقود من الزمان، سعت إلى تفسير الشيخوخة.
في عام 1957، اقترح عالم الأحياء التطوري ‘جورج ويليامز George Williams’: أنه من المحتمل أن يفضل الانتقاء الطبيعي -الطفرات الوراثية- التي تسهم في الشيخوخة إذا كانت مفيدة في وقت مبكر من الحياة في تعزيز التكاثر المبكر أو إنتاج المزيد من النسل.
كان ويليامز أستاذًا مساعدًا في جامعة ولاية ميشيغان في ذلك الوقت.
لا تزال فكرة ويليامز، المعروفة الآن باسم نظرية تعدد الأشكال المعادية للشيخوخة، التفسير التطوري السائد للشيخوخة، أي عملية التقدم في السن. ومع أن النظرية تدعمها دراسات حالة فردية، فإنها تفتقر إلى أدلة واضحة على مستوى الجينوم.
في الدراسة الجديدة، المقرر نشرها في 8 كانون الأول/ديسمبر في مجلة Science Advances، اختبر عالم الأحياء التطوري ‘جيانزي شانغ Jianzhi Zhang’ زميل صيني فرضية ويليامز باستخدام المعلومات الوراثية والإنجابية وسجل الوفيات من 276.406 مشارك، في قاعدة بيانات بنك حيوي في المملكة المتحدة، ووجدوا أن التكاثر والعمر يرتبطان وراثيًا ارتباطًا سلبيًا قويًا، مما يعني أن الطفرات الوراثية التي تُعزِّز التكاثر تميل إلى تقصير العمر.
ووفقًا للدراسة، فإن الأفراد الذين يحملون الطفرات ذلك يجعلهم عرضة لمعدلات تناسل عالية، ونسبيًا لديهم احتمالات أقل للعيش إلى سن 76 من أولئك الذين يحملون طفرات تجعلهم عرضة لمعدلات التناسل المنخفضة نسبيًا.
ومع ذلك، يحذر المؤلفون من أن التكاثر وطول العمر يتأثران بالجينات والبيئة. وبالمقارنة مع العوامل البيئية -بما في ذلك آثار وسائل منع الحمل والإجهاض على الإنجاب والتقدم الطبي على مدى الحياة- فإن العوامل الوراثية التي نوقشت في الدراسة تؤدي دورًا صغيرًا نسبيًا.
يقول تشانغ، أستاذ جامعة مارشال دبليو نيرنبرغ في قسم البيئة والبيولوجيا التطورية: “تقدم هذه النتائج دعمًا قويًا لفرضية ويليامز، بأن الشيخوخة تنشأ كنتاج ثانوي من الانتقاء الطبيعي للتكاثر في وقت مبكر. إذ لا يهتم الانتقاء الطبيعي كثيرًا بمدة حياتنا بعد الانتهاء من التكاثر؛ لأن لياقتنا البدنية تتحدد إلى حد كبير بنهاية التكاثر”.
اللياقة هي مفهوم يستخدمه علماء الأحياء لوصف الدرجة التي تزيد بها خصائص الكائن الحي من عدد نسله. ويقول تشانغ: “المثير للاهتمام أننا وجدنا عندما يتم التحكم في كمية وتوقيت التكاثر المتوقع وراثيًا، فإن إنجاب طفلين يتوافق مع أطول عمر، وإنجاب عدد أقل أو أكثر من الأطفال يقلل من العمر”.
وتدعم هذه النتيجة نتائج العديد من الدراسات السابقة.
المؤلف المشارك لتشانغ في مجلة Science Advances هو ‘إربينغ لونغ Erping Long ‘ من الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية وكلية الطب التابعة لاتحاد بكين. كان لونغ طالبًا زائرًا في U-M عندما بدأت الدراسة.
في علم الوراثة، يفترض مفهوم تعدد الخلايا أن طفرة واحدة يمكن أن تؤثر على صفات متعددة. وتُعرف فكرة أن نفس الطفرة يمكن أن تكون مفيدة وضارة على حد سواء تبعًا للحالة، باسم تعدد النمط الظاهري المضاد، وقد اقترحها ويليامز لتحديد أصل الشيخوخة في ورقة بعنوان “تعدد النمط الظاهري، الانتقاء الطبيعي، وتطور الشيخوخة”.
أما علماء الأحياء، فإن الشيخوخة تشير على وجه التحديد إلى الانخفاض التدريجي لوظائف الجسم الذي يظهر على أنه انخفاض في الأداء التناسلي وزيادة في معدل الوفيات مع التقدم في السن. مكّنت قاعدة بيانات البنك الحيوي البريطاني تشانغ ولونغ من تقييم العلاقة الجينية بين التكاثر ومدة الحياة على مقياس الجينوم.
فحص الباحثون تواتر 583 من المتغيرات الجينية المرتبطة بالتكاثر في قاعدة البيانات، ووجدوا أن العديد من المتغيرات المرتبطة بزيادة التكاثر أصبحت أكثر شيوعًا في العقود الأخيرة، مع ارتباطها المتزامن مع قصر العمر. التي من المفترض أن زيادة تواتر المتغيرات ناتجة عن الانتقاء الطبيعي للتكاثر العالي.
يقول تشانغ: “تتنبأ نظرية تعدد الأشكال المعادية للشيخوخة بأن معظم الطفرات التي تزيد من التكاثر وتقلل من العمر لها مزايا لياقة أكبر من عيوبها لذلك فهي مفضلة بوجه انتقائي”.
وفقًا للدراسة الجديدة، فقد تغير العمر المتوقع للإنسان ومعدل الولادة والسلوك الإنجابي بصورة جذرية في العقود القليلة الماضية. وعلى وجه التحديد، فإن أكثر من نصف البشر يعيشون في مناطق من العالم انخفضت فيها معدلات الولادة إلى جانب زيادة حالات منع الحمل والإجهاض والاضطرابات الإنجابية.
من ناحية أخرى، ارتفع متوسط العمر البشري العالمي عند الولادة بصورة مستقرة من 46.5 سنة في عام 1950 إلى 72.8 سنة في عام 2019.
يقول تشانغ: “هذه الاتجاهات ناتجة في المقام الأول عن تحولات بيئية كبيرة، بما في ذلك تغيرات في أنماط الحياة والتقنيات، وهي عكس التغيرات الناجمة عن الانتقاء الطبيعي للمتغيرات الجينية المحددة.
في هذه الدراسة. يشير هذا التباين إلى أن العوامل الوراثية تؤدي دورًا ثانويًا في التغيرات الظاهرية البشرية التي دُرِست هنا مقارنة بالعوامل البيئية “.
- ترجمة: حنان الميهوب
- تدقيق لغوي: غفران التميمي
- المصادر: 1