للتورين دور في عكس علامات الشيخوخة لدى الحيوانات، فهل له ذات التأثير علينا؟
بعد الكثير من السعي للحصول على علاج يسمح للناس بالعيش فترة أطول، مع التمتع بصحة جيدة في سن الشيخوخة، شملت المحاولات عمليات نقل الدم، والعلاجات الجينية، وزرع البراز، اكتشف الباحثون في مجال طول العمر أخيرًا أفكارًا جوهرية تساهم في ذلك، فالآن، تشير دراسات حديثة أُجريت على الفئران والقِرَدة أن التورين Taurine أحد مقوّمات الحصول على حياة أطول وأكثر صحة، وهو عنصر غذائي زهيد المقدار يوجد عادةً في مشروبات الطاقة، وينتجه الجسم طبيعيًا في أثناء ممارسة الرياضة، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت النتائج على الحيوانات تترجِم وتفسِّر نتائجَه على البشر، وستكون هناك حاجة إلى دراسة سريريّة كبيرة، وطويلة الأمد، لتأكيد هذه النتائج على البشر، وقد يكون من المفيد دراسته عن كثب.
الفكرة:
تنتج أجسادنا التورين طبيعيًا لدعم الوظيفة المناعية، والاستقلاب، وغيرها من وظائف الجسم، كما أنه يوجد في العديد من الأطعمة، والبعض يتناول مكملات التورين لتحسين الأداء الرياضي (مع عدم وجود أي دليل على فائدته في ذلك).
اكتشف فيجاي ياداف، وهو أستاذ جامعي مساعد في علم الوراثة والتطور في جامعة كولومبيا، بالصدفة أنّ للتورين دورًا مساعدًا في تكوين العظام، وذلك عندما كان يبحث في مرض تخلخل العظام، ودمج ما توصل إليه مع عمل باحثين آخرين، بالإضافة إلى علاقة مستويات التورين مع قضايا صحية أخرى، والنتيجة وجّهت تفكيره حول احتمال أن يكون للتورين دور في الشيخوخة، إذ قال ياداف، الذي قاد دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science: «إذا كان التورين ينظم كل هذه العمليات التي تتراجع مع التقدم في العمر، فمن الممكن أن تؤثّر مستوياته في الدم في الصحة العامة والمدى العُمري (عدد السنوات المُتوقَّع أن يعيشها الانسان)».
الدراسة:
بدأ فريق ياداف (الذي يضم أكثر من 50 باحثًا من مختلف أنحاء العالم)، بقياس مستويات التورين في دم الفئران، والقرود، والبشر بهدف معرفة العلاقة المحتملة بين التورين وطول العمر، ولاحظوا انخفاضها الكبير مع تقدم العمر.
بعد ذلك، صنفوا 250 فأرًا في منتصف العمر ضمن مجموعتين، وأُعطيَت المجموعة الأولى جرعة يومية من التورين، والمجموعة الأخرى محلول مراقبة.
وفي نهاية التجربة، استمرت حياة الإناث والذكور في مجموعة التورين مدة أطول من نظيرتها بمقدار 12% و10% على التوالي.
وبتجربة أخرى الهدف منها معرفة إذا كان للتورين دور في بقاء الفئران بصحة جيدة فترة أطول، أم أنه يساعد فقط بالبقاء على قيد الحياة لفترة أطول، في هذه التجربة، غُذِّيت إناث الفئران بالتورين يوميًا مدة عام تقريبًا، وذلك ابتداءً من عمر 14 شهرًا (وهو ما يعادل منتصف العمر للبشر)، ودلّت نتائج التجربة على أن الفئران التي زُوِدَت بالتورين تمتّعت بصحة أفضل من مجموعة المراقبة من كافة النواحي تقريبًا، إذ كان لديها طاقة أكبر، وعظام أكثر كثافة، وعضلات أقوى، كما أنها بَدت أصغر سنًا على المستوى الجزيئي، وعدد أقل من (خلايا زومبي) الهرِمة، وتَلَف أقل في الحمض النووي DNA.
وكذلك الأمر بالنسبة للقردة، إذ أعاد الباحثون التجربة السابقة على قرود في منتصف العمر، وغُذِّيت بالتورين ستة أشهر، مع مجموعة أخرى للمراقبة، وكانت آثاره الصحية مماثلة لما حدث مع الفئران.
أما بالنسبة لتأثير التورين على البشر، فلم يجرِ الباحثون أي تجربة، ولكنهم حدّدوا مستوياته لدى 12,000 شخص فوق سن 60، ووجدوا أن مَن يملك مستويات طبيعية أعلى، يتمتع بصحة أفضل، ويعاني درجة أقل من الالتهاب، وارتفاع الضغط، والسمنة، وأمراض أخرى.
قال ياداف: «هذه ملابسات لا تُثبت العلاقة السببية، ولكن النتائج تتفق مع احتمال أن نقص التورين يساهم في حدوث شيخوخة الانسان».
كما قام الفريق أيضًا بقياس مستويات التورين لدى الرياضيين، والأفراد كثيري الجلوس (غير النشيطين) قبل وبعد ممارسة تمارين مُجهِدة، ولاحظوا ارتفاع مستوياته لدى الجميع بعد التعرّق، بغض النظر عن قدرتهم البدنية الأساسية، وعلّق ياداف على ذلك بالقول: «تشير هذه النتيجة إلى احتمال أن تكون زيادة التورين أحد الفوائد الصحية للتمارين الرياضية».
نظرة مستقبلية:
الطريقة الوحيدة للتأكد من كون مكملات التورين تساعد على زيادة عمر البشر، هي التجارب السريرية الخاضعة للرقابة، يعتقد ياداف أن هذه التجارب تستحق الجهد وجديرة بالاهتمام، وذلك بالاعتماد على النتائج التي توّصل لها فريقه، بالإضافة إلى طبيعة التورين، إذ يقول: «تُنتج أجسامنا التورين طبيعيًا، ويمكن الحصول عليه من النظام الغذائي، وليس له أيّ آثار سميّة معروفة، (مع أنّ التراكيز المستخدمة في الدراسة نادرة الاستخدام)، ويمكن تعزيزه بممارسة التمارين الرياضية».
ومع ذلك، من الصعب إجراء تجارب لإطالة عمر الانسان، لأنه يعيش لفترة طويلة، وهذا سيتطلب دراسة كبيرة والكثير من المتابعة للحصول على إجابة واضحة، ولكن إذا تم تمويل مثل هذه الدراسة، والموافقة عليها، قد تقّدم أدلة قيّمة حول كيفية حدوث الشيخوخة، وإذا كان من الممكن إبطاؤها.
- ترجمة: ريتا ابراهيم
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1