المحادثات البسيطة مع أي شخص تقريبًا قد يكون لها نتائج مُرضية

التواصل مهم للغاية حتى لو كان مع الأشخاص غير المهمين.

يقول ديفيد بيرمان: «أُريد أن أكون شخصًا لطيفًا وودودًا، ولكن أنا لا أعرف كيف أقوم بذلك».

قبل عدة سنوات، كنت أنتظر في طابور في الجمعية التعاونية المحلية عندما لاحظت امرأة ترتدي قميصًا عليه شعار فرقة Old 97 s ولدهشتي، لم أستطع إلا أن أنطق بشيء مثل (آه، Old 97 s) مع رفع حاجبي بشكلٍ مُحرج كما أفعل عادًة.

ولحسن الحظ، فقد اتضح أنّ محاولتي المترددة للتواصل مع الآخرين كانت رائعة بشكلٍ مدهش، والآن أصبحت المرأة التي ترتدي القميص إلى جانب زوجها وطفلها وحتى والديها أصدقاء عائليين أعزاء يملؤون حياتي بشكلٍ كبير. قد تعتقد أنني سأبدأ في تكوين المزيد من العلاقات بناءً على الهوايات المشتركة بعد هذه التجربة أليس كذلك؟

لا أنا لم أفعل

في الواقع، كثيرًا ما أضحك أنا وأصدقائي على مدى غرابة هذا التفاعل بالنسبة لي، وكيف يمكن أن يكون السبب في أن لدي 7 أصدقاء فقط. على غرارِ الفرد المُشار إليه في المقارنة المذكورة سابقًا، فأنا ودود للغاية في جوهر الأمر. من المحتمل أن تكون هذه طريقة خاطئة للعيش، وهذا ما يدركه علماء النفس.

هل تعرف جيليان ساندستروم؟

إذا كنت تقيم في منطقة معينة في انكلترا، فإنّ حسابها الرائع على التويتر قد يوحي على أنهُ قد تكون على دراية بها بالفعل. جيليان هي عالمة نفسية اجتماعية ذات كاريزما في جامعة ساسكس، كانت تدرس لفترة من الزمن تأثير الروابط الضعيفة، سواء في البيئات الخاضعة للرقابة أو في العالم الخارجي.

الروابط الضعيفة هي روابط اجتماعية مؤقتة مع شخص له أهمية ثانوية في حياتك، على عكس الروابط القوية التي تكون أكثر عمقًا وحميمية، الشخص الذي كنت أراه في البداية على أنهُ رابط ضعيف، والذي عملت معه بالصدفة، تطور في النهاية إلى رابطٍ قوي.

ولكن على العكس، ليس بالضرورة أن تتحول الروابط الضعيفة إلى روابط قوية من أجل زيادة سعادة الفرد ورفاهيته. هذا ما اكتشفه كل من (ساندسوم ودون) في عام (2014) عندما درسوا كيف تأثرت سعادة الناس بتفاعلاتهم مع الروابط الضعيفة والقوية بمرور الوقت.

الأفراد الذين تواصلوا بشكلٍ أكبر خارج نطاق دائرتهم الاجتماعية كانوا يميلون إلى الشعور بالسعادة في تلك الأوقات.

وهذا ليس مقتصرًا فقط على الأشخاص الاجتماعيين الذين هم أكثر ميلًا للتحدث مع الغرباء ويميلون أكثر نحو المشاعر الإيجابية.

كان الناس يظهرون سعادة أكبر في الأيام التي كانوا يتفاعلون مع الأشخاص الذين ليسوا من العلاقات القوية بالمقارنة مع مشاركاتهم الاجتماعية المعتادة التي يختبرونها، ببساطة، يبدو أنّ التفاعل مع الآخرين -حتى مع الآخرين غير المهمين نسبيًا- يساعد على الشعور بالسعادة.

خلال تلك السنة، أَجرى (إبلي وشرودر) دراسة شهيرة حيث شجعوا المسافرين على التواصل مع الغرباء خلال رحلتهم. واكتشفوا أنهُ على الرغمِ من اهتمامنا المحدود بذلك، إلا أننا غالبًا ما نشعر بتحسن في المزاج بعد القيام بذلك.

تأتي عدم الرغبة في إجراء محادثات مع الغرباء بسبب الشعور بالتوتر بشأن قدرات الشخص على إجراء محادثات عابرة أو التساؤل عما إذا كانت الأحاديث العابرة تستحق العناء (يمكنني شخصيًا أن أتفهم كل من هذين السببين).

بالنظر إلى الأدلة التي لدينا والتي تظهر أنّ الارتباطات أو التفاعلات الضعيفة مع الغرباء يمكن أن تُحسن من حالتنا المزاجية، حتى بالنسبة للأفراد الانطوائيين فقد يكون من الجيد التفكير في طرق لتحفيز الناس على إعطاء الأولوية لمصلحتهم في هذا الجانب.

كانطباعٍ أوليّ، يبدو أننا نميل بشكلٍ طبيعي إلى الانخراط في الأحاديث الصغيرة، وعندما نكافَأ على ذلك فإننا نميل إلى تكراره. وقد يدرك الناس مزايا التفاعل الاجتماعي على الفور، ولكن هذه الفوائد لا تدوم طويلًا.

في الواقع، أشار كل من (ساندسوم ودون) في عام 2014 إلى أنّ الدراسات التي تتضمن أخذ عينات تجريبية تظهر عدد أكبر من التفاعلات مقارنة بالدراسات التقليدية للتفاعلات الاجتماعية. وهذا يعني أنه على الرغم من إيجابيتها، فإنّ العديد من التفاعلات تُنسى بسهولة بعد حدوثها بفترة وجيزة وبالتالي أنّ الشرارة الأولية للمشاعر الإيجابية تتلاشى بسرعة، وأنّ التفاعلات العَرضية مع المعارف قد لا يكون لديها الفرصة لتُصبح سلوكًا مُرسخًا.

تستند رؤى (ساندرستروم) على أنّ ترسيخ السلوك يحتاج إلى عدد كبير من هذه السلوكيات وتدعيمها بشكلٍ مستمر. وتشير الدراسات إلى أنّ تأسيس عادة بشكلٍ متعمد يحتاج إلى عدة شهور (لالي وأخرون، 2010).

في هذه الحالة، يمكن أن تكون هناك آليتان رئيسيتان محتملتان لتكوين العادة. الآلية الأولى: فُرص التعزيز المذكورة سابقًا: نظرًا لأن العديد من التفاعلات إيجابية في الواقع فإنّ المشاركة في المزيد منها سيعزز ارتباط السلوك/ الاستجابة.

تتضمن الآلية الثانية عملية تسمى (تقليل الحساسية التدريجي) حيث يدرك الأفراد أن العواقب المخيفة التي يتوقعونها مثل (الرفض الاجتماعي) لا تحدث عادة، مما يؤدي إلى انخفاض في مستويات القلق.

تحقق كل من (ساندرستروم) وآخرون من هذين الاحتمالين في دراسةٍ بحثية حديثة، هذه المرّة قدم فريقها للأفراد (تحديات) حيث كان عليهم التفاعل مع أفراد غير مألوفين الذين استوفوا معايير محددة. مثل بدء محادثة مع شخص يرتدي حذاءً مثيرًا للإهتمام أو لديه وشمًا أو يبدو أنهُ رياضي.

طلب من كل شخص المشاركة في نشاط واحد من القائمة مرة واحدة في اليوم على الأقل ولمدة اسبوع.

في مجموعة التحكم (للمراقبة والمقارنة) راقب الأفراد شخصًا موشومًا بينما في المجموعة التجريبية دخلوا في محادثة مع نفس الشخص. في البداية، أفادت المجموعتان بمستوياتٍ متشابهة من القدرةِ على المحادثة والراحة في التحدث إلى الغرباء، والاستمتاع بمثل هذه التفاعلات وإيجابية الانطباع الذي تركوه على الآخرين.

بعد اسبوع واحد أظهرت المجموعة التي تلقت العلاج تحسنًا ملحوظًا استمر خلال المتابعة في الأسبوع التالي.

وشملت هذه التحسينات الشعور بإحراج أقل واختبار مستويات أعلى في جوانب مختلفة. وفي المقابل، لم تُظهر مجموعة التحكم اتجاهًا مشابهًا. بالإضافة إلى ذلك، ذكر الأفراد في مجموعة العلاج بدء المزيد من المحادثات مع الغرباء في الأسبوع التالي ربما بسبب زيادة وعيهم بهذه الفُرص.

في النهاية، وهذا بالغ الأهمية، شعر الناس بأنهم أقل عرضة للرفض الاجتماعي بعد المشاركة بالعلاج، ولم يكن ذلك بسبب تعرضهم لرفض بسيط، بل بسبب عدم تعرضهم للرفض إلا على نحو ضئيل.

كان واضحًا من قراءاتي أنّ دفع نفسك للتفاعل مع أشخاص غرباء ممكن يساعد في تغير موقفك تجاه هذا الفعل، مما يؤدي إلى تغير سلوكك، وكما تعلمنا بالفعل، من المحتمل أن يؤدي إلى لحظات أكثر سعادة يومية.

وفي الختام

وبينما كنت منشغلًا ببحثي، توجهنا إلى منزل صديقتي صاحبة قميص Old 97 s لتناول العشاء، وأثناء سيرنا صرخ طفل صغير في سيارة عابرة بجانبنا بشيء لإبنتي البالغة من العمر 5 سنوات، كنت خلفها بضع خطوات وفوتتُ ماقيل! وتساءلت عن سبب صياح هذا الشخص، أبلغتني زوجتي أنهم قالوا: مرحبًا أنا أحب تنورتك.

ضحكت وأنا أفكر في رد فعل أحدهم إذا فعلت الشيء نفسه، ثم أدركت أنني أقع في الاعتقاد الخاطئ الشائع بأنّ الناس لن يقدروا التفاعل الاجتماعي غير المتوقع وأنه قد ينتهي بشكل سيء.

من هو الشخص الذي ليس لديه مخاوف؟ ابنتي البالغة من العمر 5 سنوات. إنها دائمًا تكلم الغرباء بثقة وتثني على كلبهم حذائهم أو ربطة الشعر وما إلى ذلك. يحزنني أن أفكر أنه قد يأتي يوم وتصبح متحفظة مثلي وتكتفي بالإعجاب بالأشياء من بعيد.

في أغنية “Purple mountains” المذكورة سابقًا، عبَّر المغني عن حزنه بسبب تكوين صديقته لأصدقاء جدد وشعوره بالغربة. يمكنني أن أشعر بالغربة في بعض الأحيان، ولكن يمكننا اختيار عدم فعل ذلك. مهمتنا هذا الأسبوع هي البحث عن شخص يرتدي حذاءً فريدًا ومثيرًا للاهتمام.

  • ترجمة: لمى القوتلي
  • تدقيق لغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1