دواء واحد فقط يمكنه علاج أكثر مرضين فتكاً في الولايات المتحدة الأمريكية

استنادًا إلى التغطية الإعلامية، القاتلان الرئيسيان هما أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان. ويشكّل هذان المرضان مجتمعَين ما يقارب ال 50 بالمائة من أسباب الوفيات في الولايات المتحدة.

يبدو أنّ أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان مختلفان تمامًا، لكن أوجه التشابه المكتشفة حديثًا بين أصول هذين المرضين وتطورهما تعني أن بعض العلاجات قد تكون فعالة ضد كليهما.

أمضى مهندس في الطب الحيوي عقدين من الزمن في دراسة وتطوير طرق لتحسين كيفية انتقال الأدوية عبر الجسم. وقد اتضح أن الجسيمات النانوية الصغيرة المهندَسة والتي يمكنها استهداف خلايا مناعية معينة قد تكون وسيلة لعلاج السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية.

أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان

تصلب الشرايين هو الشكل الأكثر فتكًا من أمراض القلب والأوعية الدموية. وينتج عن الالتهاب وتراكم الدهون والكوليسترول والدهون الأخرى في جدار الأوعية الدموية، مما يؤدي لتشكيل لويحة.

وتحدث معظم النوبات القلبية بسبب تمزّق هذه اللويحة، ومحاولة الجسم ترميم الجرح قد تشكّل جلطة دموية تسد الأوعية الدموية، وتؤدي إلى نوبة قلبية.

ومن ناحية أخرى، ينشأ السرطان عادة من الطفرات الجينية التي تجعل الخلايا تنقسم على نحوٍ لا يمكن السيطرة عليه. يمكن أن يكون نمو الخلايا السريع غير المكبوح وغير المعالَج مدمرًا، لأنه من الصعب إيقافه دون الإضرار بالأعضاء السليمة. وقد يبدأ السرطان في أي عضو من الجسم.

ومع أن الظاهر أن لأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان أصولًا وأسبابًا مختلفة، إلا أنهما يشتركان في العديد من عوامل الخطر، فعلى سبيل المثال، ترتبط السمنة والتدخين والإجهاد المزمن وبعض خيارات نمط الحياة (مثل سوء التغذية) بكلا المرضين. لماذا قد يشترك هذان المرضان في عوامل خطر متماثلة؟

تعود العديد من أوجه التشابه بين أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان إلى الالتهاب. ويعدّ الالتهاب المزمن سببًا رئيسيًا لتصلب الشرايين عن طريق إتلاف الخلايا المبطِّنة للأوعية الدموية وتفاقم اللويحات تدريجيًا.

وبالمثل، يمكن للالتهاب المزمن أن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان عبر زيادة الطفرات، ودعم بقاء الخلايا السرطانية وانتشارها عن طريق زيادة نمو الأوعية الدموية التي تغذيها بالمواد المغذية وقمع الاستجابة المناعية للجسم.

علاج المرضين بدواء واحد

تشير الأبحاث إلى أن العلاجات المصممة للسرطان يمكن أن تساعد أيضًا في علاج تصلّب الشرايين.

أحد الأمثلة على ذلك هو الأدوية التي تستهدف الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا البلعمية في الأورام وتجعلها تأكل الخلايا السرطانية، وقد اتّضح أن عقارًا مشابهًا يمكن أن يتسبّب في إزالة الخلايا البلعمية الخلايا الميتة والمحتضرة في تصلب الشرايين، مما يؤدي إلى تقليص اللويحات.

مثال آخر هو العلاجات المضادة لتحلل السكر التي تمنع انخفاض الجلوكوز. الجلوكوز، أو السكر، هو المصدر الرئيسي للطاقة في الجسم، ويمكن لهذه الأدوية أن تجعل الأوعية الدموية السرطانية المريضة والأوعية الدموية المصابة بتصلب الشرايين تبدو “طبيعية” أكثر، مما يؤدي بشكل أساسي إلى عكس عملية المرض في تلك الأوعية، ويمكنها أيضًا تقليل الالتهاب في تصلّب الشرايين.

مع أنّ العلاجات المسوّقة حاليًا مثل الستاتينات والفايبرات يمكن أن تخفض مستويات الدهون وتجلط الدم في تصلب الشرايين، إلا أن هذه الأدوية لم تعالج بشكل كافٍ خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.

لتحسين النتائج، يستخدم الأطباء بشكل متزايد أدوية متعددة موجهة ضد أهداف مختلفة. إحدى فئات العلاجات المثيرة للاهتمام هي مثبطات ناقل الجلوكوز/الصوديوم -2، والتي تُستخدَم تقليديًا لعلاج مرض السكري، وقد أظهر الباحثون أن هذه الأدوية توفّر حماية كبيرة من أمراض القلب والأوعية الدموية وتعالج السرطان.

تشير التجارب السريرية على الستاتينات ومثبطات ناقل الجلوكوز/الصوديوم -2 إلى وجود تداخل وثيق بين الالتهاب والاستقلاب وأمراض القلب والأوعية الدموية، مما يشير إلى فرص علاجية جديدة.

ومن الأمثلة على ذلك العلاجات المناعية التي تعمل على تثبيط “تثبيط المناعة”، وهذا النهج لعلاج السرطان أدى أيضًا إلى تقليل لويحات تصلب الشرايين في الدراسات التي أجريت على الحيوانات وتقليل التهاب الأوعية الدموية في دراسة صغيرة أجريت على البشر.

حصان طروادة الطبي النانوي

أظهر اكتشاف حديث أن الnanotubes (وهي جسيمات صغيرة جدًا مصنوعة من الكربون وهي أرق من شعرة الإنسان بأكثر من 10000 مرة)، يمكن أن تدخل إلى خلايا مناعية محددة وتنتقل عبر مجرى الدم وتدخل الأورام كحصان طروادة. ويمكن لهذه الجسيمات النانوية أن تحمل أي شيء، بما في ذلك الأدوية ومواد التباين المستخدمة في الكشف والتشخيص.

الخلايا المناعية التي تحمل الجسيمات النانوية تستقر بشكل طبيعي على الأورام من خلال الاستجابة الالتهابية، وبما أن السرطان وتصلب الشرايين من الأمراض الالتهابية، فقد درس فريق البحث ما إذا كانت الخلايا المناعية المحمّلة بالجسيمات النانوية يمكن أن تستهدف أيضًا اللويحات.

ويمكن تزويد ال الnanotubes بعلاج يحفز الخلايا المناعية على بلعمة البقايا الناتجة عن تحطيم اللويحة وبالتالي التقليل من حجمها. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقييد توصيل الأدوية على وجه التحديد إلى تلك الخلايا المناعية يقلل من خطر الآثار الجانبية. ويمكن أيضًا استخدام هذه الجسيمات النانوية لتحسين تشخيص أمراض القلب والأوعية الدموية من خلال تسليط الضوء على اللويحات.

توجد طريقة أخرى يمكن أن تدخل بها الجسيمات النانوية إلى الأورام، وهي الضغط عبر الفتحات الموجودة في الأوعية الدموية الجديدة التي تنمو في الحالات الالتهابية. يُعرف هذا باسم تأثير التخلل والاحتفاظ المعزز، إذ تتراكم الجزيئات الأكبر والجسيمات النانوية في الأنسجة ذات الأوعية الدموية المُسرِّبة وتبقى هناك لبعض الوقت بسبب حجمها.

وقد اكتشِف لأول مرة في مرض السرطان، ويطبق الباحثون هذا التأثير لتحسين توصيل الأدوية لأمراض القلب والأوعية الدموية، والتي يمكن أن تشمل أيضًا أوعية دموية مُسرِّبة.

تحسين تطوير الأدوية

إن للمسارات الجزيئية التي يتشاركها مرض السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية آثارًا تنظيمية مهمة. إنَّ التكاليف المترتبة على إدخال الأدوية إلى الطب السريري هائلة.

وبالتالي إمكانية تطبيق نفس الدواء على مجموعتين مختلفتين من المرضى توفر حوافز مالية كبيرة وحوافز للحد من المخاطر. كما أنه يوفر إمكانية العلاج المتزامن للمرضى الذين يعانون من كِلا المرضين.

دخلت أدوية السرطان المعتمدة على الجسيمات النانوية إلى الطب السريري لأول مرة في عام 1995، وطوّر الباحثون العديد من الأدوية الأخرى منذ ذلك الحين. ولكن يوجد حاليًا دواء نانوي واحد فقط للقلب والأوعية الدموية نال الموافقة من قبل إدارة الغذاء والدواء، وهذا يشير إلى فرصة لأساليب جديدة للعلاج النانوي لتحسين فعالية أدوية القلب والأوعية الدموية وتقليل الآثار الجانبية.

بسبب أوجه التشابه بين السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، قد تكون الأدوية النانوية السرطانية مرشحة قوية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية والعكس صحيح.

وعند اكتشاف العلوم الأساسية لأوجه تشابه جزيئية أخرى بين هذه الأمراض، سيكون المرضى هم المستفيدين من علاجات أفضل يمكنها علاج كِلا المرضين.

  • ترجمة: تالا رسلان
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1