كيف يعمل اللّيزر؟

تمّ التّنبّؤ به من قبل أينشتاين لأوّل مرّة منذ أكثر من قرن من الزّمان، وقد شكّل اللّيزر مشهدنا التّكنولوجيّ الحديث. ولكن كيف يعمل؟

إنّهم في الماسحات الضّوئيّة لمتجر البقالة واتّصالات الإنترنت والكاميرات الخلفيّة للسّيّارات. سواء كنت تدرك ذلك أم لا، فأنت تتفاعل مع اللّيزر كلّ يوم. لقد ساعدت هذه التّكنولوجيا المعتمدة على الضّوء في بناء العالم الحديث المترابط بشدّة الذي نعيش فيه. لكن ما هو اللّيزر بالضّبط، وكيف يعمل؟

كلمة “اللّيزر” هي في الواقع اختصار؛ إنّها ترمز إلى “تضخيم الضّوء عن طريق الانبعاث المحفّز للإشعاع”. يعمل اللّيزر عن طريق جعل الجسيمات النّشطة تهتزّ، أو “تتذبذب”، بشكلٍ متزامن، ممّا يعني أنّ قمم وقيعان موجات الضّوء تنبعث منها جميعها في خطّ واحد. وقال بيتر ديلفيت، مهندس ضوئيّ بجامعة سنترال فلوريدا: “فكّر في جيش يسير في تشكيل مقارنةً مع حشد من النّاس يتجوّلون حول ساحة بلدة. ذلك نوع من جودة ضوء اللّيزر مقابل الضّوء الأبيض غير المتماسك الذي اعتدنا عليه عادةً”.

عندما تصل الالكترونات الموجودة في الذّرّات المتزامنة اهتزازيًّا إلى أعلى حالاتها للطّاقة، فإنّها تعود فجأة إلى حالة الطّاقة المنخفضة في انسجام تامّ، وتبعث شكلًا خاصًّا من الضّوء أثناء هذه العملية. يُحسِّن جهاز اللّيزر بعد ذلك هذا الضوء عن طريق قفزة ذهابًا وإيابًا بين مرآتين قبل وضعه للاستخدام.

وقال ديلفيت: “ذلك هو الضّوء الفعليّ الذي تراه يخرج من مؤشّر اللّيزر الخاصّ بك”.

إنّ الفيزياء الأساسيّة وراء تقنيّة اللّيزر معروفة منذ أكثر من قرن؛ تمّ اقتراح النّظريّة لأوّل مرّة من قبل ألبرت أينشتاين في عام 1917. لكن الأمر سيستغرق من الباحثين ما يقارب أربعة عقود لتحويل هذه الأفكار النّظريّة إلى واقعٍ ملموس.

قبل اللّيزر، كان هناك ميزر-تقنيّة مماثلة تستخدم الموجات الدّقيقة بدلاً من الضّوء المرئيّ. تمّ بناء أوّل ميزر وظيفي في عام 1954 من قبل مجموعة من العلماء في جامعة كولومبيا. استخدم هذا الجهاز شعاعًا من جزيئات الأمونيا عالية الطّاقة وحاوية مجوّفة تسمّى تجويف الطّنين لإجبار الموجات الميكرويّة على التّذبذب معًا. ومع ذلك، كان إنتاج الطّاقة ضئيلًا-فقط حوالي 10 نانو وات. هذا أقلّ بأكثر من مليار مرّة من الكمّيّة اللّازمة لتشغيل مصباح كهربائيّ عاديّ. بالمقابل، يمكن أن تنتج أقوى أجهزة اللّيزر في العالم ما يصل إلى 10 بيتا وات -حوالي عُشر طاقة الشّمس.

ولصنع جهاز ميزر أكثر قوّة، بدأ العلماء في النّظر إلى تردّدات مختلفة في الطّيف الكهرومغناطيسيّ. في عام 1960، وُلد جهاز “الميزر الضّوئيّ” -المعروف باسم اللّيزر. لا تعمل جميع أجهزة اللّيزر في طيف الضّوء المرئيّ، ولكنّها جميعها تستخدم تردّدات أعلى من إشعاع الميكروويف.

يتمتّع الميزر بميّزتين مقارنةً بأجهزة اللّيزر. بالإضافة إلى تعبئة المزيد من الطّاقة في حزمها بسبب أطوالها الموجيّة الكهرومغناطيسيّة الأقصر، فإنّ أجهزة اللّيزر أسهل في البناء والتّحكّم فيها بدقّة. في حين أنّ أجهزة الميزر لا تزال تستخدم في بعض الأحيان لأشياء مثل التّلسكوبات الرّاديويّة والاتّصالات في الفضاء السّحيق، إلّا أنّ اللّيزر أكثر شيوعًا اليوم.

قالت سفيتلانا لوكيشوفا، الباحثة في مجال البصريّات النّانويّة بجامعة روتشستر في نيويورك: “يعدّ اللّيزر أحد أهمّ الاختراعات العلميّة والتّكنولوجيّة في القرن العشرين”. يُستخدم اللّيزر الآن في كلّ شيء بدءًا من جراحة العيون إلى حفر الزّجاج لكابلات الألياف الضّوئيّة التي تتيح الاتّصال بالإنترنت العالميّ. لقد كان لها دور فعّال في اكتشاف التّموّجات في الزّمكان المعروفة باسم موجات الجاذبيّة؛ يستخدم مرصد موجات الجاذبيّة بمقياس التّداخل اللّيزريّ جهازيّ ليزر ضخمين يقعان على مسافة آلاف الأميال لاستكشاف بنية الزّمكان ذاته.

يبدو مستقبل تكنولوجيا اللّيزر مشرقًا بنفس القدر. إذ يستكشف بعض الباحثين قدرتها على تصوير الكواكب الخارجيّة خارج نظامنا الشمسيّ. ويعمل ديلفيت ومختبره على مشروع لتصغير أجهزة اللّيزر لجعل مراكز البيانات أصغر حجمًا وأكثر كفاءة في استخدام الطّاقة، وبالتّالي تقليل انبعاثات الغازات الدّفيئة.

لكن ديلفيت يعتقد أنّ التّكنولوجيا قد يكون لها تطبيقات لم نحلم بها بعد. وقال: “استخدام اللّيزر محدود فقط ضمن مخيّلتك الخاصّة”.

  • ترجمة: ريمة جبارة
  • المصادر: 1