كُشفت جزيئات بلاستيكية ميكروية تسبب انسداد الشرايين لدى البشر

ربطت دراسةٌ جديدةٌ بين وجود الجزيئات البلاستيكة الميكروية في اللويحات السادّة للشرايين وارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب أو حتىّ الوفاة.

تنتشر الجزيئات البلاستيكة الميكروية في كلّ مكان، من المناطق النائية من القارة المتجمدة الجنوبية وآلاف الطبقات من الترسّبات التي لم تمسّها يد إنسان إلى القلب البشري وحتّى الأطفال حديثي الولادة. ورغم أن السبب وراء ذلك هو الشظايا المجهرية لبوليميرات الوقود الأحفوري المرتبطة بالمواد الكيميائية والتي وجدت طريقها إلى كل زاوية من الحياة، إلّا أنّه حتّى الآن لم يُكشف عن مقدار تأثيرها على الجسم البشري.

هكذا كان الحال، لكن في هذا الأسبوع، نُشرت دراسة رائدة في مجلّة الطبّ الحديث في بريطانيا، حيث أجريت هذه الدراسة بواسطة فريق من الباحثين الإيطاليين، لتكون الأولى من نوعها في إثبات العلاقةً بين وجود الجزيئات البلاستيكة الميكروية في الجسم البشري وتأثيرها على صحّته.

ووفقاً للبحث، لقد كانت هذه المرّة الأولى التي يُكشف فيها عن جزيئات بلاستيكية ميكروية في اللّويحات السادّة للشرايين.

وصرّح روبرت بروك، وهو عالم وطبيب في جامعة واين ستيت، والذي درس العلاقة بين الأمراض القلبية الوعائية والبيئة لمجلة nature قائلًا: “هذا البحث العلمي كالمعلم التاريخي بأهمّيته، لأنّه سيشكّل بداية سلسلة طويلة من الدراسات من كل أنحاء العالم بهدف الفهم الأعمق للخطر الذي تشكّله الجزيئات البلاستيكة الميكروية والنانوية”.

تتبّعت هذه الدراسة 257 مشاركًا أزالوا لويحات دهنية من الشرايين السباتية -الأوعية الدموية في العنق التي تحمل الدمّ بين الرأس والقلب- بين عامي 2019 و2020. لقد كشفت الدراسة عن وجود مركب البولي إيثيلين، أكثر الأنواع البلاستيكية استخدامًا في العالم، في اللويحات التي استخرجت من 150 شخصًا من المشاركين. كما كشف الفحص المجهري الإلكتروني عن جسيمات غريبة مرئية ذات حواف خشنة بين الخلايا البلعمية المحيطة باللويحة، والمتناثرة في الحطام الخارجي لها. ثمّ تابع العلماء هؤلاء المرضى قرابة 34 شهرًا، ووجدوا أنّ هؤلاء المرضى الذين كُشف عن وجود جزيئات بلاستيكية في شرايينهم كانوا أكثر عرضةً بخمس مرّات للإصابة بجلطة قلبية أو سكتة دماغية أو حتّى الموت في بعض الحالات.

صرّح طبيب القلب إيريك توبول لمجلة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، وهو غير مشارك في الدراسة، قائلًا: “إن هذه الاكتشافات فريدة من نوعها. أعمل في مجال طبّ القلب منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولكنّني لم أكن لأتخيل أننا سنجد جزيئات بلاستيكية ميكروية في شراييننا، كما أنّ وجودها سيسرّع الإصابة بتصلّب الشرايين”.

ولنبقى واضحين، ماتزال هذه الدراسة قائمة على الملاحظة فقط. هذه الدراسة لا تثبت وجود علاقة قوية بين وجود الجزيئات البلاستيكة الميكروية وحوادث الأمراض القلبية الوعائية الطارئة أو حتى الموت، ورغم هذا يعتقد بعض الأطباء أنّ الالتهابات الناتجة عن الجزيئات البلاستيكة الميكروية (التهابات طويلة الأمد تعدّ مسبّبًا أساسيًا لأمراض القلب والأوعية الدموية) قد يكون لها دور ما.

وأكمل توبول تصريحه قائلًا: “تعدّ هذه الدراسة دليلًا قويًا على دور البلاستيك، فهي تصل بين النقاط المتفرقة؛ وجود الجزيئات البلاستيكة الميكروية في الشرايين والالتهاب العميق وبعد ذلك الأحداث المرضية المفاجئة مثل السكتة الدماغية والجلطة القلبية والموت”.

وفي النهاية، يبدو أنّ الباحثين في جميع المجالات يوافقون على أنّ نتائج هذه الدراسة أكثر من كافية لتوجيه دراسات مستقبلية حول تأثير الجزيئات البلاستيكة الميكروية على صحة الجسم، دون نسيان التساؤلات التي تثيرها هذه الدراسة حول علاقة البشرية بالمنتجات البترولية وتأثيرها على الطبيعة من حولنا، وعلى أجسادنا أيضًا.

يقول فيليب لاندريغان في افتتاحية ترافقت مع إصدار الورقة البحثية، وهو طبيب أطفال وعالم أوبئة في جامعة بوستن: “رغم عدم معرفتنا بالعوامل الأخرى التي ساهمت في النتائج السلبية التي ظهرت لدى المشتركين في الدراسة، إلّا أنّ اكتشاف الجزيئات البلاستيكة النانوية والميكروية في نسيج الانسداد هو بحدّ ذاته اكتشاف رائد يطرح سلسلة من الأسئلة المستعجلة”.

  • ترجمة: كريم عبد الرحمن
  • تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
  • المصادر: 1