هناك حقًا شيء خبيث في الطريقة التي يكافئ بها الكوكائين أدمغتنا

حدّد العلماء مسار المكافأة الذي عند تناولنا لعقاقير مثل الكوكائين والمورفين يعطّل رغبتنا الطبيعية في المزيد من الاحتياجات التي تحافظ على الحياة مثل الطعام والماء.

يساعد هذا الاكتشاف في تفسير تجاوز تعاطي المخدرات المسبب للإدمان لأهمية الأكل والشرب، ويمكن أن يؤدي إلى تدخُّلاتٍ علاجيةٍ جديدة.

استخدم فريقٌ من نيويورك من جامعة روكفلر وكلية إيكان للطب في جبل سيناء نماذج الفئران لدراسة استجابة المورفين والكوكائين في دوائر مكافآت الدماغ التي تُنشّط عادةً بسبب الجوع والعطش.

يقول جيفري فريدمان وهو عالم الأعصاب بجامعة روكفلر: “منذ عقود، لقد عرفنا أن المكافآت الطبيعية، مثل الطعام، والأدوية يمكن أن تنشّط نفس المناطق في الدماغ. لكن ما تعلّمناه للتو هو أنّها تؤثر على النشاط العصبي بطرقٍ مختلفة بشكلٍ لافتٍ للنظر.”.

أحدُ أهمّ الخلاصات هُنا، هي أن العقاقير المسببة للإدمان لها تأثيراتٌ مَرضيّة على هذه المسارات العصبية، والتي تختلف عن الاستجابة الفيزيولوجية لتناولِ وجبةٍ عندما تكون جائعًا أو شربِ كوبٍ من الماء عندما تكون عطشانًا على سبيل المثال. “.

استخدم الفريق نهجًا كاملًا للدماغ، أي رسم خرائط لنشاط الدماغ، وتصوير الخلايا العصبية أثناء العمل في الفئران الحية، وتسلسل النشاط الجيني للخلايا الفردية التي تم تغييرها باستخدام CRISPR لمعرفة كيف يمكن للكوكائين والمورفين «اختراق» مسارات المكافأة الطبيعية.

ووجدوا أنّ للنواة المتّكئة في الدماغ (NAc) أهميةً أكثرَ مما كنا نظن لكلٍّ من الوظائف النموذجية ومكافآت الأدوية. يبدو أن الجناة الذين يقللون من رغبتنا في الحصول على مكافآت طبيعية عند تنشيطها عن طريق تعاطي المخدرات هي الخلايا العصبية الصادرة من القشرة الأمامية المدارية إلى NAc.

بالاقتران مع الدوبامين والسيروتونين، يستخدم NAc الدافع والتعزيز الإيجابي والمتعة لمساعدتنا على الاستمرار في القيام بالأشياء التي تجعلنا نشعر بالرضا.

“إن NAc هي عقدة رئيسية حيث توجّه وتحسِّن الخلايا العصبية الدوبامينية الرئيسية سلوكياتٍ نحو أهدافها”، كما يقول عالم الأعصاب بوين تان، طالب دراسات عليا في جامعة روكفلر أثناء الدراسة.

“ما لم نتمكّن من فهمه هو كيف يؤدي التعرُّض المتكرر للعقاقير إلى إفساد هذه الخلايا العصبية، مما يؤدي إلى تصاعد سلوكيات البحث عن الأدوية والابتعاد عن الأهداف الصحية.”.

الكوكائين – منبهٌ للجهاز العصبي المركزي وواحدٌ من أكثر المواد التي تسبب الإدمان – له تأثيراتٌ مختلفة على الدماغ من المورفين، وهو مادةٌ أفيونية تخفف الألم.

اكتشف الباحثون أن كلًّا من الكوكائين والمورفين ينشّط مجموعةً فرعية معينة من الخلايا العصبية في النواة المتكئة لدى الفأر، والتي تتداخل معظمها مع الخلايا العصبية التي تستجيب للمكافآت الطبيعية. لكن هذه الخلايا العصبية المتداخلة تصبح أكثر نشاطًا عند إعطاء الفئران الكوكائين أو المورفين مقارنةً بوقت إعطائها الطعام أو الماء.

أدى التعرُّض المتكرر للأدوية إلى تغيير سلوك الفئران تدريجيًا. أصبحوا أكثر اهتمامًا بالكوكائين والمورفين، وأقلَّ اهتمامًا بالطعام والماء، مما أدى إلى نفس مستوى الاستجابة الأساسي في كل مرة.

من خلال تتبُّع هذه الخلايا، بات واضحًا أنه لا يتم تنشيط الخلايا المتشابهة عبر أنواع المكافأة فحسب، بل أيضًا أن الكوكائين والمورفين يثيران استجاباتٍ أقوى في البداية من الطعام أو الماء، وهذا في الواقع يزداد مع زيادة التعرُّض “، كما يوضّح عالم الأعصاب كاليب براون من كلية إيكان للطب في جبل سيناء.

“بعد سحب الأدوية، تُظهر هذه الخلايا نفسها استجاباتٍ غير منظّمة للمكافآت الطبيعية بطريقةٍ تُشابه بعض الحالات العاطفية السلبية التي تَظهر في الانسحاب من اضطراب تعاطي المخدرات.”.

ووجدوا أيضًا أن بروتينًا مشفّرًا بواسطة جين Rheb يلعب دورًا هامًّا في التدخل في تواصل الخلايا العصبية النموذجية، وتغيير كيفية تذكُّر الدماغ لمكافآت الطعام والماء. يُمكن أن تكون المسارات المرتبطة بهذا البروتين بالذات هدفًا للعلاج.

قد يعني فهمَ كيف يُمكن للعقاقير المسببة للإدمان أن تعبث بنظامٍ منسّقٍ جيدًا يربط عادةً الاحتياجات الفيزيولوجية بالسلوك المرتبط بالشهية، أننا نجد طرقًا أفضل لمعالجة الإدمان، والذي يتواجد له حاليًا عددٌ قليلٌ من العلاجات الفعّالة.

“سيتم توجيه البحث المستمر إلى تحديد كيفية دمج تدفُّق المعلومات متعددة الوسائط في المراكز الهامة في خلايا الدماغ، وكيف تُمكّن هذه الآلية الأدوية من تجاوز المكافآت الطبيعية، مما يؤدي إلى الإدمان”، كما يقول عالم الأعصاب في جبل سيناء إريك نستلر.

  • ترجمة: ناديا أبو سمره
  • تدقيق علمي ولغوي: هنا نصري
  • المصادر: 1