
المسار الذهني للنعيم الروحي
خلاصة: وجد الباحثون أن تأمّل الجهانا البوذيّ- التدريب الذهنيّ المؤدي إلى طمأنينة العقل – والتّحدّث بالألسنة لدى المسيحيّين، على الرّغم من اختلافاتهما، يشتركان في حلقة تغذية راجعة إدراكيّة مشتركة. هذه العملية، المسمّاة ب “دوامة الانتباه والاستثارة والإفراج”، تنشئ دورة حيث يؤدي فيها التّركيز المكتسب إلى السعادة، مما يجعل التّركيز غير مجهد ويعزّز التجربة.
جمعت الدّراسة روايات مباشرة من خلوات التّأمل وخدمات العبادة، محلّلة اللحظات الدّقيقة للانتباه والتحولات العاطفيّة. تشير النتائج الأوليّة لنشاط الدماغ إلى أن كلا الممارستين تتضمنان تحولًا معرفيًّا يعزّز الاندماج.
إنّ إدراك هذه الآلية المشتركة يمكّن عددًا أكبر من الأفراد من الوصول إلى حالات عميقة من التركيز والهدوء. ستستخدم المرحلة التالية من البحث التصوير الدماغيّ؛ لاستكشاف التّغيرات الفسيولوجية وراء هذه الظّاهرة.
حقائق رئيسيّة:
- الآليّة المشتركة: يتبع كل من تأمل الجهانا والتّحدّث بألسنة دورة ذاتية التعزيز من الاهتمام والفرح والاستسلام.
- التحوّل المعرفي: تشير النتائج المبكرة إلى أنّ كلتا الممارستين تحدثان تحولًا ذهنيًّا يعزّز التركيز العميق.
- الأبحاث المستقبلية: سيسهم تصوير الدّماغ في رسم خريطة التّغييرات الفسيولوجية الكامنة وراء هذه التجربة.
• المصدر: جامعة ماكجيل.
تشير دراسة جديدة إلى أنّ لممارستين روحيّتين متناقضتين ظاهريًّا، وهما التأمل البوذيّ جهانا وممارسة التحدث بألسنة في المسيحيّة، تتشاركان قواسم مشتركة أكثر مما كان يعتقد سابقًا. فبينما يتميز أحدهما بالهدوء والتركيز العميق، ويتّسم الآخر بالشّحنة العاطفيّة والتعبيرية، يبدو أنّ كلتيهما تستغلان حلقة تغذية راجعة معرفيّة متشابهة لخلق حالات عميقة من الفرح والاستسلام.
اكتشف بحث، شارك في قيادته مايكل ليفشيتز، الأستاذ المساعد في الطّب النفسيّ في جامعة ماكجيل والباحث في معهد ليدي ديفيس للبحوث الطبيّة، بالتعاون مع باحثين من جامعة موناش وجامعة تورنتو، ظاهرة أطلقوا عليها اسم “دوّامة الانتباه والإثارة والتحرّر”، وهي دورة عقليّة تعمق كلاً من حالات التّأمل والنّشاط.
توصلوا إلى نتائج نشرت في المجلة الأمريكيّة لعلم الأحياء البشريّ، تقدّم رؤى جديدة حول كيفية تطوير الإنسان لقدرات التركيز الذهنيّ العميق.
وقال ليفشيتز: “إذا تمكنّا من فهم هذه العمليّة بشكل أفضل، فقد نكون قادرين على مساعدة المزيد من الناس على الوصول إلى حالات عميقة من الهدوء والنعيم لأنفسهم. وبمعنى آخر، قد تساعد النتائج التي توصلنا إليها في تعزيز الشعور بالقواسم المشتركة والاحترام المتبادل بين التقاليد الروحيّة. فعلى الرغم من الاختلافات في المعتقدات، إلا أنّنا جميعًا نتشارك في التجربة الإنسانيّة.
مسار مشترك نحو السعادة
وجد الباحثون أنّ ممارسي التأمل الجهانيّ والمتحدثين بالألسنة يدخلون في دورة محفّزة: إذ يركزون انتباههم على موضوع ما، مثل التنفس أثناء التّأمل أو الله في الصّلاة، مما يثير إحساسًا بالبهجة. هذه البهجة تجعل التركيز يبدو بلا جهد، مما يؤدي إلى شعورٍ بالاستسلام، والذي يعمّق التجربة.
ويضيف ليفشيتز: “على حد علمنا، فإنّ هذه الديناميكيّة الحلزونيّة التي تؤدي إلى سعادة متزايدة العمق وبلا جهد هي فكرة جديدة في العلوم النفسيّة”.
“من المذهل أنّ هذه التقاليد الروحيّة المختلفة جذريًا يبدو أنها اكتشفتها واستفادت منها بطرق مختلفة.”.
و للكشف عن هذه العلاقة، قام الباحثون بجمع روايات مباشرة من خلوات التأمل البوذيّة وطقوس العبادة المسيحيّة الإنجيليّة في الولايات المتّحدة. وطلبوا من المشاركين وصف اللحظات الدّقيقة الخفيّة لانتباههم وحالتهم العاطفيّة أثناء ممارستهم. كما قاموا بتسجيل نشاط الدّماغ للممارسين.
في حين أنّ النتائج العصبيّة الحيويّة الكاملة لا تزال قيد التحليل، تشير النتائج المبكرة إلى أنّ كلا الممارستين تنطويان على تحول إدراكيٍّ يسمح بتجربة غامرة فريدة من نوعها.
وتتضمّن الخطوة التالية استخدام تقنيات تصوير الدماغ لرسم خرائط للتغيّرات الفسيولوجية التي تحدث مع تفتّح الانتباه، والإثارة، والتحرّر في الوقت الفعليّ.
خلاصة
دوامة الاهتمام، والإستثارة، والتحرّر: ظواهر مقارنة لتأمل الجهانا والتحدث بالألسنة. يبدو أنّ تأمّل جهانا البوذيّ والممارسة المسيحيّ للتحدث بألسنة مختلفان تمامًا. وتختلف هذه التقنيات الروحانيّة في أطرها الأخلاقيّة واللاهوتيّة والتاريخيّة. ويبدو أنّها تنتج، ظاهريًّا، حالات مختلفة بشكل ملحوظ من الوعي – إحداهما حالة من الهدوء المطلق، والأخرى من الإثارة العاطفيّة العالية.
ومع ذلك، تبيّن لنا من خلال المقابلات التي أجريناها مع ممارسين ذوي خبرة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، نقاط تقارب مهمّة. يصف الممارسون في كلا التقليدين علاقة ديناميكيّة بين الاهتمام المركّز، والفرح المستثار، والشعور بالتّخلي أو التحرّر، يصفونه بأنه حاسم لممارستهم.
تسلط هذه الورقة الضوء على هذه السمات الظاهريّة المشتركة، وتنظر إلى الآليات الأساسيّة المحتملة.
من خلال تحليل بياناتنا المتعلقة بهذه الظاهرة عبر عدسة نظريّات متنوعة لوظيفة الدماغ، بما في ذلك البوابات الحسيّة والمعالجة التنبؤيّة، نقترح أن تشترك هذه الممارسات في مجالٍ ذاتيٍّ مبني عبر حلزون من الانتباه والإستثارة والتحرّر.
- ترجمة: رجاء الغيثي
- تدقيق لغوي: سارة ابو جلبان
- المصادر: 1