
يلقي نشاط الدماغ المحتضر الضوء على تجارب الاقتراب من الموت
يشير أول نشاط دماغي مسجل لفرد أثناء وفاته إلى وجود محفّز بيولوجي لتجارب الاقتراب من الموت.
فقد تمكن العلماء لأول مرة من التقاط نشاط دماغ فرد أثناء وفاته، وقد يفسر ذلك ما يحدث بيولوجيًا عندما يرى الناس شريط حياتهم “يمر أمام أعينهم” أثناء تجارب الاقتراب من الموت.
التحدي: تعتبر تجارب الاقتراب من عتبة الموت ظاهرة عجيبة؛ قصص يشترك فيها ملايين الأفراد عبر الثقافات والحضارات؛ يرويها ناجون لامسوا حافة الموت وعادوا.
وعلى الرغم من اختلاف التفاصيل، أفاد معظم هؤلاء الأفراد عن شعورهم بجو من السكينة يغمرهم في اللحظة التي بدا فيها الموت وشيكًا. وكثيرًا ما أفادوا عن شعورهم وكأنهم غادروا أجسادهم أو رأوا شريط حياتهم بأكمله يمر أمام أعينهم بلمح البصر قبل أن يعودوا إلى الواقع.
توحي حقيقة رواية هذا العدد الهائل من الناس لتجارب متشابهة إلى حد بعيد بأن أدمغتنا قد تتفاعل جميعها بطرق متماثلة قبل الموت مباشرةً، بيد أن دراسة تجارب الاقتراب من الموت تظل مهمة بالغة الصعوبة، إذ يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بموعد حدوث إحداها.
تكمن الفكرة في عدم سعي الباحثين من جامعة تارتو، إستونيا، لدراسة تجارب الاقتراب من الموت تحديدًا وذلك عند تسجليهم لنشاط الدماغ الذي يساعد العلماء الآن على فهمها.
كان ذلك المريض الذي انطلقت منه هذه الموجات الدماغية يعاني من الصرع، وكان الأطباء يسجلون نشاط دماغه عبر تخطيط كهربية الدماغ المستمر (EEG) على أمل أن يساعدهم ذلك في استشعار النوبات الوشيكة. ولكن للأسف، أصيب الرجل بنوبة قلبية فارق على إثرها الحياة بينما التسجيل مستمر.
الدراسة: بعد وفاة الرجل، تعاون فريق إستونيا مع علماء من الولايات المتحدة وكندا والصين لتحليل نشاط الدماغ المسجل، ناشرين نتائج بحثهم في منصة “آفاق في علم الأعصاب والشيخوخة”.
فقد صرّح منظم الدراسة أجمل زيمار، جراح الأعصاب في جامعة لويزفيل، في بيان صحفي له: «لقد سجّلنا 900 ثانية من نشاط الدماغ حول وقت الوفاة ووجهنا تركيزًا دقيقًا لاستكشاف ما جرى في الثلاثين ثانية قبل وبعد توقف القلب عن النبض».
إن أنماط الموجات الدماغية التي شاهدوها في تلك اللحظة التي توقف فيها القلب عن النبض عادةً ما تشير إلى الوظائف والأنشطة الإدراكية العليا مثل الأحلام واسترجاع الذكريات والتأمل العميق.
فتكهن زيمار قائلًا: «ربما يكون الدماغ بصدد استدعاء أخير لأحداث الحياة الهامة قبيل لحظة الموت، على غرار ما يُروى في تجارب الاقتراب من الموت».
تتجلى الصورة الكاملة في أن هذه مجرد دراسة لحالة فردية، إذ عانى المريض سابقًا من نوبات صرع بالإضافة إلى إصابة وتورم في الدماغ، لذا من الصعب تحديد مدى انعكاس نشاط دماغه على “الوضع الطبيعي” لدى البشر.
ويأمل زيمر في دراسة المزيد من الحالات مستقبلًا، ولكن على الأقل لدينا الآن لمحة خاطفة عما يحدث في الدماغ أثناء الموت، ويشير ذلك إلى أن تجارب الاقتراب من الموت الهادئة التي يصفها الناس قد لا تكون مختلفة كثيرًا عن تجارب الموت الحقيقية.
يقول زيمر: «لعل أحد الدروس التي نتعلمها من هذا البحث هو أنه على الرغم من أن أحباءنا يغلقون أعينهم ويستعدون لتركنا للراحة الأبدية، إلا أن أدمغتهم ربما تكون مشغولة باستعادة بعض أجمل اللحظات التي عاشوها في حياتهم».
- ترجمة: كارول قبه
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1