
قد تقذف الثقوب السوداء المادة والزمن كثقوب بيضاء
من الممكن وجود طريقة لتشكّل الثقوب البيضاء في الكون. إذ وفقًا لدراسة جديدة نظرية للغاية، قد تنتج هذه الأجسام الافتراضية عن نوع من “الارتداد” الكمي في قلب ثقب أسود، لا يقذف المادة فحسب، بل الزمن نفسه من الأعماق.
يُمثّل الزمن جوهر مشكلة الثقوب السوداء. فعند نقطة ما، يتوقف التدفق، ويتوقف معه أي معلومات محمولة في تياره. ويكسر ذلك الأمر قاعدة أساسية في فيزياء الكم، مما دفع الباحثين وراء هذه الدراسة الجديدة إلى إعادة النظر فيما قد نعنيه بالزمن في المقام الأول.
يقول الفيزيائي ستيفن جيلين من جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة: «بينما يُعتقد عمومًا أن الزمن نسبي بالنسبة للمراقب، فإن الزمن في أبحاثنا مشتق من الطاقة المظلمة الغامضة التي تتخلل الكون بأكمله. نحن نقترح أن الزمن يُقاس بالطاقة المظلمة الموجودة في كل مكان في الكون، وهي المسؤولة عن توسعه الحالي. هذه هي الفكرة الجديدة المحورية التي تُمكّننا من فهم الظواهر التي تحدث داخل الثقب الأسود».
تُعدّ الثقوب السوداء من أروع غرائب الكون. فهي مناطق من الزمكان وصلت فيها المادة إلى كثافات هائلة، لدرجة أنه يُمكن وصفها رياضيًا على أنها مُتفرّدة؛ نقطة واحدة أحادية البعد ذات كثافة لا نهائية. ويتشكل بعضها على الأقل من انهيار أنوية النجوم الضخمة أثناء موتها، إذ لم تعد هذه الأنوية مدعومة بضغط الاندماج الخارجي، فتستسلم للجاذبية، مُشكّلةً منطقةً من الفضاء كثيفة لدرجة أن حتى سرعة الضوء لا تكفي للوصول إلى سرعة الإفلات. ويعني ذلك أنه بمجرد اقتراب المادة بدرجة كافية، تُسحب بفعل الجاذبية إلى ما وراء أفق حدث الثقب الأسود، فلا تهرب أبدًا.
لكن، ربما، إذا وُجدت الثقوب البيضاء، وكما يوحي الاسم، فإن هذه الأجسام الافتراضية هي نقيض الثقب الأسود، مُتفرّدة لا تجذب المادة إلى الداخل، بل تقذفها بقوة.
حتى الآن، ليس لدينا أي دليل على وجود أي ثقوب بيضاء في الكون. لكن جيلين وزميلته الفيزيائية النظرية لوسيا مينينديز-بيدال من جامعة كومبلوتنسي بمدريد، أثبتا أن الثقب الأسود يمكن أن يتحول إلى ثقب أبيض، على الأقل نظريًا.
لقد استندوا في حساباتهم إلى نموذج رياضي لثقب أسود يُعرف باسم الثقب الأسود المستوي، وهو ثقب أسود في نسخة منحنية من كوننا تُسمى فضاء دي سيتر المضاد. وتُعدّ هذه نسخة مبسطة للغاية من الكون الحقيقي، موصوفة فقط في بُعدين منحنيين سلبيين، مستوٍ على شكل سرج، بدلاً من كرة ثلاثية الأبعاد في فضاء مسطح. ثم طبّقوا ميكانيكا الكم لاستكشاف التفرد داخله.
يقول جيلين: «لطالما كان السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت ميكانيكا الكم قادرة على تغيير فهمنا للثقوب السوداء وتزويدنا برؤى ثاقبة حول طبيعتها الحقيقية. ففي ميكانيكا الكم، لا يمكن للزمن كما نفهمه أن ينتهي، لأن الأنظمة تتغير وتتطور باستمرار».
في ظل النسبية العامة، يكون مجال الجاذبية المحيط بالتفرد قويًا للغاية، وعواقبه غير مفهومة لا من منظور النسبية ولا من منظور فيزياء الكم. ومع ذلك، بتحدي بعض الافتراضات الأساسية، قد يكون من الممكن إيجاد بعض الثغرات التي تُحوّل التفرد المستحيل إلى شيء يسهل فهمه.
وجد جيلين ومينينديز-بيدال أنه بدلًا من التفرد، يصبح قلب الثقب الأسود منطقة تحدث فيها تقلبات كمية كبيرة، أي تغيرات في طاقة الزمكان. وفي ظل هذا النموذج، يتحول الثقب الأسود إلى ثقب أبيض، وتُعرّف تفرد الثقب وآفاقه كمناطق ذات تقلبات كمية شديدة لا ينتهي الزمن أو يتلاشى فيها إلى الأبد، بل “يرتد”، حاملًا معه معلوماته.
لا يُعدّ ذلك مفهومًا جديدًا، فقد درس الباحثون في الماضي ما إذا كان هناك نوع من أصداء الكم على الجانب الآخر من الثقوب السوداء. لكن إعادة التفكير في الزمن نفسه قد يُقدم منظورًا جديدًا لعبثية التفردات.
هناك العديد من الأسئلة المُحيطة بالثقوب البيضاء، وأسباب وجيهة للاعتقاد بأن الكون قد لا يكون قادرًا على تكوينها. هذا البحث نظريٌّ للغاية، ولا يهدف إلى إثبات وجود الثقوب البيضاء، بل قد يُساعدنا على فهم آلية عمل الثقوب السوداء بشكل أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى الفيزيائيون جاهدين لمعرفة كيف يُمكن لإطارين مختلفين تمامًا، يبدوان غير متوافقين، وهما النسبية العامة وميكانيكا الكم، أن يتعايشا في الكون المادي نفسه. وتُمثّل هذه الأعمال خطواتٍ على طريق حل هذه المُعضلة المُحيّرة.
علاوةً على ذلك، إنه أمرٌ رائعٌ للغاية. إذ يقول جيلين: «افتراضيًا، يُمكن أن يمرّ مُراقب أو كيانٌ افتراضي، عبر الثقب الأسود، عبر ما نعتبره تفردًا، ويخرج على الجانب الآخر من الثقب الأبيض. إنه مفهومٌ مُجرّدٌ للغاية عن المُراقب، ولكنه مُمكنٌ نظريًا».
- ترجمة: رهف الأمير أحمد
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1