
ثورة في علم الكونيات: نظرية جديدة قد تغير فهمنا للكون
تقترحُ هذه النظرية المبتكرة تفسيراً محتملاً للتوسع الكوني وتَكَوُّن المجرات يَعْتَمِدُ على الانفجارات العابرة. ومن شأن هذا التفسير، إذا ثبتت صحته، أن يغني عن الحاجة لمفاهيم المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي تشكل أساس النماذج الحالية لهذه الظواهر.
وفي بيان صدر مؤخرًا، أوضح ليو “Lieu” قائلاً: “تقدم هذه الورقة البحثية الجديدة نموذجًا بمثابةِ نُسخةٍ مُحسّنةٍ ومُختلفةٍ جذريًا عن نموذجنا السابق”. وأضاف أنّ “هذا النموذج الجديد يهدف إلى تفسير تكوين البنى الكونية واستقرارها، بالإضافة إلى الخصائص الأساسية المرصودة لتوسع الكون، وذلك من خلال طرح مفهوم تفردات الكثافة في الزمن. ويرى ليو أن هذه التفردات، بتأثيرها الموحد عبر الفضاء، يمكن أن تحل محل الحاجة للمادة المظلمة والطاقة المظلمة التقليديتين في فهمنا للكون.”.
النموذج القياسي لعلم الكونيات على محكّ الاكتشافات الحديثة.
يُشكِّل نموذج ليو امتداداً لأبحاث سابقة اقترحت فكرةً مدهشة، وهي أن الجاذبية قد توجد بمعزل عن الكتلة. وعلى عكس النظريات التخمينية الأخرى التي تعتمد على عناصر غريبة مثل الكتلة السالبة أو الكثافة السالبة لتفسير الظواهر المجهولة في الكون، فإن عمل ليو الأخير يركز على فكرة مختلفة جذريًا، إذ يطرحُ أنّ التفردات الزمنية العابرة، أي تلك اللحظات المفاجئة والفريدة في الزمكان، هي التي أدّت إلى نشأة المادة والطاقة في الكون.
لا تزال هذه الانفجارات الغامضة بعيدة عن رصد علماء الفيزياء الفلكية نظراً لسرعتها الخاطفة وندرة حدوثها، مما يجعلها تفلت من وسائل الكشف المتاحة. وبينما تقترح نظرية الحالة الثابتة “steady-state theory” – التي طورها السير فريد هويل “Fred Hoyle” – آلية مستمرة لخلق المادة في الكون، فإن نموذج ليو يقدم حلاً بديلاً يحافظ على امتثال لقوانين حفظ الكتلة والطاقة دون الحاجة إلى انتهاكها.
ويشرحُ ليو فكرته قائلاً: “تفترض النظرية الحالية أن المادة والطاقة تنبثقان وتختفيان عبر انفجارات مفاجئة وعابرة. هذه التفردات الكونية تبقى غير مرئية للمراقبة بسبب ندرتها الزمنية الشديدة وسرعتها التي تفوق قدراتنا الرصدية، مما قد يقدم تفسيرًا منطقيًا لاستعصاء اكتشاف المادة المظلمة والطاقة المظلمة حتى الآن.”.
حلّ لغز التسارع الكوني
تكشف نظرية ليو النقاب عن حلٍّ للغز التسارع الكوني المستعصي، حيث تُرجع سببه إلى ‘ضغط سلبي’ ناشئ عن تلك التفردات الزمكانية غير المرصودة. والأكثر إثارةً أنّ ليو يشير إلى أن هذه الآلية كانت ضمن أعمال أينشتاين التأسيسية بشكل غير مباشر، إذ يمكن لكثافات الطاقة العالية – مثل تلك الموجودة في المجالات المغناطيسية الكونية – أن تولد تأثيرات تمددية تساهم في التسارع الكوني الذي نلاحظه اليوم.
وأَرْدَفَ ليو قائلاً: “لقد افترض أينشتاين أيضًا وجود ضغط سالب في بحثه المنشور عام 1917 حول الثابت الكوني.” ثم أضاف: “عندما تجتمع كثافة الكتلة والطاقة الموجبة مع الضغط السالب، توجد شروط معينة تضمن بقاء الكثافة موجبة لأي مراقب يتحرك بانتظام، وبذلك يتجنب النموذج الجديد افتراض كثافة سالبة.”.
هل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة ”موجودتان في كل مكان وزمان“؟
وفي الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة تنتشران في كل ركن من أركان الكون، يطرح ليو رؤية مخالفة لهذا التصور السائد، مؤكدًا أنهما “ليستا منتشرتين انتشارًا شاملاً”، بل “تظهران فقط في حالات عابرة تملآن فيها المادة والطاقة الكون بشكل متجانس، باستثناء التقلبات العشوائية في الكثافة المكانية التي تتطور لاحقًا لتشكل هياكل مترابطة كالمجرات.”.
ويضيف ليو أنه في الفترات بين هذه الأحداث الكونية، فإن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة “لا توجدان في أي مكان وزمان”. ومع ذلك، يشير إلى أن هناك فرقًا أساسيًا واحدًا فقط بين نظريته الجديدة والنموذج القياسي الحالي، وهو يتعلق بالتوقيت. حيث يفترض النموذج القياسي وجود تفرد واحد فقط – الانفجار العظيم – بينما يتصور نموذج ليو سلسلة من التفردات المتعددة التي تحدث عبر التاريخ الكوني.
لا حاجة لمراصد فضائية متقدمة للاختبار
يؤكد ليو أن نظريته الثورية تمتلك ميزة فريدة أخرى، حيث يمكن التحقق من صحتها باستخدام معدات رصد أرضية متوفرة حاليًا، دون الحاجة إلى الاعتماد على منصات المراقبة الفضائية المتطورة. ويشير تحديدًا إلى أن مرصد كيك في هاواي ومجموعة تلسكوبات إسحاق نيوتن في إسبانيا تمثلان خيارين مثاليين لهذا الغرض، إذ يمكنهما إجراء مسوحات فلكية عميقة مع تحليل طيفي دقيق حسب الانزياح الأحمر، مما قد يكشف عن أي شذوذ في معدلات التوسع الكوني.
ويشرح ليو نظريته بقوله: “عند تحليل دقة قياسات الانزياح الأحمر – أو ما يقابلها زمنيًا – مع الأخذ في الاعتبار تأثير التقسيم الطيفي للانزياح الأحمر، قد نكتشف أن منحنى هابل يظهر تقلبات غير متوقعة في العلاقة بين المسافة والانزياح الأحمر. هذه القفزات المفاجئة ستكون بمثابة دليل قاطع يؤكد صحة فرضيتنا.”.
نُشرت هذه الدراسة الحديثة بعنوان ”هل المادة المظلمة والطاقة المظلمة موجودتان في كل مكان وزمان؟“ في مجلة الجاذبية الكلاسيكية والكمية (Classical and Quantum Gravity).
- ترجمة: سليمان العبدلاوي
- المصادر: 1