مهارات الإنصات، ماذا يفعل المنصتون العظماء في الواقع؟
ملخص
كيف تكون منصتًا جيِّدًا؟ يعتقد كثير من النَّاس أن عوامل الإنصات ثلاثة وهي: عدم مقاطعة المتحدث، تتبع تعبيرات الوجه، والقدرة على تكرار ما قاله المتحدث حرفيًّا. لكن حسب بحث أجراه كل من زينيجر وفولكمان فإن كل ما نفعله غير صحيح؛ فبدلًا من الاعتقاد أن المنصت الجيد بمثابة قطعة إسفنجيَّة تمتص كل شيء وتقدم القليل من الملاحظات، يجب النظر إلى المستمع الماهر على أنه منصَّة توجه الدَّعم إلى أفكار المتحدث وتنميها بتقديمه الملاحظات البنَّاءة. ووفقًا لدراسة زينيجر وفولكمان، يعد الانخراط في الحوار المتبادل بين شخصين ضروريًّا؛ لذا حدد زينيجر وفولكمان ستة مستويات للإنصات، فالهدف من ذلك هو مساعدة المستمع على تنمية هذه المهارة.
فهل تعتقد أنَّك منصت جيد؟ إن إشادة الناس بقدرتهم على الإنصات يشبه تقييمهم لقدرتهم على القيادة إلى حدٍّ كبير إذ يعتقد السواد الأعظم من البالغين أنَّهم فوق المتوسِّط.
ومن خلال تجاربنا، فإن أكثر النَّاس يفكِّر في الاستماع الجيِّد بعمل ثلاثة أشياء وهي:
- التزام الصمت عندما يتحدَّث الآخرون.
- إظهار الاهتمام للآخرين بذلك من خلال تعبيرات الوجه والأصوات اللَّفظيَّة مثل: «مم وهمم».
- القدرة على تكرار ما يقوله الآخرون كلمة بكلمة على وجهٍ أخصّ.
في الواقع، تدعم الكثير من النصائح الإداريَّة تطبيق هذه الأشياء نفسها بتشجيع المستمعين على التزام الهدوء، والإيماءة، وبالتعبير بالأصوات اللَّفظيَّة عن ما تقوله …… ومع ذلك، فإن الأبحاث الأخيرة تشير إلى تقصير هذه السلوكيات في وصف المعنى كاملًا لمهارات الإنصات الجيد؛
فقد حللنا الدراسات التي تصف سلوك 3492 مشاركًا في برنامج تنموي مصمم لمساعدة المديرين على أن يكونوا مدربين أفضل. وباعتبارهم جزءًا من البرنامج، قيم الآخرون مهاراتهم بمقياس 360 درجة، فحددنا من يرى على أنه أكثر المنصتين فاعلية (5%)، ثم قارننا بين أفضل المنصتين بمتوسط جميع الأشخاص الآخرين في مجموعة البيانات، وحددنا العناصر العشرين التي تبين الفارق الأكبر. ومن خلال النتائج لدينا، حددنا الفروق بين المنصتين العظماء وغيرهم المتوسطِّين، ثمَّ حللناها لنتوصل إلى سماتهم التي حددها زملاؤهم باعتبارها العوامل التي أهلتهم لأن يكونوا كذلك. وتوصلنا إلى نتائج مدهشة مع ظهور بعض السمات التي توقعنا أن نجدها. فقسمناها إلى أربع نتائج رئيسة وهي:
• أن الاستماع الجيد أكبر بكثير من كونك صامتًا عند تحدث الآخرين، . وإنما يُرى أفضل المنصتين بكونهم أولئك الذي يطرحون أسئلة تعزز الاستكشاف والبصيرة في أوقات معلومة. فهذه الأسئلة تناهض الافتراضات القديمة رويدًا، ولكن بشكل بنَّاء؛ إذ إن الإيماءة الصامتة لا توفر أدلَّة قاطعة على إنصات الفرد، وإنما طرحه لسؤال جيد يشكل للسامع انطباعًا أنَّ المستمع لم يستمع إلى كلامه فحسب، بل استوعب ما قاله بالقدر الذي يريد به المزيد من المعلومات. فكان الإنصات الجيد يرى باستمرار على أنه حوار ذو اتجاهين عن كونه من اتجاه واحد «المتحدث مقابل المنصت»، وأفضلها هي التي تتسم بالفاعليَّة؛
• إذ يشمل الإنصات الجيد الحوار الذي يهدف إلى احترام الفرد لذاته. لأن أفضل المنصتين هم من يجعلون الحوار يتسم بالإيجابية بالنسبة للطرف الآخر، وهذا لا يحدث عندما يكون المستمع سلبيًا (أو في هذا الصدد، أمر بالغ الأهميَّة!). فالمنصتون الجيدون هم من يجعلون الطرف الآخر يشعر بالدعم والثقة ناحيتهم، إذ يتميَّز الإنصات الجيد بخلق بيئة آمنة يمكن فيها مناقشة القضايا والاختلافات بصراحة.
• فهو يرى على أنَّه حوار تعاوني. فمن خلال الحوارات، تقدَّم الملاحظات بسلاسة من كلا الاتجاهين دون دفاع أحدهما عن الملاحظات التي قدمها الآخر. لكن، يُرى المفتقرون إلى هذه المهارة متبارين إذ إن الإنصات لديهم ما هو إلا تصيد الأخطاء عند تكوين المنطق، باستعانتهم بالصمت كوسيلة للرد فيما بعد؛ مما قد يجعلك مناظرًا ممتازًا، وليس منصتًا جيِّدًا؛ لأن المنصتين الجيدين يتحدون الافتراضات القديمة ويناهضونها، لأن الفرد الذي يستمع إليه يشعر بمساعدة المنصت له، لا من أجل السعي إلى الفوز في جدال.
• فالمنصتون الجيدون يميلون إلى عرض مقترحاتهم، فدائمًا ما يتضمَّن الإنصات الجيد بعض التعليقات المقدمة بطريقة يقبلها الآخرون وتفتح مسارات بديلة للنظر فيها. وقد أدهشتنا هذه النتيجة قليلًا، لأنه ليس من المألوف سماع الشكاوي من قبيل: «لم ينصت هو وذاك، لأن المتحدث انتقل وحسب إلى المشكلة لمحاولة حلِّها». ربما تخبرنا البيانات أن تقديم المقترحات ليست هي المشكلة في حد ذاتها، وإنما المهارة المتطلبة لتقدم بها تلك المقترحات، أو يكمن الاحتمال الآخر أنه من المرجح أن نقبل المقترحات المقدمة من أشخاص نظنهم منصتين جيدين. (فلا يصدَّق الشخص الذي يبدو صامتًا في أثناء الحوار كامله، ثم ينتقل لعرض مقترح)، ولا يكون آخر مدافعًا أو سلبيًا، ثم يحاول إعطاء النصائح كمحل ثقة).
فبينما يعتقد الكثير منا أن المنصت الجيد كقطعة إسفنج تمتص ما يقوله الآخرون بدقة، بل على النقيض من ذلك إذ توضح النتائج أنَّ المنصتين الجيدين بمثابة منصَّة تستكشف من خلالها أفكارًا عن كونهم أشخاصًا يستنفذون أفكارك وطاقتك، بل إنهم يدعمون تفكيرك، وينشطونه، ويعملون على توضيحه. فهم يجعلونك أفضل، لا يتسمون بالامتصاص السَّلبي، بل يدعمون بكل فاعليَّة؛ مما يسمح لك بالحصول على الطَّاقة والارتفاع، كشخص يقفز على الترامبولين.
وتوجد بالطبع مستويات مختلفة من الإنصات؛ إذ لا يتطلب كل حوار القدر ذاته من الإنصات، فالكثير من الحوارات يمكن أن تستفيد منها بمزيد من التركيز والإنصات. لذا، انظر إلى كل مستوى من هذه المستويات التي تطمح إلى الوصول إليه:
- المستوى الأوَّل: خلق المنصت بيئة آمنة لمناقشة المشكلات العاطفيَّة التي تتسم بالصُّعوبة والتَّعقيد.
- المستوى الثَّاني: ابتعاد المنصت عن المشتتات كالهواتف والحواسيب المحمولة، والتركيز على المتحدث بالتواصل البصري السَّليم. (فلا يؤثر هذا السلوك فقط في النظر إليك باعتبارك مستمعًا وحسب، بل ينعكس ذلك على آرائك ومشاعرك إذ إن تمثيل هذا الجزء يغير الشُّعور بداخلك إلى جعلك أفضل منصت).
- المستوى الثَّالث: سعي المنصت إلى استخلاص فحوى ما يقوله المتحدث باستجماع الأفكار، وطرح الأسئلة، وإعادة صياغة القضايا لتأكيد صحة فهمهم.
- المستوى الرَّابع: ملاحظة المنصت للمنبِّهات غير اللفظيَّة كتعبيرات الوجه، والتعرق، ومعدلات التنفس، والنَّبرات، ووضعية الجسد، وغيرها من إشارات لغة الجسد الملحوظة، إذ يقدر تواصلنا من خلال هذه الإشارات قرابة 80%. ويبدو هذا غريبًا للبعض، لكنك تنصت بعينيك وأذنيك.
- المستوى الخامس: تفهم المنصت بصورة متزايدة لشعور المتحدث وأفكاره تجاه موضوع ما في متناول يده، ومن ثم تحديدها وتقديرها. إذ يتعاطف المنصت مع هذه المشاعر ويثبت صحتها بطريقة داعمة وغير حكمية.
- المستوى السَّادس: يطرح المنصت الأسئلة التي تتضح من خلالها افتراضات المتحدث وتساعده بذلك على رؤية القضيَّة من زاوية جديدة، وذلك من خلال إضافة بعض أفكار المنصت إلى الموضوع محل الحوار، والذي من الممكن أن يكون مفيدًا للمتحدث، ولكن لا يقوم المنصتون أبدًا بخطف الحوار حتى يكون حوارهم هو محل المناقشة.
وكل هذه المستويات على حدة يتمم بعضها الآخر. فإن وجه لك نقدًا (على سبيل المثال)، لعرض الحلول عن الاستماع، فهذا يعني أنك قد اجتزت بعض المستويات (كالبعد عن المشتتات أو دعم المتحدث) قبل عرضك لمقترحاتك الأوليَّة التي يمكن الإشادة بها.
ولكننا نشك في قدرتنا على الإنصات الجيد، إذ من المرجح أن يستسلم معظمنا في وقت قصير بدلًا من الاستمرار، في حين نأمل أن يساعد هذا البحث في تقديم منظور جديد حول مهارة الإنصات، إلى جانب أملنا في أن يرى أولئك الذين يعملون تحت وهم التفوق على مهارات الاستماع الخاصة بهم لمعرفة أين يقفون حقًّا. ونأمل بتلاشي المفهوم الشائع بكون الإنصات الجيد يتعلق أساسًا بالتصرف مثل الإسفنج الماص. وأخيرًا، نأمل أن يرى الجميع أن أعلى وأفضل أشكال الإنصات تأتي في لعب نفس دور المتحدث الذي يلعبه الترامبولين للطفل، الذي يمده بالطاقة، والنشاط، والارتفاع، والدعم. فهذه هي معالم الإنصات الجيِّد.
- ترجمة: زينب محمد حسين
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1