السير في أثناء النوم

يعد اكتشاف أسباب السير في أثناء النوم الخطوة الأولى للتغلب عليه

ما أسباب السير في أثناء النوم ومن هم الأكثر عرضة للإصابة به؟

قد يبدو الأمر فكاهيًا لكن ليس بالنسبة لمن يعانون منه أو لشركائهم. ففي عام 2015 نشرت دراسة في صحيفة جاما لطب الأطفال مفادها أن 29% من الأطفال الواقعة أعمارهم بين عامين وثلاثة عشر سنة قد يختبرون نوعًا من نوبات السير في أثناء النوم مع تفاقم الوضع للفئات العمرية بين عشر سنوات إلى ثلاثة عشر. كما إنه شائع أيضًا لدى البالغين في دراسة أدلت بها كلية الطب في جامعة ستانفورد مفادها أن 3.6% من البالغين في الولايات المتحدة، أي ما يفوق الثمانية مليون شخص، يختبرون هذه الظاهرة الغريبة بانتظام.

قد تعزى أسباب السير في أثناء النوم إلى العديد من العوامل كالقلق والجهد وصولًا إلى سوء جودة النوم أو لأسباب جينية، ونظرًا لكونه أكثر شيوعًا لدى الأطفال، فقد يسبب ذلك إشكاليةً عند البلوغ كما بيّن استشاري المخ والأعصاب وطبيب النوم الدكتور Angus Nisbet لموقع Live Science.

وفقًا لمؤسسة النوم، فإن السير في أثناء النوم، أو كما يدعى بالاسم العلمي “somnambulism” هو اضطراب سلوكي يحدث في أثناء النوم العميق وينتج عنه السير أو القيام بسلوكيات معقدة أخرى في أثناء النوم في أغلب الأحيان.

وإلى جانب الهلع الليلي، يعد صرير الأسنان وتبليل الفراش والسير في أثناء النوم إحدى مجموعة اضطرابات النوم التي تدعى بالخطل النومي، والتي عادةً ما تحدث خلال مراحل النوم العميق أو ما يدعى بنوم الموجة البطيئة، وهي الفترة المتمثلة بالثلث الأول من الليل.

فعندما تحدث هذه النوبات، قد يفتح النائمون أعينهم، ويبدو عليهم الارتباك قبل الشروع في الخروج من السرير والتجول في الغرفة والمنزل.

ففي حين أنهم سيفتقرون إلى الوعي الكامل الذي سيكون لديهم عندما يستيقظون، فقد يستمرون في الانخراط في نوع السلوكيات الروتينية التي يمارسونها بالعادة خلال النهار، من فتح النوافذ إلى تناول الطعام، وارتداء الملابس إلى إعادة ترتيب الغرفة. حتى أنهم قد يتبولون في الأماكن غير المعتادة. وذكر الدكتور نيسبت: «أن المشي في أثناء النوم هو استيقاظ غير مكتمل من النوم العميق، إذ أن بعض أجزاء الدماغ، كالأجزاء المسؤولة عن المهارات الحركية، تكون مستيقظة بينما بعض منها يدخل في سبات بشكل سريع».

في معظم الأحيان من النادر أن تستمر هذه النوبات لأكثر من بضعة دقائق، ففي عام 2018 أفادت مجلة Current Biology أن الحالات الشديدة من السير في أثناء النوم استمرت عدة ساعات.

ما الذي يسبب حدوث السير في أثناء النوم؟

في العديد من الحالات يكون السائرون في أثناء النوم ببساطة أكثر استعدادًا وراثيًا للمعاناة من غيرهم. إذ تخمن مؤسسة النوم أن ما يقارب من 22% من الأطفال الذين ليس لوالديهم تاريخ سابق للسير في أثناء النوم سيختبرون السير في أثناء النوم. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يرتفع إلى 47% إذا اختبر أحد الوالدين ذلك، ثم يرتفع أكثر إلى 61% في حال كان الوالدان يسيران في أثناء النوم أيضًا.

فبينما يعد السير في أثناء النوم أكثر شيوعًا لدى الأطفال إلا أنه يتراجع عند الوصول إلى سن المراهقة. أما إذا كنت شخصًا بالغًا ولا تزال عرضة للسير في أثناء النوم، فقد تزداد احتمالية النوبات وتكرار المعاناة خاصةً إذا كنت تعاني أيضًا من الحرمان من النوم بالإضافة إلى الإجهاد والقلق. وقد تزيد أدوية معينة أو تعاطي الكحول أو امتلاء المثانة قبل النوم أيضًا من فرص السير في أثناء النوم، وكذلك آثار الإصابة في الرأس أو الدماغ. فحتى التغيير في بيئة نومك، كالإقامة في فندق، يمكن أن يؤدي إلى هذه النوبة. وقالت سامانثا بريسكو، رئيسة اختصاصيي علم النفس السريري في مركز لندن للنوم في مستشفى لندن بريدج في إنجلترا، لـ Live Science: «وحتى قد يكون السبب استقبال هاتفك المحمول للإشعارات خلال الليل»، «أي شيء يعيق نومك يمكن أن يؤدي إلى السير في أثناء النوم».

كما أضاف الدكتور نيسبت أن المرضى الذين يعانون من أمراض نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة غالبًا ما يختبرون أحلامًا سيئة أو كوابيس خلال الليل، والتي يمكن بدورها أن تؤدي غالبًا إلى السير في أثناء النوم.

هل يمكن علاج السير في أثناء النوم؟

ينصح باستشارة الطبيب في المقام الأول وذلك لإجراء فحوصات جسدية لاستبعاد اضطرابات النوم الأخرى أو حالات نوبات الذعر، وإذا كنت تشارك شخصًا آخر المعيشة اطلب منه مساعدة الطبيب في وصف سلوكك في أثناء النوم مع الحرص على ذكر وجود أي تاريخ عائلي للإصابة بنوبات السير في أثناء النوم. كما يمكن لدراسة النوم الليلي المساعدة بتحديد العلاج المناسب من خلال عدة اجراءات يقوم فيها الاختصاصيون بتسجيل وقياس كل شيء في أثناء النوم من مستوى الأكسجين في دمك إلى معدل نبضات قلبك وحركة عيونك إلى موجات الدماغ.

كما أوضح الدكتور نيسبت أن تحسين عادات نومك يعد أمرًا بالغ الأهمية. إذ بيّن: «عليك أن تكون هادئًا في الساعة الأخيرة قبل أن تأوي إلى الفراش». «لذا ينصح بتجنب الضوء الأزرق للأجهزة والمحفزات الأخرى قبل الاستراحة في المساء. إذ لن يساعدك ذلك على النوم فحسب، بل سيساعدك أيضًا على الاستغراق فيه».

يصبح العلاج ضروريًا عندما لا يتعدى كونه مدمرًا للحياة فقط بل يتخطاه ليصبح خطيرًا أيضًا، ففي حزيران/يونيو عام 2010 على سبيل المثال، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن مصمم شاب يدعى توبياس وونغ وجد ميتًا في منزله في مدينة نيويورك إذ شنق نفسه على ما يبدو خلال الليل. كان لدى وونغ تاريخ من حوادث السير في أثناء النوم الشديد مما جعل شريكه مقتنعًا بأنه قد انتحر خلال إحدى هذه النوبات.

من الأساليب الشائعة لعلاج السير في أثناء النوم استخدام الإيقاظ المسبق، إذ يوقظ السائر في أثناء النوم قبل 15 دقيقة من بدء النوبة عادةً، وتركهم مستيقظين لبضع دقائق قبل السماح لهم بمعاودة النوم مرةً أخرى. تُكرر العملية لعدة ليالٍ حتى يتحسن نمط النوم في النهاية. كما يعد العلاج بالتنويم المغناطيسي من العلاجات الشائعة أيضًا.

سيفحص المختصون أيضًا أي حالة كامنة، مثل انقطاع النفس في أثناء النوم أو متلازمة تململ الساق لدى البالغين، وتعديل أي دواء قد يلعب دورًا في إثارة نوبة السير في أثناء النوم. وفي الوقت نفسه، قد تستفيد الحالات الخطرة من الاستشارة وتقنيات الاسترخاء والحد من التوتر بينما ثبت أيضًا أن العلاج السلوكي المعرفي يساعد المرضى على التعامل مع اضطرابات نومهم بطريقة مختلفة. ففي الحالات الشديدة، يمكن وصف علاج من المهدئات لضمان نوم غير متقطع. وأضاف الدكتور نيسبت: «بشكل عام، يتم التعامل مع من يسيرون في أثناء النوم بطريقة غير دوائية، أما إذا كان لا بد من استخدام الدواء للعلاج، فينصح بالبنزوديازيبين [الذي يعمل على خفض نشاط الدماغ] أو مضادات الاكتئاب للبالغين والميلاتونين للأطفال».

ما هو التصرف الصحيح عند رؤية شخص يسير في أثناء النوم؟

خلافًا للاعتقاد الشائع، لا يعد من الخطر إيقاظ السائر في أثناء النوم، ولا سيما أنه سيصاب بالارتباك وسيستغرق الأمر دقائق حتى يستعيد وعيه بالكامل. ومع ذلك، فإن أفضل نصيحة هي توجيههم ببطء للعودة إلى الفراش، بصوت هادئ وأوامر بسيطة.

  • ترجمة: عبير زبون
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1