خمس استراتيجيات لتصبح مؤثرًا
كان القرويون يأتون من جميع أنحاء العالم للاستماع إلى أبراهام لينكولن، الذي كان حينها محاميًا يملك موهبة رواية القصص وفقًا للمؤرخ دوريس كيرنز جودوين. لم يتمتع لينكولن بمزايا التكنولوجيا الحديثة إذ كان يقف على جذع شجرة بدلًا من منصة TED، ولم يكن اختراع عرض شرائح الـ PowerPoint موجودًا قبل 130 عامًا. كتب جودوين أن لينكولن «كان بإمكانه تثقيف جمهوره وترفيههم وتحفيزهم في آنٍ واحد».
مع أن أدوات التواصل تغيرت منذ أن كان لينكولن يمتّع الجماهير بتقنياته في سرد القصص إلا أن العقل البشري لم يتغير لأن عقولنا تدمن القصص. نحن نفكر في السرد ونستمتع بقراءة المحتوى المكتوب على شكل قصة.
يعد فهم الفرق بين العرض وسرد القصص أمرًا بالغ الأهمية لقدرة القائد على إشراك الجمهور وتحفيزه إلى العمل. لسوء الحظ غالبًا ما تقف برامج العروض التقديمية في وجه تحقيق هذه الغاية إذ يجب تصميم الشرائح لتكمل القصة وليس لتحل محل الراوي.
فيما يلي خمس استراتيجيات لسرد القصص والتأثير على الآخرين لتتميز في المرة القادمة التي تقدم فيها عرضًا تقديميًا.
1. يفتح مقدموا العروض شرائح العرض على الشاشة بينما يروي المؤثرون قصة
إذا كنت ترغب في إشراك جمهورك في عرضك التقديمي عليك أن تحكي قصة. ولكن بالنسبة لمعظم الأشخاص الذين يعدون العروض التقديمية فإن سرد القصص ليس في قمة اهتماماتهم.
يفعل معظم المقدمين ما هو منطقي لذلك يبدأون بفتح برنامج العرض لكن معظم برامج العروض التقديمية ليست أدوات لسرد القصص بل إنها آليات توصيل معلومات رقمية إذ يعرض قالب الشرائح الباوربوينت الافتراضي عنوانًا ونصًا.
كما إن القائمة النقطية ليست قصة لأن القصة عبارة عن سلسلة متصلة من الأحداث يتم سردها من خلال الكلمات أو الصور. القصة لها موضوع ولحظات ملفتة للانتباه وأبطال وأشرار وخاتمة مرضية. لا يمكن للشرائح المصممة بشكل جيد أن تعوض عن قصة مشوهة وغير منظمة.
يقرأ مخرجوا الأفلام الحائزون على جوائز مهمة السيناريو أو يكتبونه بأنفسهم قبل البدء بالتصوير. يشاهدون الفيلم قبل عرضه من خلال التصور أو رسم كل مشهد ضمن قصص مصورة. بالطريقة نفسها يفكر مقدموا العروض الفعّالون في عناصر المحتوى الخاصة بهم قبل وقت طويل من فتح برنامج العرض.
قبل أن تجلس لإنشاء الشرائح جرّب هذه العملية المكونة من ثلاث خطوات.
أولًا اكتب فكرتك كما لو كنت تخبر شخصًا ما قصة. نظرًا لأنك لا تكتب أو تتحدث بشكل طبيعي بالنقاط لذلك تجنب استخدامها. استخدم بدلًا من ذلك جملًا كاملة فيها أسماء وأفعال وانتقالات بين الفقرات والأفكار.
ثانيًا: تصور كل مفهوم من المفاهيم الأساسية الخاصة بك عن طريق القصة المصورة أي رسم الأفكار على سبورة بيضاء أو ورقة.
أخيرًا، اجمع ما يجعل قصتك تنبض بالحياة من مقاطع فيديو أو رسوم متحركة أو رسومات أو صور.
2. يستخدم مقدموا العروض النص بينما يستخدم المؤثرون القصص والصور
أثار كريس هادفيلد في أثناء خدمته كقائد لمحطة الفضاء الدولية، ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عزفه على الغيتار وغنائه أغنية (غرائب الفضاء Space Oddity) لديفيد بوي وهو يطفو في المركبة الفضائية، وعند عودته إلى الأرض اجتذب حديثه الشهير على منصة TED Talk أكثر من 11 مليون مشاهدة.
كان عنوان العرض التقديمي لهادفيلد «ما تعلمته من إصابتي بالعمى في الفضاء»، لقد كان عرضًا مذهلًا لسرد القصص المرئية. احتوت مجموعة العرض التقديمي على 35 شريحة من الـ PowerPoint بدون نص، إذ اعتمد هادفيلد على الصور والرسوم المتحركة ومقاطع الفيديو لتعريف الجمهور على عالم مجهول لم يختبروه بعد.
وجد الباحثون أن جمهورك سيتذكر قرابة 10٪ من المحتوى إذا سمعوا المعلومات ببساطة. لكن التأثير يكون للصورة يعني أنهم إذا سمعوا معلومات ورأوا الصورة فسوف يحتفظون بنسبة 65٪ من المعلومات.
أدركت فلورنس نايتنجيل -رائدة التمريض الحديث- تفوق الصورة قبل أكثر من قرن من اختراع PowerPoint. كانت نايتنجيل خبيرة في الإحصاء وعالمة في الرياضيات، وكانت أيضًا ممرضة متعاطفة صُدمت عندما اكتشفت أن عددًا أكبر من الجنود البريطانيين يموتون نتيجة ظروف غير صحية في المستشفيات أكثر من الذين يموتون من جروح المعارك. وعندما طلبت نايتنجيل الحصول على تمويل من السلطات البريطانية لتحسين الظروف قامت بتوضيح البيانات الجافة إلى رسم بياني ملون. عرفت نايتنجيل أن القصص والصور تؤثر في البشر أكثر من تأثرهم بالبيانات والنصوص وحدها.
إذا كنت ترغب في إشراك الجمهور في محتواك فأنشئ عرضًا تقديميًا يحوي على الصور لاستكمال القصة التي ترويها. تعمل مجموعة الصور والكلمات على تحسين التعلم أكثر بكثير مما يمكن للكلمات أن تفعله بمفردها.
3. مقدموا العروض يفرغون البيانات أما المؤثرون يضيفون طابعًت إنسانيًا
لقد اكتشفت الممرضة نايتنجيل أن الدماغ البشري لا يفهم الأعداد الكبيرة والبيانات بالنسبة له معلومات مجردة حتى يتم وضعها في سياق يمكن للناس فهمه لأن البشر يفهمون من يشبههم.
كان مجموعة من المديرين التنفيذيين يستعدون في شركة معدات طبية كبيرة لإطلاق جهاز مسح دماغي جديد في مؤتمر مرموق. أرسلوا مئات الصفحات من البيانات السريرية لإثبات أن هذه التكنولوجيا يمكنها تحديد حالة المريض بشكل أسرع وأكثر دقة من أي جهاز موجود.
لكن «أين البشر؟» أي أين القصة والعبرة من هذه المعلومات.
على الرغم من أن الجهاز قدم بيانات تدل على فعالية التكنولوجيا إلا أنه لم يروي أي قصة فقط البشر يمكنهم فعل ذلك.
بعد بضع ساعات من العصف الذهني قام بها الفريق التنفيذي قرروا بعث الحياة في هذه البيانات. إذ قاموا ببناء عرض تقديمي حول مريضين نموذجيين من وحي الخيال -ديفيد وسوزان- اللذان سيستفيدان من التكنولوجيا عند دخولهما المستشفى عند ظهور أعراض سكتة دماغية أو نوبة قلبية محتملة.
كان المدير التنفيذ -الذي قدم العرض في نفس المؤتمر في العام التالي- يسير في الردهة عندما أوقفه طبيب وقال: «أنت الرجل الذي قص حكاية ديفيد وسوزان، لقد كان عرضًا رائعًا». لم يتذكر الحضور جميع البيانات لكن القصة تركت انطباعًا.
في المرة التالية عندما يكون لديك مجموعة بيانات كبيرة لعرضها أضف روحًا حماسية إلى الإحصائيات.
4. يمكن توقع ما سيقدمه المقدم لكن المؤثر يفاجئ جمهوره
معظم العروض التقديمية مملة لأنه يمكن التنبؤ بها ونعلم ما سيعرض بعد ذلك – شريحة أخرى من النقاط تليها أخرى وأخرى، لكن القصة الجيدة تملك عنصر المفاجأة.
عندما قدم ستيف جوبز أول جهاز iPod، أخبر الجمهور أن مشغل الموسيقى يمكنه تخزين 1000 أغنية في حين مشغلات الموسيقى الأخرى في السوق -التي تقدم نفس الادعاء- لم تقدم مشغل موسيقى يمكن وضعه في الجيب، وعند هذه اللحظة سحب جوبز جهاز iPod من جيب بنطاله الجينز وأخرج أصغر مشغل MP3 في السوق كساحر يسحب أرنبًا من قبعته. أصبحت عبارة «ألف أغنية في جيبك» واحدة من أكثر الشعارات شهرة في تاريخ المنتج.
على الرغم من أن العديد من الأشخاص عدوا ستيف جوبز أحد أكثر مقدمي الأعمال تميزًا في عصرنا، إلا أن الشريك المؤسس لشركة Apple كان يعرف السر الحقيقي لكسب جمهور ألا وهو إنشاء عرض تقديمي يروي قصة مصاغة جيدًا.
ينتبه العقل البشري إلى التجديد كالتقلبات والمنعطفات والأحداث الغير المتوقعة، ينتعش دماغنا عندما نكتشف شيئًا يكسر نمطًا ما.
ليس هناك حد لإبداعك أي أنك لا تحتاج إلى سحب المنتجات من جيبك لجذب انتباه الجمهور، فقط خطط لمفاجأة الناس بشيء لا يتوقعونه.
5. يتدرب مقدموا العروض بصمت بينما يتدرب المؤثرون بصوت عالٍ
تُنسى معظم عروض الأعمال التقديمية لأن المتحدثين ينسون أن عليهم التأثير وليس التقديم. العرض التقديمي الرائع يُعلم ويلهم ويشارك ويسلي. بمعنى آخر إنه عرض مسرحي ويجب التدرب عليه.
يتصفح معظم محترفي الأعمال شرائحهم بصمت للتحضير لعرض تقديمي بينما يتمرن المؤثرون بصوت عالٍ، ويدرّبون صوتهم لإيصال المعلومات ويضيفون وقفات موقوتة تمامًا ويغيرون وتيرة صوتهم. إذا كانوا يخططون للوقوف أمام مجموعة فسيقفون في أثناء التمرين. إذا كانوا سيجلسون في مكالمة Zoom، فسيأخذون مقعدهم في البروفة ويقدمون كل شريحة كما لو كانوا يقدمون عرضًا حقيقيًا.
عندما ترى نفسك راويًا للقصص فهذا يعني أنك ستغيّر طريقة عرض المحتوى التقديمي. لا تدع برامج العروض التقديمية تقف في طريق إعطاء معلومات مهمة للجمهور لذلك اروي القصص لإثارة اهتمامهم وتحسين المعلومات في أذهانهم.
- ترجمة: رؤى بستون
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1