ربما غيَّرت النجوم العابرة مدار الأرض ومناخها
في العديد من المرات خلال التاريخ الكوني، ربما تكون النجوم العابرة قد عدلّت مدار الأرض ومناخها. إذ يتعمّق بحث جديد فيما يعنيه ذلك عندما يصل الأمر إلى فهم ماضي كوكبنا.
استُحدِثت حاليًا التغيّرات المناخية اليومية على الأرض بسبب الإنسان، لكن شدة جاذبية الكواكب الأُخرى يمكن أن تسبب أنماطًا مناخية طويلة الأمد عن طريق تغيير مدار كوكبنا بعض الشيء.
وقد أفادت الأبحاث الآن أن النجوم الكبيرة العابرة تستطيع أن تُعدِّل مسار الأرض أيضًا، وبهذا ربما تُقيّد الشدة الكونية قدرة الباحثين على دراسة الروابط بين التغيرات الماضية في مدار الأرض ومناخ كوكبنا.
تتغير جوانب حركة مسار الأرض حول الشمس مع مرور الوقت.
على سبيل المثال، يتبدَّل شكل مدار الأرض بين كونه تقريبًا دائري وبيضاوي كل 100,000 سنة تقريبًا، حيث يجذب كوكبي المشتري وزحل الأرض. وتؤثّر دورة Milankovitch هذه على مقدار الأشعة الشمسية التي يتلّقاها الكوكب، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير المناخ جزئيًا وإرسال الأرض بشكل متكرر إلى العصر الجليدي.
يمكن أن تساعد عمليات المحاكاة التي تُجرى بشكل عكسي في تحديد مثل هذه التغيّرات في مدارات الكواكب. ولكن تصبح هذه القياسات، مثل التنبؤات الجوية، أقل دقة على فترات زمنية أطول، لأن عدم اليقين في مسارات الكواكب يتزايد بشكل كبير. لذلك، اعتقد العلماء سابقًا أنهم لا يستطيعون التنبؤ بمسار الأرض بدقة إلا خلال ال 70 مليون سنة الماضية أو ما يقارب ذلك.
ولمثل هذه المحاكاة خلل آخر هو أنها تعتبر النظام الشمسي كفقاعة. ومع ذلك، كونه جزء من مجرة درب التبانة، فإنه يستقبل زوّارًا من الفضاء الخارجي بصورة منتظمه ومقبولة. من المتوقع أن تمر النجوم خلال 200,000 وحدة فلكية من الشمس نحو 20 مرة كل مليون سنة أو ما يقارب ذلك (تساوي الوحدة الفلكية الواحدة، أو AU، نحو 93 مليون ميل، أو 150 ميلون كيلومتر، أو نحو المتوسط الحسابي للمسافة بين الأرض والشمس). في الحقيقة، وفي كانون الأول/ديسمبر عام 2023، حسبَ الباحثون أن مثل هذا النّجم يستطيع، بعد مليار سنة من الآن، أن يُخرج الأرض عن مدارها، ربما منقذًا إياها من الاستهلاك من قبل الشمس المتسّعة.
تسترشد هذه الدراسة عضوين من الفريق نفسه للنظر إلى تأثيرات مرور نجم ربما قد مرّ بمدار الأرض في الماضي. إذ قال ناثان كايب، أحد كبار العلماء في معهد علوم الكواكب في أريزونا: «لقد قررنا الآن أن نرى ماذا سيحدث إذا بدأنا بتحليق مجموعة من النجوم عبر النظام الشمسي في عملية محاكاة». فاستخدم كايب والمؤلف المشارك شون ريموند، عالم الفلك بجامعة بوردو في فرنسا، نماذج حاسوبية لتوليد المئات من التوقعات العكسية لمسارات الكواكب في النظام الشمسي. وقد نُشِرَ هذا البحث في 14 شباط/فبراير 2024 في مجلة Astrophysical Journal Letters.
لقد استمرت كُل محاكاة حتى تغيّر انحراف الأرض (المقدار الذي ينحرف فيه مدار الكوكب عن الدائرة الكاملة) عن القيمة الحالية بمقدار %10، حيث أصبحت بعد هذه النقطة عمليات المحاكاة غير موثوقة. في بعض السيناريوهات، سمحَ الباحثون لنجم يشبه الشمس بالاقتراب نحو 200,000 وحدة فلكية باتجاه الشمس. وقد وجدوا أن تضمين التحليق النجمي خفَّض كثيرًا مقدار التوقعات من 77 مليون سنة إلى 62 مليون سنة فقط في الماضي. كما اكتشف الباحثون أن النجوم تولّد تأثير سماوي يشبه أحجار الدومينو، حيث تجذب الكواكب العملاقة وبالتالي تدفع الأرض بعيدًا.
انتقل كايب وريموند بعدها من العام إلى الخاص، إذ ركّزا على النجم الذي مرَّ بالنظام الشمسي مؤخرًا، فقط من 2.8 مليون سنة مضت، وهو النجم الذي بحجم الشمس المسمى HD 7977. لقد أظهرت الحسابات أن HD 7977 ربما اقترب من الشمس على مسافة 13,200 وحدة فلكية، وربما يكون قد اقترب 3,900 وحدة فلكية. فإذا كانت المسافة الأقصر صحيحة، اكتشفَ الباحثون أن نافذة التنبؤات لمدار الأرض تناقصت إلى 50 مليون سنة؛ فوق ذلك، أصبحَ المدار مختلف وغريب بطريقة لايمكن التنبؤ بها.
لقد حيّرت هذه النافذة الزمنية ذات التنبؤ المختصر علماء المناخ الذين يدرسون مناخ الأرض القديم، لأن الكثير منهم اعتقدوا أن الحد الحراري الأعلى من العصر الباليوسيني والأيوسيني، وهو فترة من الاحتباس الحراري منذ حوالي 56 مليون سنة، حدث عندما تأرجح مدار الأرض بالقرب من الشمس. ومع ذلك، بعد أن أصبح الآن مسار الأرض غير موثوق به، يتوجب على علماء المناخ التحقق من أسباب أخرى، مثل العوامل الجيولوجية.
كما وجدت الدراسة أن النتائج لها تأثير على المستقبل. قال كايب: «إن الزائر النجمي المقرر التالي هو Gliese 710، والذي سيمرّ على بعد 10,000 إلى 15,000 وحدة فلكية من الشمس بعد 1.3 مليون سنة من الآن». وأضاف: «لكن يبقى السؤال المفتوح فيما إذا كان هذا الاضطراب سيقلل من قدرتنا على التنبؤ بالتطور المداري المستقبلي للأرض أم لا».
- ترجمة: حلا عمران
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1