فن التواصل، خمس خطوات لتوسيع آفاق التعلم وتعزيز التواصل
النقاط الرئيسية:
- كثيرًا ما نفشل في معرفة حقيقة ما يفكر فيه الناس من حولنا، وما يشعرون به، وما الذي يعرفونه.
- الاستفادة من هذه الأفكار غير المُعلَنة تعمل على تحسين العلاقات وتوسيع آفاق التعلُّم والتواصل.
- لكشف ما يفكر فيه الآخرون وما يشعرون به، علينا أن نتعلّم كيف نطرحُ الأسئلة المناسبة بالطرق المناسبة.
غالبًا، وأكثر مما ندرك، لا يُخبرنا الأشخاص من حولنا بالأمور التي قد تكون مهمةً بالنسبة لنا، مثل وجهات نظرهم وأفكارهم الابتكارية، ونحن نبقى غير مدركين لما يفكرون فيه ويشعرون به. حينها، نتخذ قراراتٍ غير مناسبة ونظلُّ عالقين في نفس المواقف والصراعات، مما يؤدي إلى فقدان فرص التعلُّم والتواصل. ومن جهةٍ أُخرى، عندما نستفيد من هذه الأفكار الخفيّة، يمكننا بناء علاقاتٍ أكثر عمقًا.
يُوضح هذا المقال خمسَ خطواتٍ لاكتشاف حقيقةِ ما يفكّر ويشعر به الأشخاصُ من حولك.
الخطوة الأولى: اختر أن تكون فضوليًا
كلُّ شخصٍ منا يروي لنفسه باستمرارٍ قصصًا عن حياته الشخصية والأشخاص الموجودين فيها، ونبقى عالقين في الأحكام والانتقادات والتقييمات والقلق، ونكون متأكدين تمامًا من وجهة نظرنا الخاصة، مما يجعلنا لا نشعر بالفضول حول ما قد لا نراه. اختيار الفضول يتمثل في الخروج من دوائر اليقين والتأكد، ونحن نميل إلى اليقين دائمًا بدلًا من الفضول والاستكشاف نتيجة للانحيازات النفسية والتأثير الثقافي.
إنها استراتيجية البقاء: نحن غير قادرين على معالجة جميع المعلومات التي نتعرض لها يوميًا، لذلك تقوم عقولنا تلقائيًا بتصفيتها واختيار مجموعة صغيرة من تلك المعلومات لاتخاذ القرارات والتصرف بناءً عليها. لذا عندما تجد نفسك واثقًا، حاول أن تكون فضوليًا أكثر لتعرف ما هي المعلومات التي قد تغيب عنك بشأن هذا الشخص أو الموقف؟ ما هي التحديات التي قد يواجهها الشخص الآخر والتي قد لا نراها؟
الخطوة الثانية: اجعله يشعر بالأمان
ظهرت مجموعةٌ من الأبحاث التي أجرتها أستاذة كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، إيمي إدموندسون وآخرون، أن الأشخاص يحتاجون إلى الشعور بالأمان النفسي لكي يتمكنوا من التحدث بصراحة، ويجب أن يكونوا واثقين من أنك لن تحكم عليهم أو تخجلهم أو تعاقبهم على صراحتهم معك. ويزداد الأمر أهميةً عندما نتحدث أو نتفاعل مع أشخاصٍ من خلفياتٍ مختلفة مثل العمر والعرق والجنس، حيث إن هذه العوامل قد تؤدي إلى حدوث مشاكل سواءٌ كانت حقيقيةً أو محسوسة نتيجة التحدُّث بصراحة. فلو سبق أن رددت بطريقةٍ سلبيةٍ أو حُكمية، فعليك بذل جهدٍ إضافي لجعل الأمور أكثر أمانًا. حتى ولو لم يحدث ذلك، فمن المحتمل أن الشخص الآخر قد تعرّض في وقتٍ ما للخجل أو العقاب لكونه تحدث بصراحة، ولا يزال لا يشعر بالأمان. وعلى الرغم من معرفتك بأنه يجب عليك أن تُشعر مَن حولك بالأمان قد يكون أمرًا سهلًا، إلا أن الأكثر أهميةً هو اتخاذ خطواتٍ فعليةٍ لضمان ذلك. فالحذر خيرٌ من الندم.
الخطوة الثالثة: اطرح أسئلةً جيدة
عندما تم وضع الأُسس، يحين الوقت الآن لبدء طرح الأسئلة. للأسف، معظم الشباب يقومون بطرح أسئلة أقل بكثيرٍ مما ينبغي، والتي قد تكون في الغالب بدوافعَ أُخرى غير الفهم والتعلُّم، فلا يقومون بطرح أسئلةٍ كافية للاستفسار. فالأسئلة التي يُجاب عنها بنعم أو لا أو تلك التي تضع الأشخاص الآخرين في وضعٍ دفاعي (مثل: ماذا كنت تفكر؟) لا تدع مجال لإجراء حوار، بل قد تنهي تلك الحوارات. في المقابل، الأسئلة الجيدة تساعد الفرد على اكتساب معرفةٍ من الشخص الآخر لأنها تعبّر عن فضولٍ حقيقي، وصدقٍ في محاولة الفهم والتعلُّم من الآخرين دون التركيز على إثبات نقاطٍ معينة أو محاولة التأثير عليهم أو إصلاحهم. بهذه الطريقة، فإنهم يَدعون إلى الصدق والصراحة من خلال كونهم واضحين ومباشرين دون وجود أهدافٍ خفيّة. ولأن الأسئلة الجيدة تجعل الفرد يستفيد من الشخص الآخر عن طريق استخلاص المعاني الخفية والعواطف والتجارب من حواره.
الخطوة الرابعة: استمع لتتعلّم
الطريقة التي نستمع بها هي التي تحدد مقدار معرفتنا وعمق علاقتنا وتواصلنا مع الآخرين. فبالرغم من أن 96% من الأشخاص يرون أنفسهم مستمعين جيدين، إلا أن الأبحاث أظهرت أننا نستمع ونحتفظ بجزءٍ صغير فقط مما يخبرنا به الآخرون. من السهل أن تشعر وكأنك تستمع، ولكن في الواقع، أنت تنتظر بصمت حتى يأتي دورك في الرد أو تبحث في كلام الآخرين عن نقاطِ ضعفٍ تستخدمها للدفاع عن نفسك أو إبطال حُجّتهم في النقاش. كلما وجدت نفسك تفعل ذلك، اسأل نفسك: ما الذي يمكن أن أتعلّمه من هذا الشخص؟ ثم دع إجابتك توجّه طريقة استماعك.
لا بدّ أن يكون هدفك الوحيد في التواصل هو فهم ما يشاركه الشخص الآخر معك، وأن تدع وجهة نظرك وردودك المعارضة جانبًا لتتمكن من الاستماع والانتباه بشكلٍ جيّد لكل ما يحاول الشخص الآخر التعبير عنه.
الخطوة الخامسة: فكّر وتواصل مجددًا
في النهاية، عليك استيعاب ما سمعته بطريقةٍ تمكّنك من الاستفادة وتطوير نفسك. ولتفعل ذلك، اسأل نفسك: كيف يمكن لِما سمعته أن يغيّر من وجهة نظري للموقف؟ ما هي الخطوات الفعلية التي يمكنني اتخاذها بناءً على ما سمعته؟ كيف لما سمعته أن يؤثر على معتقداتي الداخلية وافتراضاتي وطرق تفكيري؟ وبمجرد التفكير والإجابة، شارك مع الشخص الآخر ما استفدته وما تنوي فعله.
فهذه الخطوات تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على مستقبل علاقتك بهذا الشخص. فعندما يقرر شخصٌ مشاركة أفكاره ومشاعره معك بصراحة، فإنه يريد أن يعرف أن الأمر مهمٌّ بالنسبة لك. وإذا لم تتواصل معه مرةً أُخرى، فقد يشعر بأنه غير مقدَّرٍ وأنه يتم استغلاله. ولكن عندما تأخذ من وقتك وتشاركه ما تعلّمته، فإنّك تخلق فرصةً لتواصلٍ أعمقَ وتعلُّمٍ مستمرٍ يفيد كلا الطرفين.
إنّ استخدام تلك الخطوات معًا يُعتبر قوةٌ خارقة يمكن لأيّ شخصٍ استخدامها لتحويل علاقاته وتوسيعِ آفاق تعلُّمه وتطوّره في جميع مجالات الحياة.
في المقالات القادمة، سنتناول بعمق المشكلة التي يمتنع الناس عن الحديث عنها والسبب وراء ذلك، بالإضافة إلى كل خطوةٍ في منهج السؤال.
- ترجمة: أسماء سيد
- تدقيق علمي ولغوي: هنا نصري
- المصادر: 1