ماهو أثر التمرير المستمر للأخبار السلبية على النفس البشرية
يميل العديد منا إلى جذب الانتباه نحو المعلومات السلبية، ولكن هل يؤثر البحث النشط عن هذه الأخبار على إحساسنا بمعنى الحياة وثقتنا بالآخرين؟
أظهرت الأبحاث لأول مرة أن التمرير المستمر للأخبار السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات وجودية، مثل التأثير على نظرتنا للبشرية ومعنى الحياة.
في السنوات الأخيرة، أصبحت التقارير الإخبارية تتسم بالتشاؤم بشكل متزايد، وأدى تبني الإعلام لمبدأ “إذا كان هناك دم، فهو الخبر الرئيسي” إلى هيمنة الأخبار السلبية على مستوى العالم، إذ تركز على الفساد، والاحتيال، وإطلاق النار، والإرهاب، والحروب. في المقابل، أصبحت الأخبار الإيجابية في كثير من الأحيان غير مهمة ويجري تجاهلها.
ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه ليس بالضرورة نتيجة لتطور الإعلام نفسه. في الواقع، أظهرت الأبحاث أن المستهلكين يفضلون ويبحثون عن الأخبار الساخرة والسلبية. وقد ساهمت هذه الظروف في التركيز المنحاز على الأخبار والمحتوى الإعلامي السلبي.
ليس هذا أمرًا جديدًا، فالبشر يميلون تاريخيًا إلى البحث عن الأخبار السلبية لأنها تبقيهم يقظين. وقد أظهرت الأبحاث السابقة أن هذا الانحياز السلبي، أي الميل لاكتشاف المعلومات السلبية أكثر قيمة من المعلومات الإيجابية، يظهر منذ مراحل مختلفة من تطور الإنسان، حتى في الطفولة. وهذا يشير إلى أن له جذورًا تطورية عميقة.
مع زيادة التركيز على المحتوى السلبي، ظهرت سلوكيات جديدة بين المستهلكين تُعرف بالتمرير المستمر للأخبار السلبية. في جوهره، يتضمن هذا السلوك البحث عن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي المحزن أو السلبي أو القصص الإخبارية لقراءتها والتصفح فيها، وعادةً يكون هذا السلوك قهريًا وقد يصل إلى درجة الإدمان.
أظهرت دراسة حديثة أن التمرير المستمر للأخبار السيئة يجعل الناس أكثر عرضة للشعور بالشك تجاه الآخرين، بينما يساهم أيضًا في شعورهم أن الحياة تفتقر إلى المعنى.
قال المؤلف الرئيسي، رضا شبهانج من جامعة فلندرو في أستراليا: «إن التمرير المستمر للأخبار السيئة يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على صحتنا العقلية ورفاهيتنا، مما يجعلنا نشعر بالتوتر والقلق واليأس والتساؤل عن معنى الحياة».
لقد أصبحت مشاهدة الأخبار السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا للصدمة غير المباشرة، إذ يتعرض الشخص لأثر نفسي سلبي حتى وإن لم يختبر الصدمة بنفسه. فعندما يتعرض الأشخاص لصور ومعلومات عن أحداث صادمة، قد تظهر لديهم أعراض مشابهة لاضطراب ما بعد الصدمة، مثل القلق واليأس.
وقد استطلع شبهانج وزملاؤه في دراستهم 800 طالب جامعي من ثقافتين مختلفتين تمامًا: طلاب من جامعة الأمم المتحدة (وهي ثقافة فردية غربية) وطلاب من إيران (وهي ثقافة جماعية شرقية)، وكان الهدف من الدراسة اكتشاف كيف يمكن أن يؤثر استهلاك الأخبار السلبية ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي على أفكار ومشاعر الشخص بشأن الوجود.
سُئل المشاركون عن مدى شعورهم بالقلق تجاه وجودهم، وما إذا كانوا يعتقدون أن العالم مكان عادل، وكيف يشعرون تجاه الإنسانية، والأهم من ذلك، كم مرة يقومون بالتمرير المستمر للأخبار السلبية. وأضاف شبهانج: «أردنا أن نتحقق من وجود رابط بين التمرير المستمر للأخبار السلبية والأفكار والمشاعر اللاحقة بشأن الإنسانية وأهمية الحياة».
وجد الفريق أن التمرير المستمر للأخبار السيئة كان مرتبطًا بزيادة القلق الوجودي في كل من العيّنتين الأمريكية والإيرانية، كما وجدوا أن التمرير المستمر للأخبار السيئة كان مؤشرًا كبيرًا على كراهية البشر في العينة الإيرانية.
شرح شبهانج: «عندما نتعرض باستمرار للأخبار والمعلومات السلبية عبر الإنترنت، يمكن أن تهدد معتقداتنا المتعلقة بوجودنا الشخصي والسيطرة التي نمتلكها على حياتنا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر التمرير المستمر للأخبار السيئة سلبًا على كيفية رؤيتنا للأشخاص والعالم من حولنا».
تُظهر الدراسة أنه ينبغي توخي الحذر عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لأن تعريض أنفسنا للتدفق المستمر للمعلومات السلبية يمكن أن يؤثر على عقولنا، لذا من المهم أن نأخذ استراحات وأن نكون واعين لعاداتنا في الاستخدام.
قال شبهانج: «نقترح أن يهتم الناس بمقدار الوقت الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي وأن يكونوا واعين للأثر الذي يحدثه على عواطفهم وأفكارهم ومشاعرهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأخبار والأحداث السيئة، فمن الجيد تتبع مقدار الوقت الذي نقضيه في التمرير المستمر للأخبار السلبية وإجراء تغييرات لتقليص هذا الوقت إذا كان يمثل مشكلة، من خلال زيادة الوعي بعاداتنا عبر الإنترنت مثل التمرير المستمر للأخبار السلبية واتخاذ خطوات صغيرة لمعالجتها، قد يساعد ذلك في تحسين صحتنا العقلية بصورة عامة».
- ترجمة: مريم مجدي
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1