ما الذي يجعل الشجرة مناسبة؟ سألنا الطيور باستخدام الذكاء الاصطناعي

كانت غابات الأوكاليبتوس العشبية تغطي ملايين الكيلومترات المربعة في الجنوب الشرقي من أستراليا ذات يوم، ولم يبقَ منها الآن إلا 5% أو دون ذلك. تلك الأشجار الكبيرة المعمرة موطن لمختلف أنواع الطيور والحيوانات، التي أصبحت في أزمة منذ أن بدأت موائلها تتناقص، إذ يتعذر تعويض أشجار عمرها قرون.

لكننا نستطيع إقامة هياكل اصطناعية تحاكي مزايا الأشجار المعمرة في البيئات المتدهورة، حيث الأشجار صغيرة ويانعة أو لا يمكنها النجاة. وهذا ما نعمل عليه في منطقة مولونغلو في كانبرا بمساعدة هيئة الحدائق والمحافظة على البيئة في إقليم العاصمة الأسترالية.

كان علينا معرفة ما الذي يجعل الموئل مناسبًا من وجهة نظر الحيوانات حتى نقيم هيكلًا اصطناعيًا يحاكيه. لذا ابتدعنا طريقة نستخدم بها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بما يشمل المعنيين من غير البشر، وهم الأشجار والطيور في هذه الحالة. كأننا عمليًا كلفنا الأشجار الكبيرة المعمرة بدور المصممين، ونصبنا الطيور حكامًا يقيمون جودتها.

الأشجار والطيور وأعمدة الكهرباء

بات النظام البيئي في مولونغلو متدهورًا وخربًا بعد أن كان مزدهرًا، وأشجاره الكبيرة المعمرة تتناقص باطراد. توفر تلك الأشجار، التي يزيد عمر بعضها على خمسة قرون، هياكل ظلية مركبة ضرورية لتعشيش الطيور وجثومها وبحثها عن المؤن. لكن موت تلك الأشجار العملاقة والتوسع الحضري يخلق فجوة طبيعية يصعب سدها.

سبق أن نصبت أعمدة مرافق معدلة [أعمدة كهرباء وسواها]، وغُيِّر موضع الأشجار الميتة في المنطقة لتكون موائل بديلة. تلك الهياكل توفر ميزات مهمة توجد في موائل الطيور، مثل المجاثم العالية وصناديق التعشيش واللحاء مما لا يوجد في شتلات الأشجار المزروعة. لكنها ما زالت محدودة الفائدة، لأن من الصعب فهم سمات الأشجار الكبيرة القديمة المهمة للطيور.

يمكن أن يساعدنا التحليل الدقيق للصور والبيانات الأخرى في تمييز تلك السمات. على سبيل المثال، وجدنا والمتعاونون معنا أن الطيور تفضل الفروع الأفقية الصغيرة للجثوم والتعشيش. تزودنا دراسة الطيور بمعلومات عن سمات الأشجار التي تفضلها الطيور. والخطوة التالية أن نستخدم تلك المعلومات في تصميم هياكل موائل أفضل.

التعلم من الأشجار

استخدمنا عملية تضمنت جمع البيانات، والنمذجة التنبؤية، والتصميم التكراري. ولم يكن لنا غنى عن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تفسير البيانات المكانية المعقدة.

حللنا في البداية كل شجرة من خلال عكس ملايين من أشعة الليزر من كل سنتيمتر مربع من سطحها لالتقاط مظلات الأشجار كغيوم من النقاط، من ثم استخدمنا خوارزميات لتحديد وقياس سمات مهمة كالاتجاه والحجم وترابط الفروع. إذ يمكن أن يقدم الفهم الأفضل لتفضيلات الطيور لهذه السمات تصاميم بدائل اصطناعية.

طورنا بعد ذلك نماذج إحصائية للتنبؤ بسلوك الطيور. اعتمدت هذه النماذج على ملاحظات طويلة الأمد لتفاعلات الطيور جمعها فيليب جيبونز في الجامعة الوطنية الأسترالية. من خلال محاكاة كيفية استخدام الطيور للفروع الاصطناعية، باستطاعتنا تحسين تصاميمنا لتلبية احتياجاتها بشكل أفضل.

إعادة تصور الموائل الاصطناعية

طورنا المزيد من الخوارزميات لتوليد مجموعة متنوعة من تيجان الأشجار الاصطناعية. بدلا من الحكم على التصميمات الناتجة من خلال مدى شبهها بالشجر في نظر الإنسان، استخدمنا نموذج سلوك الطيور لاكتشاف كيف يمكن لهذه الهياكل ان تخدم الطيور القاطنة.

وهدفنا الإضافي إنشاء هياكل خفيفة الوزن يسهل تركيبها وإعادة تشكيلها وإزالتها. وأظهرت عمليات المحاكاة التي أجريناها أنه بالمقارنة مع أعمدة المرافق والأشجار الميتة يمكن لهذه الهياكل أن توفر زيادة كبيرة في ملائمة الموائل.

العودة للميدان

نقوم حاليا ببناء نماذج أولية بناءً على تصاميمنا، إلا أن الخطوة النهائية في هذه العملية ستكون الاختبار الميداني لمعرفة رأي الطيور بالمسألة. يمكن للطيور تقديم الملاحظات حول خصائص الهياكل الاصطناعية من خلال تفاعلها معها، لذا سيساعد هذا الاختبار في تحسين التصاميم.

تهيمن وجهات النظر والخبرات البشرية حاليا على عمليات التصميم، حتى إن كانت تخص غير البشر مثل الطيور والأشجار. تظهر نتائجنا كيف يمكن لتوسيع نطاق المساهمات والأحكام الإبداعية أن تحسن عملية التصميم فيمكن أن تأخذ نتائج هذه العملية شكل خدمات مستمرة توفر مأوى أو موارد أخرى بشكل مستدام.

بينما نأمل بناء هياكل اصطناعية أفضل، من المهم أن نتذكر أنه لا يوجد بديل حقيقي للأشجار القديمة الكبيرة. وهذا ما يجب أن يدفعنا للحفاظ على الأشجار التي لدينا وزراعة المزيد منها للمستقبل.

الآثار الأوسع نطاقا للتصميم

المبادئ التي استخدمناها في التصميم غير البشري في كانبرا لها تطبيقات أوسع. تواجه العديد من البيئات حول العالم مصاعب مماثلة، وبإعادة التفكير في المناهج الحالية للتصميم والتخطيط، يمكننا إنشاء بيئات أكثر شمولية ومرونة لخلق أشكال الحياة.

التغيير الأساسي هو معاملة أفراد الأنواع الأخرى على أنهم مبتكرين ومشاركين خبراء في التصميم. من خلال توسيع الجهود الحالية للتواصل مع الحيتان والخفافيش والنحل، يستخدم هذا المنهج الذكاء الاصطناعي لدمج مدخلات الكائنات غير البشرية لإنتاج تصاميم جديدة أفضل.

تظهر دراستنا الحالية كيف يمكن أن تعمل المناهج التشاركية التي تشمل الكائنات غير البشرية على تجاوز التحيزات البشرية. بذلك نطلق مجموعة أوسع بكثير من التصاميم الممكنة.

التصميم المنصف

يواجه العالم العديد من الأزمات البيئية الطارئة؛ نحن بحاجة إلى مناهج تصميم مبتكرة وشاملة لمواجهتها، والأشجار بالفعل مصممة ممتازة تماما كما أن الطيور قضاة ممتازة لعملها، وإذا قمنا بتضمين مدخلاتها يمكننا إنشاء تصاميم غير بشرية أفضل.

نعتقد ان استخدام الذكاء الاصطناعي لإعطاء صوت للمساهمين غير البشريين يمكن أن يؤدي إلى حلول أفضل تمكن الأنواع العديدة من العيش معا. عملنا في كانبرا مثال على كيف يمكن للتصاميم التشاركية أن تخلق مستقبلاً أكثر إنصافًا واستدامة لجميع الكائنات.

  • ترجمة: عبد الرحمن موسى
  • المصادر: 1