تشهد المحيطات ارتفاعًا في درجات الحرارة، مؤديةً إلى كوارث جوّيّة  عالمية

حرارة محرقة بما يكفي لتعطيل الهواتف المحمولة. يلون دخان حرائق الغابات السماء بلون برتقالي مروع. فيضانات مفاجئة تغمر بلدات في شمال ولاية نيويورك وفيرمونت.

هذا السلسلة المظلمة من الكوارث الأخيرة يسببها بشكلٍ جزئي تغير المناخ. ولكن هناك جانب معين من الاحتباس الحراري العالمي يقدم وقودًا قويًا لجعل الطقس القاسي أكثر شدة وهو المحيطات الحارة القياسية.

درجات حرارة سطح المحيطات العالمية في شهر يونيو كانت الأعلى خلال 174 عامًا من البيانات، مع ظهور نمط الطقس إل نينيو والذي يتراكم على المدى البعيد. قرب ميامي، تتجاوز درجات حرارة المياه الساحلية في المحيط الأطلسي 90 درجة فهرنهايت (32 درجة مئوية).

تعزز المحيطات الساخنة الكوارث التي يتسبب فيها الطقس والتي تؤدي إلى فقدان الأرواح وتكبد أضرارًا اقتصادية ضخمة -وهذا تكلفة يمكن أن تصل إلى تريليون دولار سنويًا في العقود القادمة، وفقًا لعالمة البيئة البحرية ديبورا بروسنان. كما أنها تسرع تغير المناخ، مع ارتفاع درجات حرارة المياه، تفقد المحيطات قدرتها على أداء وظيفة حيوية: امتصاص فائض الحرارة في العالم.

“سيكون لدرجات حرارة المحيطات المتصاعدة -والتي بالفعل تؤثر- تأثير ضخم على اليابسة”، وقالت بروسنان، مؤسسة شركة استشارات المخاطر البيئية ديبورا بروسنان آند أسوشيتس: “ستصبح أنماط الطقس الغريبة والخطيرة أمرًا عاديًا في الأماكن التي لم تحدث فيها من قبل وبنسب أعلى.”.

في العقود الأخيرة، امتصت المحيطات العالمية 90% من الارتفاع في درجات الحرارة الناجم عن غازات الاحتباس الحراري. مع ارتفاع حرارة المحيطات، تشعل دوائر مفرغة من درجات حرارة اليابسة الأعلى، مما يسهم بدوره في زيادة حرارة المحيطات.

هذا يشعل سلسلة من تأثيرات المناخ، بما في ذلك عواصف أقوى، وارتفاع مستويات البحار، وفقدان الشعاب المرجانية، وغيرها من الحياة البحرية. مع ارتفاع درجات حرارة المياه، طالت تلك التأثيرات أبعد الأماكن على وجه الأرض. ووصلت مساحة جليد البحر القطبي الجنوبي إلى أدنى مستوى له في شهر يونيو بالرغم من بدء فصل الشتاء هناك، وفقًا لمراكز المعلومات البيئية الوطنية في الولايات المتحدة.

لكن تأثير المحيطات الساخنة قد ظهر بشكل أقرب على ملايين من حول العالم، وغالبًا مع نتائج كارثية. العواصف والأعاصير الاستوائية هي من أبرز أمثلة الطقس القاسي الذي يتغذى على المحيطات الدافئة. تعزز درجات حرارة المياه المتصاعدة العواصف من خلال إضافة رطوبة إلى الغلاف الجوي، وهناك علامات على أن هذا يحدث بالفعل.

طاقة الأعاصير الاستوائية المتراكمة عالميًا -وهي مقياس لقوة العواصف التجميعية- كانت تقريبًا مضاعفة للقيمة العادية لشهر يونيو. في وقت سابق من هذا العام، أنشأ إعصار استوائي “فريدي” سجلًا أوليًا كأطول إعصار استوائي يسجل على الإطلاق.

تشكلت العاصفة بالقرب من أستراليا وعبرت المحيط الهندي قبل أن تصل إلى اليابسة في شرق أفريقيا وتقتل مئات الأشخاص. أطلق فريدي قدرًا من القوة يعادل مجموع العواصف في موسم إعصاري شمال الأطلسي العادي. تبع ذلك في أبريل الإعصار الاستوائي “إيلسا”، الذي اجتاح غرب أستراليا بأقوى رياح تسجل في المنطقة قبل الوصول إلى اليابسة.

يعيش العالم حاليًا تأثيرات ظاهرة النينيو، وهي نمط مناخي طبيعي يتميز بارتفاع درجات حرارة المياه في المنطقة الاستوائية الشرقية للمحيط الهادئ. هذا يغير نمط الطقس حول العالم، على الرغم من أنه يخلق عادةً ظروف رياح تخفض من شدة العواصف في المحيط الأطلسي. ولكن يمكن أن تغير درجات حرارة المحيط الأطلسي الساخنة ذلك.

على الرغم من أن موسم الأعاصير في شمال الأطلسي عادة لا يصل إلى ذروته حتى سبتمبر، إلا أنه شهد بالفعل بداية نشطة مع تشكل عاصفتين في نفس الوقت في شهر يونيو، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ أكثر من خمسة عقود.

قد يشهد هذا العام نشاطًا أكبر من المعتاد فيما يتعلق بالعواصف. درجات حرارة المحيط الساخنة هي سبب رئيسي دفع فيل كلوتزباخ، مؤلف توقعات جامعة ولاية كولورادو المتابعة عن كثب للأعاصير، لرفع توقعاته لموسم الأعاصير في المحيط الأطلسي لهذا العام إلى 18 عاصفة بدلًا من 14 في يونيو.

على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون لدينا حدث إلنينيو معتدل، وربما قوي لذروة موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي، إلا أن المحيط الأطلسي الساخن للغاية من المحتمل أن يهدأ من ظروف الرياح التي يمكن أن تعيق العواصف، على حد وصفه.

تأثرت كميات الأمطار من العواصف الصيفية اليومية أيضًا بفعل المحيطات الساخنة، مما أدى إلى إحداث دمار بعيدًا عن الساحل. تسببت الفيضانات في شمال شرق الولايات المتحدة في يوليو في وفاة امرأة في نيويورك، وإغلاق خطوط السكك الحديدية، ودمرت ولاية فيرمونت، متسببة في خسائر تصل إلى 5 مليارات دولار. استغلت العاصفة العجيبة مصدرًا من الرطوبة يمتد على طول الطريق من المحيط الأطلسي.

تسهم المحيطات الدافئة أيضًا في الجانب الآخر من طيف الطقس المتطرف، الجفاف، وحرائق الغابات. الرياح في الطبقات العليا من الغلاف الجوي المعروفة باسم السُّترة النفاثة تتأثر بالمحيط أسفلها، ويمكن أن تجعل المحيطات الساخنة تجعلها تنحني بطرق متطرفة. وهذا يُنتِج مناطق ذات ضغط عالي يمكن أن تحبس الهواء الساخن في مكانه لأسابيع، وهذه الظاهرة تعرف باسم “القباب الحراري”.

في ولاية تكساس، أرسلت الظروف الملحة الطلب على الكهرباء إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. امتدت الحرارة الحارقة أيضًا إلى أوروبا، حيث وصلت درجات الحرارة على جزيرة سردينيا الإيطالية إلى 115 درجة فهرنهايت (46 درجة مئوية) الأسبوع الماضي وكادت أن تحطم الرقم القياسي الأوروبي لأعلى درجة حرارة. الطقس الحار أيضًا يغطي قارة اسيا، حيث وصلت درجات الحرارة في طوكيو إلى ما يقرب من 16 درجة فهرنهايت (9 درجات مئوية) فوق المعدل الموسمي.

منع هذا التحول في السُّترة النفاثة العواصف من الوصول إلى كندا، مما أدى إلى الجفاف وأسوأ موسم للحرائق في تاريخ البلاد. انخفض الضباب الناتج عن حرائق كندا على مدينة نيويورك في يونيو، مما أدى إلى تدهور جودة الهواء وإنشاء ظروف خطرة، ثم تطاير فيما بعد عبر المحيط الأطلسي إلى أوروبا.

كما قالت جينيفر فرانسيس، عالمة مناخ في مركز بحوث المناخ ويلووديل في ولاية ماساتشوستس:

“هذا النمط كان متواجدًا معظم فصل الشتاء والربيع، وهو المسؤول عن العواصف في الغرب، والظروف الجافة المستمرة حيث تشتد الحرائق، والرياح التي تجلب الدخان إلى الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة”.

الظروف الجافة القاسية تقلل من مستويات المياه في نهري المسيسيبي وأوهايو في الولايات المتحدة، وفي نهري الراين، والدانوب في أوروبا، مما يثير توقعات مشاكل في الشحن على طرق الشحن الهامة. الجفاف يهدد أيضًا إمدادات المحاصيل العالمية بما في ذلك قصب السكر والأرز.

مع ارتفاع حرارة المحيطات، تصبح أقلَّ قدرةً على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي حسبما قالت بروسنان. ويخلق هذا دورةً من المحيطات الدافئة وزيادة في ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وينتج عن ذلك طقسٌ أكثر قساوةً على نجوٍ متزايد.

مشكلة ارتفاع حرارة المحيطات في النهاية لها حلاً واحدًا فقط، وفقًا لمايكل مان، عالم مناخ في جامعة بنسلفانيا:

“العامل الكبير هنا على مستوى عالمي، هو الاحترار المستمر نتيجة تلوث الكربون. حيث أن ارتفاع درجات حرارة المستمر للمحيطات هو الأمر الذي يجب أن نكون أكثر قلقاً حياله. حيث سيستمر حتى تصل انبعاثات الكربون إلى الصفر”، كما صرح مان.

  • ترجمة: محمد فواز السيد
  • تدقيق علمي ولغوي: سفوك حجي
  • المصادر: 1