لماذا يصبح المطر غزيرًا في الكوكب الدافئ؟

لماذا يصبح المطر أكثر غزارة حينما ترتفع درجات الحرارة؟ ربما يبدو هذا غير متوقع لكن الفيزياء الكامنة وراءه واضحة جدًا.

واحدة من أغرب الآثار الجانبية لتغير المناخ هو تأثيرها على تساقط الأمطار. بينما معظم الناس يخشون من ارتفاع درجات الحرارة الناتجة عن الاحتباس الحراري -الكارثة الطبيعية الأخطر في الولايات المتحدة الأميركية- هناك أيضًا خطر متزايد لمعدلات هطول الأمطار الشديدة.

في المناطق للوسطى سيكون المطر أكثر، ويصاحبه عواصف شديدة.

من البديهي أن لا يبدو هذا منطقيًا لكن الفيزياء المؤدية إليه واضحة جدًا، حتّى أنّه متوقع جدًا بالنظر إلى مدى الدمار والفيضانات المميتة بالفعل قبل تغير المناخ.

فكِّر بالمطر كأنّ الأرض تتعرق، عندما يتعرق جسمك والرطوبة تتبخر عن جسدك فإنّها تأخذ الحرارة معها. هذا التبريد يقوم بحوالي نصف وظيفة تشتيت الحرارة عن سطح الأرض وإبقائه بتوازن مع ضوء الشمس الوارد. بعد أن ترتفع الرطوبة تتكثف وتسقط كمطر.

غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي هي مثل غطاء يحبس الحرارة ويجعل من الصعب إطلاقها للفضاء. كلّما كانت هذه الغازات أكثر كان الغطاء أسمك. كاستجابة لذلك تستخدم الأرض التبريد بالتبخّر أكثر مثل أنّك تتعرق أكثر تحت لحاف من غطاء قطني.

تقول ليز مويير عالمة جو في جامعة شيكاغو تدرس تأثير تغير المناخ على الهطول المطري: “إنها مشكلة أساسية في توازن الطاقة”، وتضيف: “نفس الفيزياء التي تسبب تأثير الاحتباس الحراري أيضًا تجعل الكوكب يتخلص أكثر من هذه الطاقة بالتبخر، ولأنّ أيًا كان ما يصعد سينزل لذلك نحصل على المزيد من الأمطار”.

علماء الجو يعتمدون على معادلة كلاوسيوس التي تقول أنّ لكل درجة سيلزيوس ارتفاع حراري يمكن أن يحمل الهواء 6-7%ماء أكثر. إذا لم يتغير شيء سنتوقع زيادة كمية الأمطار عن السابق.

مع ذلك تحذر مويير حقيقةً أنّ الجو الدافئ والرطب أكثر لا يدلّك على كيف سيزداد معدل التساقط المطري، هذا المعدل يحدد من قبل الفيزياء المختلفة، يمكن حتّى أن يحمل الغلاف الجوي رطوبة أكثر لكن دون ازدياد معدل الهطول المطري.

في هذه الحالة ستكون العواصف أشد لكن المطر أقلّ غالباً، بمعنى آخر رطوبة عالية من دون مطر.

تاريخيًا، كان تحدي للعلماء ليفصلوا الاختلاف الطبيعي للأمطار عن تأثير التغير المناخي.

يقول عالم المناخ يو جون هام من جامعة تشونام الوطنية في كوريا الجنوبية وهي دولة تصارع المناخ: “الهطول المطري بطبيعته ظاهرة جدًا معقدة ومتنوعة، سنة واحدة يمكن أن تكون أكثر رطوبة أو جفافًا من السنة التالية بشكل مستقل عن تغير المناخ” ويكمل: “الهطول المطري بحد ذاته هو متغير صعب جدًا لاستخدامه في تحديد علامات الاحتباس الحراري”.

لذلك في دراسة حديثة استخدم هام وزملاؤه نموذج لدراسة عميقة لتحليل بيانات هطول الأمطار مشيرين للتغير المناخي في العقود الأخيرة.

يقول هام: يمكننا أن نستنتج أن هذا النوع من الحوادث المتزايدة للهطول المطري الغزير يعود إلى الاحتباس الحراري. الشاطئ الغربي للولايات المتحدة الأمريكية سيتعرض للغرق أيضًا؛ لوجود العاصفة الجوية النهرية المدمرة والتي تتغذى على الرطوبة بينما تعبر المحيط الهادي.

راو كوتاماري أحد كبار العلماء في مختبر أرجون الوطني يدرس الهطول المطري وتغير المناخ يقول: “عندما ترفع درجة حرارة سطح المحيط درجة واحدة أو حوالي ذلك فذلك حقيقةً يزيد كمية الماء الآتي إلى كاليفورنيا عبر هذه الأنهار الجوية. سوف نشعر بتأثير ذلك بزيادة غزارة الأمطار في كاليفورنيا”.

المطر الشديد يصبح خطيرًا خاصة عندما يُفرغ الماء سريعًا؛ لأن اليابسة ببساطة ليس لديها الوقت لامتصاص الطوفان المؤدي إلى فيضان مفاجئ. إذا تلا العاصفة عاصفة أخرى قد تكون التربة رطبة جدًا لتستقبل المزيد من المياه. إنّ هذا أكثر خطورة في المناطق الثلجية.

سابقًا، هذا العام وجدت دراسة أن الهطول المطري ازداد بنسبة 15% لكل واحد سيلزيوس ارتفاع حراري في المناطق الجبلية وخطوط العرض العالية. هذا أكثر من ضعف معادلة كلاوسيوس.

يقول محمد اومبادي عالم مناخ في جامعة ميشغيل ومؤلف رئيسي للورقة: “عندما نتحدث عن الهطول المطري الغزير ونرى تأثيره سواء كفيضانات غزيرة أو دمار في البنية التحتية فإنّه يهمنا جدًا إذا كان هذا الهطول سيتساقط مطرًا أم ثلجًا”.

“ما نراه هو أنّ الاحتباس الحراري لا يزيد فقط الهطول المطري بسبب تبخر المزيد من الماء في الجو، بل أنّ نسبة كبيرة من هذا الهطول يتساقط كمطر وليس ثلج”.

المخاطر تتضاعف عندما تكون الأمطار أكثر من الثلج؛ لأن الثلج يتراكم ببطء وقد يأخد شهور ليذوب بالكامل. لكن الهطول المطري يطلق كل الماء دفعة واحدة.

في المناطق الجبلية، المطر يمكن أن يؤدي لانهيارات جبلية مثل الذي حدث في جبال الهيمالايا في أغسطس. يقول اومبادي: استنادًا إلى بعض البيانات الأولية التي جمعها الناس يبدو أن وجود نسبة أكبر من هطول الأمطار وليس الثلوج كان عاملًا رئيسيًا أدى لما حدث العام الماضي.

البنى التحتية ببساطة لم تُبنى لتتحمل هذه الفيضانات القوية من أي وقت مضى، وهذا سيعرض الأرواح للخطر. بشكل عام، مصمموا المدن صمموا أنظمة التصريف لتمتص مياه الأمطار بأسرع وقت ممكن لتجنب الفيضانات لكن مع ازدياد غزارة الأمطار، الأقنية والمجاري لا تستطيع إخراج الماء بسرعة كافية؛ لذا تغير التركيز إلى جعل المدن ‘اسفنجية’ أكثر بالتقليل من السطوح الكتيمة للماء مثل السطوح الاسمنتية وزيادة المساحات الخضراء، لذلك الماء يذهب إلى مستودعات مياه جوفية للاستخدام اللاحق.

يقول اومبادي: نحن بالتأكيد نحتاج لتغيير الطريقة التي تُصمم بها البنى التحتية الجديدة؛ لتكون ملائمة للتغيير الذي يحمله الاحتباس الحراري وما سيحدث بعد عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة من الآن.

  • ترجمة: ياسمين درويش
  • تدقيق لغوي: غفران التميمي
  • المصادر: 1