
تعديل الأجنة لمنع الأمراض الوراثية: دراسة تُثير جدلًا أخلاقيًا
اقترح علماء في المعاهد البحثية الأسترالية أن تعديل المتغيرات الجينية المتعددة في الأجنة البشرية قد يُقلل احتمالية تكوين أمراض معقدة، مثل مرض الشريان التاجي، وألزهايمر، والاضطراب الاكتئابي الكبير، والسكري، والفصام.
وتأتي هذه المقترحات في سياق التطورات المتسارعة في تعديل جينوم الخلايا الجنينية، وبرز ذلك في أثناء الميلاد الجدلي للتوءم لولو ونانا المُعدَّلة جيناتهما في سنة 2018. وقد أثار هذا الحدث جدلًا عالميًا، مما أدى إلى دعوات لفرض قوانين أكثر صرامة على تقنيات التعديل الجيني. وفيما بعد، جاء ميلاد أوريا، أول طفلة وُلدت من خلال فحص الجنين عن طريق تقييمات الجينات المتعددة، ليُظهر الفوائد المحتملة لهذه التقنيات إلى جانب تعقيداتها الأخلاقية.
في ظل هذه التطورات، تُمثل الأمراض الوراثية عبئًا على جودة الحياة وأنظمة الرعاية الصحية، إذ تتسبب في الوفاة المبكرة. ومن هنا، تُمثِل التعديلات الجينية مسارًا واعدًا لتخفيف المعاناة البشرية والأعباء الاقتصادية.
وفي دراسة بعنوان «تعديل الجينات المتعددة الوراثية: الثورة التالية في الطب الجينومي؟»، التي نُشرت في دورية ناتشر، استخدم الباحثون نماذج حسابية وأطرًا لتحديد قابلية الإصابة، بهدف تقدير تأثير تعديل عدة متغيرات في الحمض النووي وهي مُعرَّفة في دراسات الجينوم الواسعة.
وكشفت الدراسة أن تحليل تكرارات البديل وأحجام التأثير في مواقع جينومية متنوعة، قد يساعد في انخفاض انتشار الأمراض بين الأشخاص ذوي الجينات المُعدَّلة. كما فحص الفريق البحثي تأثير تعديل المتغيرات المُتعلِّق بالصفات الكمية، مثل ضغط الدم ومستوى الكولستيرول وأيض الجلوكوز.
وتُشير النتائج إلى أن تعديل ما لا يزيد عن عشرة مواقع جينية قد يؤدي إلى إنخفاض جوهري في معدل انتشار الأمراض المستهدفة مدى الحياة بين ذوي الجينومات المعدلة. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تعديل عشرة متغيرات مرتبطة بمرض الزهايمر إلى تقليل انتشاره من 5% إلى 0.6% لدى الأشخاص المعدلة جيناتهم. وظهر انخفاض كبير مماثل في معدلات الاصابة بالفصام، وداء السكري من النوع الثاني، ومرض الشريان التاجي.
وبينما لا تُعَد هذه الدراسة اقتراحًا لبحث من المُتوقَع إجراؤه في وقتٍ قريب، قد يكون الوقت قد حان لبدء الحديث عن التعديل الوراثي.
نُشِر بالتزامن مع دراسة ناتشر، في أخبار وآراء، مقال بعنوان «تعديل الأجنة البشرية لمكافحة الأمراض غير آمن وغير مُثبت، رغم التوقعات المتفائلة»، والذي أثار مخاوف كبيرة بشأن الافتراضات المتعلقة بالدراسة والتطبيق العملي لهذه التقنيات.
و تتناول الانتقادات الرئيسية للمقال عدم دقة تقنيات التعديل الجيني الحالية، والصعوبات في تحديد المتغيرات الجينية المُسِّببة بدقة، وإمكانية حدوث تأثيرات متعددة الجوانب والمذكورة أيضًا في الدراسة، فقد يؤثر جين مُعدَّل واحد على صفات أخرى، مما قد يزيد من خطر الاصابة بأمراض أخرى.
وتسلط المقالة أيضًا الضوء على مجموعة من القضايا الأخلاقية والاجتماعية المحتملة، مشيرة إلى أن الحظر الوطني لهذه التقنية يرتبط غالبًا بهذه المخاوف أكثر من ارتباطه بالمخاوف المتعلقة بسلامة وكفاءة هذه التقنية.
ومن بين القضايا المذكورة التي قد تؤدي إلى حظر هذه التقنية: الاصطناعية والوصم والتمييز وعدم المساواةوالاستقلالية الإنجابية، والمعايير والقيم الإنجابية، والعلاقات بين الآباء والأبناء، وحقوق ذوي الإعاقة، وهي قضايا لابد من أن يواجهها الأشخاص ذوو الأمراض الوراثية حتى دون الخضوع لهذه العلاجات.
وبينما قد يكون من السهل رفض التقنية في غياب تاريخ عائلي يتضمن وجود مرض وراثي مدمر، لكن لمن يعانون منها، فإن إمكانية تخفيف هذا العبء سيفوق غالبًا الاعتبارات المجتمعية.
ومع أن تحصين الأجيال القادمة ضد الأمراض الوراثية، كما ذُكر في الدراسة، قد لا يكون متاحًا في المستقبل القريب، إلا أن تطوُّر تقنيات تعديل الجينات يتطلب ضرورة التعاون الدولي الاستباقي والمناقشات الأخلاقية لمواجهة تداعياتها الجوهرية.
- ترجمة: مي العواد
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1