دراسة تحذر: قد يؤثر التغيُّر المناخي سلبًا في الاقتصاد بنسبة 40%

وفقًا لدراسة جديدة أجريتها أنا وزملائي آخذين بعين الاعتبار التأثير العالمي للظواهر الجوية المتطرفة وعواقبها الوخيمة، قد تكون التقديرات السابقة للأضرار التي قد يُلحقها التغيُّر المناخي بالاقتصاد العالمي أقل تأثيرًا على الواقع.

حتى الآن، تشير التوقعات إلى أنّ تأثير تغيُّر المناخ على الناتج المحلي الإجمالي العالمي GDP يتراوح بشكل عام من طفيف إلى متوسط، مما أدى إلى تراخي الدول باتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

إلا أنّ هذه النماذج غالبًا ما تحتوي عيبًا أساسيًا، فهي تفترض أن يؤثر المناخ على الاقتصاد المحلي لتلك البلاد فقط، ولا يتأثر بتغيُّرات المناخ في المناطق الأخرى. مثلًا، قد تؤثر فيضانات إحدى الدول في الإمدادات الغذائية لدول أخرى.

لذا، تبحث دراستنا الجديدة في معالجة هذا الخلل، فبعد إدراج التداعيات العالمية لتطرف المناخ في نماذجنا، أصبح الضرر المتوقع على الناتج الإجمالي العالمي أسوأ بكثير مما كان يُعتقد سابقًا، مما يؤثر على حياة كل إنسان على وجه الأرض.

تطرُّف المناخ في كل مكان في آن واحد

يؤثر الاحتباس الحراري في الاقتصاد بشتى الطرق. والسبب الأكثر وضوحًا هو الضرر الناجم عن المناخ المتطرف، فالجفاف يفضي إلى ضعف المحاصيل، أما العواصف والفيضانات فإنها تسبب دمارًا واسعًا وتعطّل واردات السلع. وقد أظهرت دراسة حديثة أن ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيُّرات المناخية قد تفاقم، وكان سببًا في ارتفاع أسعار الغذاء، كما قلّل إنتاجية العمال نتيجةً للآثار السلبية على الصحة، وتفشّي الأمراض، مما أدى إلى الهجرات الجماعية وحدوث النزاعات.

لقد تنبأت دراسات سابقة أن ارتفاع حرارة الطقس حتى 4 درجات مئوية فقط كفيل بأن يكون له تأثير سلبي طفيف على الاقتصاد العالمي بحلول نهاية القرن يتراوح بين 7% و23%.

وتعتمد هذه النمذجة عادةً على تأثيرات التطرفات المناخية السابقة، إلا أنّ هذه التطرفات كانت تقتصر في الماضي على نطاق محلي أو إقليمي، وتُعوَّض بظروف معتدلة أكثر في مناطق أخرى.

على سبيل المثال: عانت أمريكا الجنوبية سابقًا من الجفاف، في حين كانت مناطق أخرى من العالم تشهد أمطارًا غزيرة. فكان لزامًا على أمريكا الجنوبية الاعتماد على الدول الأخرى في وارادتها من المنتجات الزراعية لتعويض النقص المحلي ولجم الارتفاع المفاجئ لأسعار المنتجات الغذائية.

وستزيد التغيُّرات المناخية المستقبلية من تطرُّف المناخ الذي سيحدث بالتزامن عبر الدول، وباستمرار على مدار الوقت، مما قد يُعطّل شبكات الإنتاج وتوزيع السلع ويضعف التجارة الدولية ويحد من قدرة الدول على تقديم العون لبعضها. ثّم إنّ التجارة الدولية مهمة في الإنتاج الاقتصادي العالمي.

لذا ركزت دراستنا على النمو الاقتصادي في الدول وكيف يمكن أن يتأثر مستقبلًا بالظروف المناخية في جميع أنحاء العالم.

ما الذي اكتشفناه؟

ثمة أمر جليّ اتضح منذ الوهلة الأولى: لقد انخفض النمو الاقتصادي العالمي في السنوات التي ارتفعت فيها درجات الحرارة عن معدلها.

لذلك، أجرينا تعديلات لثلاثة نماذج رائدة تراعي تداعيات المناخ العالمي على الاقتصاد المحلي، وتوصّلنا إلى النتائج من خلال احتساب المتوسط، وركّز تحليلنا على حصّة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي إجمالي الإنتاج الاقتصادي العالمي مقسومًا على عدد السكان.

ووجدنا أنّ ارتفاع الحرارة لثلاث درجات مئوية عن معدلها الطبيعي بحلول نهاية القرن، سيؤدي إلى تضرُّر الاقتصاد العالمي من 11% (طبقًا لافتراض النماذج السابقة) إلى 40% (طبقًا لافتراض النماذج الحالية).

ومن شأن الوصول لهذا المعدل أن يدمّر سبل الحياة على مساحات واسعة من هذا العالم.

لقد زعمت النماذج السابقة أنّ اقتصادات الدول في المناطق الباردة، كروسيا وشمال أوروبا، ستستفيد من ارتفاع درجات الحرارة العالمي. ولكن وجدنا أنّ التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون شديدًا وذو عواقب وخيمة على كافة الدول.

التكاليف والفوائد

يترتّب على خفض الانبعاثات تكاليف اقتصادية على المدى القصير، وينبغي موازنة ذلك مع الفوائد التي يمكن جنيها على المدى الطويل كتجنُّب تغيُّرات المناخ الخطيرة.

وتشير النماذج الاقتصادية الأخيرة أنه لتحقيق هذا التوازن ينبغي خفض الانبعاثات بمعدل يسمح لارتفاع درجة الحرارة بمعدل2.7 درجة مئوية.

يُعدّ هذا المسار قريبًا من الاحتباس الحراري العالمي الحالي، إلا أنه يتعدى أهداف اتفاقية باريس بكثير، إضافةً إلى حدود ارتفاع درجات الحرارة العالمي التي يوصي بها علماء المناخ. كما أنه يعتمد على الافتراضات الخاطئة التي ناقشناها سابقًا.

أما في ضوء بحثنا الجديد، يبلغ المعدل الأمثل للاحتباس الحراري الذي يوازن بين التكاليف قصيرة الأمد والمنافع طويلة الأمد 1.7 درجة مئوية، وهو رقم يتوافق عمومًا مع الهدف الأكثر طموحًا من اتفاقية باريس.

تغيير المسار

لقد أظهر بحثنا الجديد أن التوقعات السابقة عن تأثير الاحتباس الحراري في الاقتصاد العالمي كانت متفائلة جدًا، ويضاف هذا البحث كدليل آخر حديث يؤكد أن هذه التأثيرات على الاقتصاد العالمي ليست بذاك الشأن العظيم.

ولكن واقع الحال ينذر بالخطر المحدق، فمسار الانبعاثات الحالي للأرض يهدد مستقبلنا ومستقبل أولادنا، فكلما أسرعنا في كبح الكوارث المحدقة بتغيُّر المناخ الشديد، تمكّنا من تغيير مسارنا في الوقت المناسب لتجنُّبها.

  • ترجمة: آيات حبيب
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1