زوكربيرج للمحكمة: “أصبح فيسبوك اكثر من مجرد وسيلة للتواصل مع الاصدقاء”

زوكربيرج للمحكمة: “أصبح فيسبوك اكثر من مجرد وسيلة للتواصل مع الاصدقاء”.

تتبدلُ المهامُ الرئيسيّة للشركات بمرور الوقت، خاصةً في قطاع التكنولوجيا سريعِ النموّ، إذْ رأينا في الأشهر الأخيرة تراجعَ جوجل عن تعهّدها “بعدمِ مُمارسة الشرّ” [بعد أن حذفت من موقعها تعهدًا ينص أنها لن تشرك الذكاء الصناعي في تحسين المراقبة أو الأغراض العسكرية]، وإزالةَ OpenAI لسياساتٍ كانت تحظرُ استخدامَ برمجيّاتها في “التكنولوجيا العسكرية”.

لا يُمكن استثناءُ مؤسّسِ فيسبوك “مارك زوكربيرج” هنا، فقد أصبحَ شعارُ فيسبوك عند انطلاقه عام 2008: “يساعدُك فيسبوك في التواصل، ومشاركةِ اللحظات مع أشخاصٍ في حياتك” مجردَ ذكرى بعيدةٍ الآن، وفقًا لزوكربيرج نفسه، الذي أدلى بشهادته هذا الأسبوع بأنّ الهدفَ الرئيسيّ لفيسبوك لم يعد مجرّد التواصلِ مع الأصدقاء، إذ صرّح زوكربيرج وفقًا لما نقلتْهُ Business Insider: “تلاشت الجُزئيةُ الخاصّة بالأصدقاء بشكلٍ ملحوظ”.

وأضاف: “تطورت المنصة بشكلٍ كبيرٍ خلال عشرينَ عامًا بعيداً عن سببِ شُهرتها الرئيسي، لتصبحَ مساحةً أوسع للاكتشافِ والترفيه”، وهي العبارةُ التي تُخفي في طيّاتها -بلغةِ الشركات- “تغذيةً لانهائية من محتويات الذكاء الاصطناعي الرديئة”.

تحدّثَ زوكربيرج بصفتهِ شاهداً في قضيةٍ لمُكافحة الاحتِكار، والتي أثارتها هيئة التجارة الفيدرالية FTC ضد شركة ميتا، الشركة المالكة لفيسبوك، وواتساب، وإنستجرام، وثريدس، وأوكولوس.

ترتكزُ قضيةُ الهيئة على سلسلةٍ من الرسائل الالكترونية التي أرسلها زوكربيرج ومديروه التنفيذيون، وتتعلقُ تلك الرسائلُ باستراتيجياتٍ يقومون بها بشراءِ منصات تواصل اجتماعي أُخرى بشكلٍ مباشر بدلًا من منافستها في المحتوى والسوق المفتوحة، وهو مخطّطٌ أصبحَ قاعدةً أكثرَ منهُ استثناءً بين عمالقةِ وادي السيليكون مثل جوجل وأمازون ومايكروسوفت.

تدّعي هيئةُ التجارةِ الفيدرالية أنّ ميتا بدأتْ مسيرتَها الإحتكارية منذ عام 2008، عندما كتبَ زوكربيرج في عدة رسائلَ إلكترونية حولَ مُنافِسَتِها انستجرام آنذاك قائلًا: “الشّراءُ أفضلُ من المُنافسة”، إذْ نجحَ بالإستحواذِ عليها عام 2012، بعدَ إرسال مُذكّرةٍ داخلية تُفيد بأن فيسبوك -التي غيّرتْ اسمَها إلى ميتا عام 2021- “اضطرت” إلى شراء تطبيقِ مُشاركة الصور بمليار دولار، خوفًا مِن المُنافسة وحربِ المُزايدات مع منصّاتٍ سريعةِ النُّمو مثل تويتر (إكس حاليًا).

كتبَ زوكربيرج في بريد إلكتروني مُسرّب حولَ المنصات النّاشئة مثل إنستجرام وباث، قائلًا: “ربما تكونُ شركاتٍ ناشئة، لكنها بدأتْ بالتمدّد بالفعل”، وأضاف: “أصبحَتْ هذهِ العلاماتُ التجارية ذائعةَ الصّيت، وإذا نَمتْ إلى حجمٍ كبير، فقد تُعرقلُ عملَنا بشدّة”.

قال دانيال ماثيسون، المُستشار القانوني الرّئيس في هيئة التجارة الفيدرالية: “كُتِبَ هذا البريد الإلكتروني بواسطة شخصٍ أدرك أنّ إنستجرام تمثّلُ تهديداً لهُ، واضطر إلى التضحية بمليار دولار لأنّ شركة ميتا لم تكن قادرة على المُنافسة”.

أصبحت هذه الرسائل بمثابةِ أدلّةٍ دامغةٍ على ما يُمكن القولُ بأنّه أكبرُ قضية مكافحة احتكار منذُ حادثةِ تفكيك شركة AT& T الشهيرة عام 1982، والتي تتشابهُ بشكلٍ كبير مع الدعوى المُقامة ضد ميتا. استَعْملَتْ AT& T آنذاك عدة وسائلَ مشابهةٍ لتفرُض هيمنَتَها على السوق، ولإقصاء منافسيها الصغار، بالإضافة لتشكيل القوانين وفقًا لمصالِحها، بمعنىً آخر: لزيادة أرباحها فوق كل الاعتبارات.

أغدَقت ميتا ملايين الدولارات للضّغط على مُشرِّعي القوانين، وباتت الشركةَ المُهيمنةَ على سوق الإعلانات الرقميّة بقيمةٍ سُوقية تتجاوزُ 1.34 تريليون دولار، وهي قيمةٌ تتجاوزُ مجموع قيمِ جميعِ الشركات المُدرجة في بورصة كوريا الجنوبية مُجتمعة.

تواجهُ هيئةَ التجارة الفيدرالية صعوبةٌ تتمثلُ بإقناع المُدّعين الاتحاديين للقاضي جيمس بواسبورج بأن استحواذَ ميتا على إنستجرام وواتساب كانا غيرَ قانونيين، حتى طبقًا لمعايير أميركا الهشّة لمُكافحة الاحتكار. غيرَ أنهم لن يجدوا عوناً من بواسبورج الذي عينهُ الرئيسُ أوباما، فقد سبق له أن أبدى تشكُّكًا في المزاعِم القانونية ضد ميتا في قضايا سابقة.

قال بواسبورج في أواخر عام 2024: “توجدُ العديدُ من إشارات الاستفهام حول صحّة ادّعاءاتِ هيئة التجارة الفيدرالية، ومدى صمودِها في قاعة المحكمة”، وأضاف: “تستندُ مواقفها أحيانًا إلى مبادئِ مكافحة الاحتكار المتآكلة في هذا البلد، مُجهدةً إياها إلى أقصى حد”.

مهما كانت النتيجة، أصبحَ جليًّا أن زوكربيرج انتقل من مِثاليات الانترنت الرائدة، إلى الجشعِ الماليّ الفضفاض الذي يُميّز الواقعَ الرقميَّ الهشّ الذي نعيشُه اليوم.

  • ترجمة: حمزة عيسى
  • المصادر: 1