أغرب خمسة عشر دواء اعتمدت في الماضي
زعم الباعة المتجوّلون والصيدليّات التي اكتظّت رفوفها بقنّينات مختلفة الألوان أنّهم يمتلكون جميع العقاقير لكلّ الأسقام التي شاعت في القرن التاّسع عشر، إلّا أنّها غالبًا ما كانت تحتوي على مستحضرات أفيونيّة أو زيت الأفعى بدل المكوّنات السليمة والمبرهنة علميًّا. كان عصر طبّ براءات الاختراع -الممتدّ من القرن السّابع عشر إلى القرن العشرين- وافر الإنتاج خاصّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإنجلترا وقد جاء ردًّا على النّقائص التي واجهها مجال الطبّ في ذلك الوقت الذي غالبًا ما اعتمد على ممارسات علاجيّة مريبة من قبيل إراقة الدّم والتّطهير. ولا تحيل عبارة «براءة الاختراع» إلى أيّة موافقة حكوميّة بل تصف ملكيّة الأدوية المسجّلة التي تمّ تسويقها من خلال وعود مفرطة وعروض مبهرجة.
بسبب احتواء العقاقير على الكحول والأفيون والكوكايين ومواد أخرى غير خاضعة للضوابط، ليس من الغريب أن يشعر متعاطيها بفاعليّة الأقراص والمنشّطات حتّى وإن أدّت إلى الإدمان أو الهلاك. أنهت الضوابط الفيدرالية تجارة المخدّرات الحرّة مثلما قامت بذلك البيانات الفاضحة مثل البيان الذي صدر في مجلّة كوليير Collier سنة 1906 والذي وصف القطاع بـ«مختبر الموت»، هذا و قد كان مرفقًا برسم توضيحيّ لجمجمة تضخّ الأدوية المسجّلة ببراءات الاختراع وهي محاطة بأكياس من النّقود. ومع ذلك، بإمكانك العثور على علاجات شائعة مثل مرهم سلون Sloan والمركّب النباتي الذي إبتكرته ليديا بينكهام Lydia Pinkham في الصيدليّة، وهما آخر ما تبقّى من العصر الذّهبي للدّجل.
1. الأفيون
كان الأفيون متوّفرًا بسهولة فقد استُخدِمَ لتسكين الألم وتمّ ترويجه على أنّه علاج فعّال لكلّ ضروب الآلام بما في ذلك السّعال ونزلات البرد التي تصيب الأطفال، كما استعمل للحفاظ على هدوء الرضّع سريعي الانزعاج. أنشأ John B. McMunn إكسير الأفيون الذي مزجه بالكحول في نيويورك سنة 1830، ثمّ روّجه كعلاج للعصبيّة التهيجيّة وداء الكلب والكزاز. في هذه الأثناء، ابتكر صانع الأحذية Perry Davis علاجًا يعتمد على الأفيون لعلاج الكوليرا وأمراض معدية أخرى، كما أنّه استخدم قنّينة الدّواء كوسيلة دعاية من خلال ما كتب عليها: «نباتيّ بشكل خالص» و«ضروريّ لكلّ عائلة».
2. الدّم
لا يعد استهلاك الدّم ممارسة غريبة، فقد أضحى جزءًا لا يتجزّأ من منشّطات الأدوية المسجّلة ببراءات الإختراع. وقد دخل حيّز الاستعمال عن طريق مصانع شبيهة بمصنع Bovinine Company في شيكاغو. في إشهار مربك للشركة سنة 1890، تظهر امرأة مغمضة العينين وبجانبها كأس صغير يحتوي على سائل أحمر اللون وقد كُتبت أسفلها الكلمات التّالية: «شاهدني وأنا مسندة الظّهر في إعياء/بجسد خائر، مرهق وغثّ/احملني إلى النّور حيث تراه مسلّط/وشاهد قوّة Bovinine السحريّة». عندما يسلّط الضّوء على البطاقة البريديّة، تُفتحُ عينا المرأة ويظهر شبح عجل خارج الشرفة والكلمات الموالية: «Bovinine أنقذت حياتي». كان المخدّر على الأرجح منبّهًا للأذهان بما أنّه مزيج كحولي مثير للاهتمام، يتكوّن من دم البقر والجليسيرين وكلوريد الصوديوم (ملح الطّعام).
3. الكوكايين
سميّ مشروب الكوكا كولا الشّهير تيمّنًا بأحد مكوّناته الأكثر إثارة للدّهشة في ثمانينات القرن التاسع عشر وهي أوراق نبات الكوكا. لا تزال كميّة الكوكايين التي أضيفت للمشروب الغازيّ حينها غامضة، لكن تم التسويق له باعتباره منشّطًا للدّماغ وكان من بين الكثير من الأدوية التي احتوت على أوراق الكوكا في شرابها. بقي استعمال المخدّر قانونيًّا حتّى سنة 1914. في سنة 1890، كان بإمكانك اقتناء أقراص ألن للكوكايين لحمّى الكلأ أو إصابات الحلق أو الصّداع، وكان سعر العلبة خمسون سنتًا. في أوائل القرن العشرين، حمل كلّ من Ernest Shackleton وRobert F. Scott حبوب الكوكايين والكافيين والتي تسمّى بـ «Forced March» لتعزيز قدرتهم على التحمّل في أثناء بعثاتهم الاستكشافية بأنتاركتيكا.
4. زهور المروج والزّيت الهنديّ
كونه إنجليزيًّا من يوركشاير لم يمنع ويليام هنري هارتلي William Henry Hartley من تبنّي شخصيّة بفالو بيل Buffalo Bill غريبة الأطوار ليبيع براري فلاور وزيت سيكواه كعلاجات تستند إلى تقاليد الأميركيّين الأصليّين. وكان إدراج كلّ ما هو نادر ومتأصّل ضمن الإعلانات المتعلّقة بالطبّ المبتكر أمرًا بارزًا، إلّا أنّه غالبًا ما يكون خياليٍّا بشكلٍ تامٍّ. أدار هارتلي شركته المعروفة باسم شركة أدوية سيكواه Sequah Medicine Company بين 1887 و1890 في المملكة المتّحدة البريطانيّة و كان واحدًا من بين أكثر النّاس تحذلقًا في هذا المجال ويظهر ذلك من خلال السيرك البرّي ذو الطّابع الغربيّ الذي يقيمه في المدينة. يبدأ العرض بعد انسدال الظلام، إذ تُقتَلعُ الأسنان ويتزامن ذلك مع صخب موسيقى الفرقة النحاسيّة ليحجَبَ ضجيج الألم ويُلفَتُ انتباه الجلبة. أمّا جلسات استحضار الأرواح فقد كانت تنعقَدُ في الأمسيات الشاعريّة. وكانت هذه البهرجة تهدِفُ إلى بيع زهور المروج والزيت الهنديّ كعلاج لجملة من الأمراض مثل مشاكل المعدة واضطرابات الكبد. وتبيّن لاحقًا أنّ مكوّنات هذه العلاجات هي في الحقيقة مواد عضويّة من جُزرِ الهند الشرقيّة كما تبيّن كذلك أنّه يتمّ تخفيف زيت السّمك الذي يباع بسعر بخس بمادّة التربنتين.
5. البترول
لا يزال استخدام هلام البترول أمرًا شائعًا في العيادات الطبيّة، لكن تمّ تسويقه في القرن التاسع عشر باعتباره علاجًا لكلّ الأمراض بداية من التقرّحات وصولًا إلى فقدان البصر. حاول سامويل كيير Samuel Kier في بنسلفانيا استنفاذ كميّة النفط الهائلة التي تنتجها آبار الملح خاصّته. وفي سنة 1852، ابتكر كيير بترول كيير أو الزيت الصخري باعتباره علاجًا لكلّ الأمراض وكان سعره خمسون سنتًا. كان الزيت الصخري قويّ المفعول حيث قام كيير بتقطير البترول عينه ونجح في بيعه في شكل سائل للقدّاحات.
6. القنّب الهنديّ
دخل القنّب الهنديّ حيّز الاستعمال الطبي الغربيّ عن طريق الدراسات التي قام بها ويليام أوشاغناسي William O’ Shaughnessy في ثلاثينات القرن التاسع عشر مع شركة الهند الشرقية، إذ رأى فيه وصفة فعّالة لتسكين الألم. وسرعان ما أصبح يباع كعلاج لكلّ الأسقام. فعلى سبيل المثال، كانت أقراص بيسو Piso تُروَّج كعلاج للأمراض النسائيّة إذ كانت تحتوي على مزيج قويّ من القنّب الهنديّ والكلوروفوم.
7. الطماطم
«حبوب الطماطم: شفاء لكلّ الأمراض» هكذا تهافتت الإعلانات حول مركّب مستخلص الطماطم للدكتور مايلز Dr. Miles. قبل بروز الكاتشاب كنوع من التّوابل، كان الناس يتناولون حبوب الطماطم كعلاج لكلّ ضروب الأمراض. أعلن الطبيب جون كوك بينيت John Cook Bennett أيضًا من بين آخرين عن منافع الطماطم لعلاج مشاكل المعدة مثل الإسهال وعصر الهضم. ومن المحتمل أنّ مادّة الليكوبين التي توجد بالطماطم كانت مفيدةً نوعًا ما، وهو ما أدّى في الأخير إلى ذياع صيت الطماطم في القرن العشرين بعد أن كانت تعرف بالتفاح المسموم في القرن الثامن عشر.
8. الزرنيخ
لطالما استُخدِمَ الزرنيخ قديمًا في الطبّ الصيني التقليدي وفي الحقبة الفيكتوريّة كمسحوق تجميل. يندرج السمّ بصفة منتظمة في الأدوية المسجّلة ببراءات الإختراع سواء عَلِمَ المستخدم ذلك أم لا. في بعض الأحيان، كان الزئبق والرصاص مندرجين ضمن أكثر العلاجات سميّة أمّا الزئبق والزرنيخ فقد استعمل كلاهما لعلاج داء الزهري. اقترحت المنتجات الصيدليّة مثل محلول فاولر الزرنيخ كمادّة منشّطة وعلاج لأمراض مثل أبيضاض الدم والملاريا، بينما عُرضَ محلول دونوفان Donovan’s Solution كعلاج للأمراض الجلدية، أمّا التابلويد Tabloid فكان يحتوي على مزيج من الزرنيخ والحديد لعلاج مشاكل القلب.
9. منشّطات نمو الشعر
شكّلت منشّطات نمو الشعر عملًا مربحًا لمزوّدي الأدوية المسجّلة ببراءة الاختراع ويعود ذلك لوعودها بتطويق نمو الشعر الرمادي والتصدي للقشرة، إضافةً إلى تحفيز نموّ خصلات الشعر التالفة. من بين المكوّنات التي تحتويها منشطات نمو الشعر، نجد الرصاص والبوراكس ودودة القرمز (حشرات مسحوقة لونها أحمر) ونترات الفضّة والزرنيخ وجرعات ثقيلة من الكحول. وليس من الغريب أن تكون هذه المنشطات ذات شعبيّة في الولايات المتّحدة الأمريكية خلال فترة قانون الحظر، إذ كانت تُحزَمُ كقوارير للويسكي ناهيك عن أنّ لديهما نفس التأثير على تساقط الشّعر.
10. المواد الإشعاعيّة
ظهرت المحاليل الإشعاعيّة في بداية القرن العشرين عقب التلاشي الإشعاعي الذي حدث سنة 1896. ومن أشهرها وأسوأها نجد الراديثور Radithor وهو دواء يتكوّن من الراديوم المقطّر الذي صنعه الدكتور الشهير ويليام بايلي William Bailey الذي سبق وقام ببيع الستريكنين كعقار لإثارة الرغبة الجنسيّة.
تلقّى رجل الصناعة البارز في المجتمع إيبن بايرز Eben Byers الراديثور إثر إصابة يده سنة 1927 وظلّ يستهلكه حتّى ثلاثينات القرن العشرين عندما مات موتة بطيئة وشنيعة بعد أن انكسرت عظامه وفقد أسنانه. أثار هلاك بايرز تحقيقًا حول الراديثور والذي ترتّب عليه في النهاية إزالة المحلول الإشعاعي من الصيدليّات، على الرّغم من دفن المسكين بايرز في تابوت من الرصاص بسبب الإشعاع الذي يحتويه جسده. وفي عام 1932، كتبت جريدة وال ستريت جورنال Wall Street Journal عن الأمر في مقال لها تكسوه السخرية: «عمل ماء الراديوم بشكل جيّدٍ إلى أن انفصل فكّ بايرز».
11. الزئبق
كان الفكتوريون مهووسين بالبشرة الشاحبة حتّى أنّ مزيلات النمش كانت تسوّق لهذا الغرض وكانت بعض هذه المنتجات تحتوي على الزئبق مثل مرهم النمش الذي صنعه الدكتور بيري Dr. Berry في شيكاغو. عُرفت أميليا إيرهارت Amelia Earhart بكرهها للنمش الذي يكسو وجهها، حتى أنّه عندما عثر على علبة الكريم السام على جزيرة نيكومارورو بالمحيط الهادي ظنّ الكثيرون أنّها دليل على الاصطدام الذي تعرّضت له الطيّارة المفقودة.
12. مسحوق الاستحمام للسمنة
لو كانت إضافة الكميّة المناسبة من الباودر إلى حوض الإستحمام الساخن قادرة على الحدّ من السمنة، لنَمَت للبشر خياشيم بحلول هذه الآونة. للأسف، لم تكن العلاجات من قبيل مسحوق استحمام هالثون للسمنة سوى دجلٍ. كان الخطاب الإعلاني يدعو للاستحمام بالمسحوق مرّتين في اليوم لقدرته على إنقاص بعض الوزن. لكن بعد تفحّص المسحوق، تبيّن أنّه يتكوّن أساسًا من كربونات الصوديوم وهو على الأرجح ما يسبّب شعور الامتصاص كما هو الحال مع المعادن.
13. جذر المستنقع
لا يبدو جذر المستنقع كما لو أنّه شيء قد ترغب في تناوله. ومع ذلك، كان شائع الستعمال باعتباره منتجًا تمّ تسويقه كدواء براءة اختراع. قيل أنّ للمنتجات من قبيل جذر المستنقع للدّكتور كيلمر Dr. Kilmer القدرة على تحفيز «مسار البول»، إضافة إلى قدرته على معالجة أمراض مختَلقَةٍ مثل حمّى الوحل الداخليّة. ومهما كانت المواد العضويّة التي يحتويها جذر المستنقع، فإنّ الظاهرَ أنّ الكحول هي أكثرها نشاطًا و تأثيرًا كما هو الحال مع الكثير من أدوية براءات الاختراع.
14. شراب دكتور بيبر Dr Pepper
لمشروب Dr Pepper جذور في تاريخ أدوية براءات الاختراع مثل الكوكا كولا. أنتجه الصيدلاني شارلز ألدرتون Charles Alderton من تكساس سنة 1885 وقام ببيعه باعتباره منشطًا للدماغ. ويذكر أنّه تمّ إزالة النقطة التي تلي عبارة «Dr» لاحقا في فترة التسويق الجماهيري الذي لقيه المنتج خلال القرن العشرين حتّى لا يدلّ على أيّة خصائص طبيّة.
15. الأقراص الورديّة للوجوه الشاحبة
كانت حبوب دكتور ويليامز الورديّة للوجوه الشاحبة من بين علاجات فقر الدم، وقد عمد الجناس كما هو جليّ في عبارة « PINK PILLS FOR PALE PEOPLE» إلى جذب اهتمام الزّبائن خاصّة المستعمرين البريطانيّين. بما أنّ الحبوب صُنعت من أكسيد الحديد وكبريتات المغنيسيوم، لم تكن من بين أدوية براءات الاختراع الأكثر خطورةً؛ لكنّهم لم يوفوا بما وعدوا به فيما يخصّ معالجة كلّ الأمراض من الشلل إلى الكوليرا. وعادة ما يذكر جورج فولفورد George Fulford، الرجل الذي باع هذا العلاج في أنحاء العالم، لإرثه المختلف نوعًا ما فقد صدم الترام عربته سنة 1905 ليصبح في سنّ الثالثة والخمسين أوّل شخصٍ يلقى حتفه في حادث سير في كندا.
- ترجمة: مريم خماجة
- تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
- المصادر: 1