ما هو سر السعادة في العمل؟

ليس من الضروري أن تمثل وظيفتك أفضل استغلال لإمكانياتك فقط تحتاج إلى أن تكون مفيدة.

سأل الباحثون عينة من البالغين الأمريكيين ما مدى إعجابك بعملك؟ قد تفاجئك النتائج.

ارتفعت النسبة التي تقول إنهم «راضون تمامًا» عن العمل بشكلٍ كبير خلال العقدين الماضيين من 41 بالمائة في عام 2001 إلى 55 بالمائة في عام 2019. على الرغم من حقيقة أن ملايين الأمريكيين قد تحولوا إلى العمل عن بُعد في عام 2020، لكن 89 بالمائة قالوا إنهم راضون «تمامًا» أو «إلى حدٍ ما».

الكثير من طلاب الدراسات العليا يتصورون أن حياتهم المهنية ستكون مثالية، ومنهم من يتدرب للالتحاق بوظائف في الأعمال التجارية أو الحكومية. لكن هذه الإحصائية مفاجئة لأن الكثير منا يفترض أنه لكي تعيش برضا يجب أن تتمسك بوظيفة أحلامك التي تلبي مهارات شغفك، وتحقق أرباحًا جيدة، وتشعر بالحماس للعمل كل يوم. لكن من المستحيل أن يكون 89 بالمائة من الناس لديهم هذه المواصفات، أليس كذلك؟

يستند هذا الاعتقاد إلى سوء فهم لما يجلب الشعور بالرضا الوظيفي. لكي تكون سعيدًا في العمل لا يتعين عليك شغل وظيفة رائعة تمثل ذروة إنجازك التعليمي أو الاستخدام الأمثل لإمكانياتك، ولا يتعين عليك جني الكثير من المال. ما يهم ليس «ماذا يوجد في الوظيفة» بل ما يهم «من يعمل فيها» و «لماذا» إذ يأتي الرضا الوظيفي من الأشخاص والقيم والشعور بالإنجاز.

لا شك أن جزءًا كبيرًا من نسبة الرضا الوظيفي يرجع إلى حقيقة أن الحصول على أي وظيفة يجعل الناس أكثر سعادة. البطالة هي أحد أكبر مصادر التعاسة التي يمكن أن يواجهها الناس. وضحت بيانات من المسح الاجتماعي العام أن البالغين الأمريكيين الذين أفادوا بأنهم كانوا على الأرجح «جدًا» أو «إلى حدٍ ما» سيفقدون وظائفهم في عام 2018 كانوا أكثر عرضة بثلاث مرات للقول إنهم «ليسوا سعداء على الإطلاق» بحياتهم.

يوجد من الناس الذين شعروا أنه «من غير المحتمل» أن يتم التخلي عنهم في العمل. ربطت العديد من الدراسات بين مستوى البطالة في دولة ما وزيادة معدلات الانتحار إذ وجد الاقتصاديون في العام 2014 أن زيادة نقطة مئوية واحدة في البطالة تقلل الرفاهية الوطنية أكثر من خمسة أضعاف مقارنة مع زيادة نقطة واحدة في معدل التضخم.

عندما يكون لدى المرء وظيفة فإن العوامل التي تؤثر على الرضا لا علاقة لها بسير العمل. توجد متغيرات لا يمكن السيطرة عليها فقد وجدت دراسة في مجلة علم النفس التطبيقي لتوأم متماثل تربيا بعيدًا عن بعضهما أن حوالي 30 في المئة من الرضا الوظيفي هو وراثي.

أما المتغيرات العملية فقد وجد اقتصاديون أن زيادة الأجور تزيد من الشعور بالرضا الوظيفي، ولكن على المدى القصير فقط لأن تأثيره يزول بسرعة مع مرور الوقت لذلك تعد الزيادات المنتظمة في الأجور في جميع المهن أفضل وتبعث على الشعور بالسعادة أكثر من الزيادات الكبيرة غير المتكررة.

بعض الجوانب الأكثر صعوبة في الوظيفة هي تلك التي تجعلها مغرية للغاية ألا وهي القيم التي تقدمها شركتك وزملاؤك في العمل. أظهرت الأبحاث أن الرضا الوظيفي في جميع أنحاء العالم يعتمد على الشعور بالإنجاز، والاعتراف بالعمل الجيد، والتوازن بين العمل والحياة. العمل الجماعي أيضًا له تأثير قوي في الثقافات الجماعية، ولكنه أقل تأثيرًا في الثقافات الفردية. وجد عالم النفس الراحل ريتشارد هاكمان في جامعة هارفارد أن الرضا الوظيفي مرتبط بمرونة القائد فقد وجد في إحدى دراساته أن رضا الموسيقيين الذين عملوا في فرق الأوركسترا التي يقدوها قادة بقبضة من حديد أقل بنسبة 21 بالمئة عن رضا الموسيقيين الذين يقودهم قائد أروكسترا مرن ومتفهم.

أظهرت عقود من الدراسات أن الأشخاص الأكثر رضا عن عملهم هم أولئك الذين يجدون تطابقًا أساسيًا بين قيم صاحب العمل وقيمهم الخاصة. هذا صحيح بشكل خاص عندما يكون للقيم أهمية أخلاقية أو فلسفية أو روحية خاصة. على سبيل المثال وجدت دراسة أجريت عام 2012 على الممرضات الإيرانيات أن أسعدهن يعتقدن أن عملهن «مهنة إلهية وأداة يمكنهم من خلالها الحصول على المتعة والرضا الروحيين». يشعر العديد من المعلمين نفس الشعور اتجاه مهنة التعليم، وكما كتب الفيلسوف الراحل مايكل نوفاك، يمكن القيام بأعمال سامية والتأثير على الآخرين في مجال الأعمال أيضًا.

الباحثون الذين بحثوا عن علاقات واضحة بين الرضا الوظيفي والنوع الفعلي للوظيفة التي يشغلها المرء كانت مدهشة. نشرت CareerBliss وهي شركة مكرسة لمساعدة الأشخاص على الشعور بالسعادة في العمل، نتائج استبيان حول أسعد الوظائف وأتعسها. تُظهر أحدث تصنيفاتها اعتبارًا من 2018، أن الوظائف التي تبعث على السعادة كانت متباينة تمامًا وهي كالتالي: مساعد تدريس، محلل ضمان الجودة، مطور شبكة، متخصص تسويق. أما الوظائف التعيسة لا علاقة لها إلى بالتعليم أو الدخل هي: محاسب، حارس أمن، أمين صندوق، مشرف.

من المنطقي عند اختيار وظيفة ما أن تجمع بين اهتماماتك وواجباتك الوظيفية المحددة إذ من الواضح أنه لا يجب على أحد عمل شيء يكرهه، ولكن الواقع مختلف تمامًا إذ أنه من الممكن الشعور بالرضا في جميع أنواع الأعمال. بعد كل ما ذكرناه سابقًا كم عدد الأطفال الذين قالوا «عندما أكبر، سأكون محلل ضمان الجودة”؟ بدلاً من السعي بلا كلل للحصول على مهنة أحلامهم مثل طبيب، مهندس، محامي…، وهم على يقين من أنها ستجعلهم سعداء لذلك النهج الأفضل هو الحفاظ على المرونة في وظيفة محددة أثناء البحث عن القيم والثقافة التي تتناسب مع قيمك وثقافتك.

مهما كانت الوظيفة التي ينتهي بك المطاف إليها فإن إيجاد الشعور بالإنجاز أمر بالغ الأهمية للشعور بالرضا الوظيفي. يساعد هذا الأمر على تحديد أهداف في عمل الفرد مثل زيادة المهارات أو المسؤولية لذلك بعض الأهداف تؤدي إلى سعادة أكثر من غيرها. بينما تزيد الأجور من الشعور بالرضا بشكل مؤقت فهذا يعني أن المال كهدف وظيفي لن يشعرك بالرضا الكامل. تُظهر أعداد كبيرة من الأبحاث أنه لتحقيق رضا حقيقي يجب أن تسعى إلى تحقيق أهداف جوهرية اثنان على الأقل.

الأول هو النجاح المستحق إذ يمكنك التفكير في الأمر على أنه نقيض التعلّم المكتسب، وهو مصطلح صاغه عالم النفس مارتن سيليجمان للإشارة إلى الاستقالة التي يقدمها الناس عندما يتحملون مرارًا مواقف غير سارة خارجة عن إرادتهم. يمنحك النجاح المستحق بدلًا من ذلك إحساسًا بالإنجاز وهو ما أثبته سيليجمان كمصدر للسعادة، والفعالية المهنية أي فكرة أنك فعّال في وظيفتك يزيد من الالتزام بمهنتك وهو أيضًا مقياسًا جيدًا للرضا الوظيفي. أرباب العمل الذين يقدمون إرشادات وتعليمات واضحة، ويكافئون أصحاب الجدارة، ويشجعون موظفيهم على تطوير مهارات جديدة هم الأكثر احتمالية لإعطائك هذه المشاعر. ابحث عن مدير يتصرف بهذه الطريقة، وإذا كانت لديك الفرصة فكن من هذا النوع من الرؤساء.

الهدف الثاني الذي يستحق المتابعة في العمل هو خدمة الآخرين أي الإحساس بأن وظيفتك تجعل العالم مكانًا أفضل. هذا لا يعني أنك بحاجة إلى التطوع أو العمل في مؤسسة خيرية لتكون سعيدًا فقد أظهر بحث خاص أن العمل الغير ربحي ليس مرضيًا بطبيعته أكثر من العمل لحساب ربحي أو لصالح الحكومة لذلك يمكنك خدمة الآخرين في أي وظيفة تقريبًا. أوضح أحد الطلاب هذه النقطة بشكل أفضل في مقال رأي كتبه ليشرح سبب تخليه عن وظائف في مجال دراسته الأكاديمية ليصبح نادلًا في برشلونة. وكما كتب باللغة الإسبانية «زبائني جميعهم مهمون ومتساوون. إنهم متشابهون على الطاولة ويجب أن يكونوا متشابهين في نظر النادل … إنه لأمر رائع أن تكون قادرًا على خدمة السياسي الذي يظهر على الصفحة الأولى من الصحيفة، وكذلك خدمة الشخص العادي الذي يتصفح الأخبار أثناء انتظار صديقته».

وعلى الرغم من أن الوظيفة الجيدة قد لا تكون كما نتخيلها تمامًا مثل جنة عدن لكن عندما نعرف أسرار مهنة مرضية حقًا، عندها يمكن أن يكون العمل متعة.

  • ترجمة: رؤى بستون
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1