هل الميتافيرس مفتوحٌ للأعمال؟
أصبح الميتافيرس metaverse منذ إعادة تسمية Facebook إلى Meta -الذي يُعرَّف بشكل عام على أنه عالمٌ واسع على الإنترنت تحدث فيه التفاعلات عبر الصور الرمزية الرقمية- سائدًا كجزءٍ من Web3 وهو ثالث جيل على الإنترنت ينتقل فيه المستخدمون من المستهلكين إلى المبدعين ومن ثمّ المقيمين في عوالم الإنترنت.
تحتل صناعات الترفيه والألعاب صدارة الحديث اليوم، ولكن جميع الشركات تدرك الحاجة إلى التحرّك مبكّرًا وعدم التنازل عن الأرضية التنافسية. تقول جولي سميثسون، المؤسس المشارك لشركة MetaVRse، والتي تساعد الشركات على بناء قدرات واقعية موسعة (وهي عبارة عن منصة إنشاء ثلاثية الأبعاد، في الوقت الفعلي تستند إلى الويب وذات تعليمات برمجية منخفضة): “تحتاج من كل شركة إلى حجز مكان في الميتافيرس. إذا لم تكن الشركات مستعدة لذلك فعليها أن تفكر بجدية في مستقبلها. سيتطور كل شيء بهذه الطريقة سواءً كانت خدمات أو تطبيقات تدريبية”.
وبالفعل أصبح الميتافيرس جزءًا متزايدًا من استراتيجيات الاندماج والاستحواذ للشركات. حيث أعلنت شركة Nike في ديسمبر 2021 عن استحواذها على استوديو التصميم الرقمي RTFKT، إذ تأمل شركة الملابس الرياضية أن يساعدها هذا الأمر في استكشاف الاحتمالات التي يقدمها الميتافيرس.
كما أعلنت شركة مايكروسفت Microsoft في كانون الثاني (يناير) 2022، عن خططها للاستحواذ على مطور ألعاب وناشر المحتوى الترفيهي التفاعلي Activision Blizzard، إذ تأمل شركة مايكروسفت العملاقة للبرمجيات أن توفّر اللبنات الأساسية للميتافيرس.
كان الميتافيرس كوسيلة تجريبية هو الأبرز على مستوى مواجهة المستهلك (أي الطريقة التي يختبر بها العميل ميزة خدمة الأعمال أو يراها). بدأت دار الأزياء الفاخرة غوتشي Gucci، على سبيل المثال في بيع المنتجات على منصات الألعاب بنسخةٍ رقمية مثل حقيبة شهيرة تكلّف أكثر من النموذج المادي. كما عملت Stella Artois، بناءً على تاريخ سباقات الخيل الحية، مع Zed Run لإنشاء تجربةٍ ثلاثية الأبعاد تشبه Tamagotchi مع كنتاكي ديربي.
يُوجّه الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) إلى المستهلكين من خلال أدوات مثل نظارة غوغل Google Glass أو عدة الواقع الافتراضي Oculus، لكنها لم تنتشر تمامًا. كان ذلك ضمن إعدادات المؤسسات، مثل التدريب على التصنيع والرعاية الصحية، إذا اكتسب الواقع الممتد قوة دفع حقيقية من خلال السماح للعمال بالقيام بأشياء جديدة بشكلٍ أساسي وتضخيم الإنتاجية والتعاون والكفاءة، فهذه الديناميكيات نفسها تنتقل إلى عصر الميتافيرس.
أعلنت شركة هيونداي Hyundai في يناير 2022 بالشراكة مع شركة Unity وهي منتج محتوى ثلاثي الأبعاد، عن خططٍ لبناء منصّة لمصنع ميتا لتمكين حل المشكلات عن بُعد، واختبار تشغيل المرافق الجديدة والمحاكاة للمستهلكين.
عملت شركة السيارات BMW مع شركة Nvidia للذكاء الاصطناعي لإنشاء منتجٍ رقميّ تجريبي شبيهٍ لمصنع إنتاج BMW يسمح لفِرَق التصميم ثلاثية الأبعاد بالعمل معًا في وقتٍ واحد عبر مجموعات لبرامج متعددة في مساحة افتراضية مشتركة.
من المتوقع أن ينمو سوق المنتجات الرقمية المشابهة للأصل -التمثيلات الافتراضية التي تعمل كنُسَخٍ متماثلة في الوقت الفعلي لجسم مادي- إلى 86 مليار دولار بحلول عام 2025، وفقًا لشركة استشارات الأعمال Grand View Research، مع شركات مثل Unilever وBoeing وSiemens Energy من بين المتبنين.
كما ويتم أيضاً تشكيل خط ميتافيرس للصحة، حيث أقدمت شركة 8 chili -وهي شركة تقنيّة عميقة تعمل على بناء بنية أساسية لإنشاء محتوى الميتافيرس وتوزيعه- بالشراكة مع شركة العلاج الرقمي Aventyn في مارس 2022 على تطوير منصة الواقع الافتراضي لتمكين التدريب الافتراضي وإشراك المرضى والتدريب الصحي. تعمل شركة Virti في المملكة المتحدة للتدريب على الواقع المعزز عن بُعد مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية لتدريب الموظفين وتطوير مهاراتهم، بما في ذلك أثناء الوباء، عندما اضطُّر العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية على الانتقال إلى وحدات ووظائف مختلفة.
تعمل صناعة الخدمات المالية، التي تعد مستخدمًا كبيرًا لتقنية البلوكتشين blockchain، على زيادة اهتمامها بالمدفوعات والخدمات الاستشارية في الميتافيرس. أصبح بنك JPMorgan Chase (JPMC) أول بنكٍ رئيسي يدخل الميتافيرس عندما افتتح قاعة انتظار في العالم الافتراضي القائم على اللامركزية للبلوكتشين ضمن حدث في فبراير 2022. أعلن بنك وول ستريت اعتقاده بأن الميتافيرس يمكن أن يقدم وبشكلٍ لا يُصدّق 1 تريليون دولار فرصة إيراداتٍ سنوية للمؤسسات في جميع القطاعات. يعتقد جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة JPMorgan Chase، أن سوق العقارات الافتراضية يمكن أن تظهر مع الخدمات المصاحبة مثل الائتمانات والرهون العقارية وعقود الإيجار.
يقدّم الميتافيرس بالنسبة لجميع القطاعات والشركات فرصًا جديدة لإدارة الاجتماعات ومؤتمرات الفيديو والتدريب وتطوير القوى العاملة على نطاقٍ أوسع في عالم ما بعد الكوفيد الهجين الذي أُنتج في المختبر. أما فيما يتعلق بالإمكانيات المستقبلية، تعتقد شركة Infosys -مزوّد الخدمات الرقمية العالمية- أنّ مساحة إنشاء المحتوى وتقديمه ستشهد ابتكارًا ومنافسةً هائلة على الميتافيرس، مستشهدة بالنسخ الرقمية للمسارح والاستوديوهات وغرف الاجتماعات، والتي ستتيح للمستخدمين تجارب أقرب ما يمكن للتجارب الواقعية.
يعتقد بيل غيتس، الشريك المؤسّس لشركة مايكروسفت، أن الاجتماعات الافتراضية ستنتقل إلى الميتافيرس في العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، حيث تقوم ميتا ومايكروسفت بتشغيلها داخليًّا بالفعل.
من أين أبدأ؟
لا تريد أي شركة أن تتخلف عن الركب في الاندفاع للمطالبة بحصّةٍ في الميتافيرس، سواءً للوظائف التي تواجه المستهلك أو استخدامات المؤسسة الداخلية أو كليهما. تُحذّر سميثسون من أنّ تجاهل الاتجاه والقدرات الأساسية التي تجعل ذلك الأمر ممكنًا -لا سيما شبكة الجيل الخامس للاتصالات الخلوية 5 G والتحسينات في تقنية الرقائق الإلكترونية- قد يكون أمرًا حاسمًا، وتقول: “إذا اعتقدت شركةٌ ما أنّ الميتافيرس غيُر مناسبٍ لها فلن تنجو من سوق العمل الجديد. كلّ شركة تحتاج إلى العثور على مكان في الميتافيرس”.
كيف يجب أن تبدأ الشركات؟
تتمثّل إحدى الأولويات في تحديد كيفية تمثيل علامتهم التجاريّة في الميتافيرس إذا كان المستهلكون والعملاء يسكنون عوالم افتراضية على نطاق واسع. تقول سميثسون: “لم تفكّر العلامات التجارية في الشكل الذي ستبدو عليه في البيئة المكانيّة. لقد فكروا دائمًا في أنفسهم في عالم ثنائي الأبعاد على الورق وعلى الإعلان سواءً أكان تجاريًّا أو كمقالٍ في مجلة. هذا الأمر أصبح الآن صراعَ المسوقين للتفكير في علاماتهم التجارية بطريقةٍ لا يمكن مقاومتها”.
وبعيدًا عن الشكل الذي ستبدو عليه الشركات فهي ستحتاج أيضًا إلى التفكير فيما سيحصل عليه المستهلكون من الانخراط معهم في الميتافيرس. يجب أن يكون الميتافيرس مفيدًا للمستهلكين وفقًا لمؤسسة سميثسون، وليس مجرد شكل من أشكال الترفيه المؤثر ضمنيًّا، والذي يجبر الشركات على التفكير في أسئلةٍ مثل تبادل القيمة، والحوافز، والمزايا. تقول سميثسون: “إذا كنتُ مستخدمًا أو مستهلكًا، فماذا ستعطيني إن دخلتُ إلى الميتافيرس الخاص بك؟ هذه هي الطريقة التي تعمل بها التجارب الاندماجيّة أي تستبدل شيئًا ما بمكافأة إذا كنت تريد المستخدمين أن يعودوا للميتافيرس. إذًا ما هي تلك الإجراءات أو التبادلات؟”.
يمكن أن تشمل هذه الإجراءات تبادل التمويل اللامركزي (DeFi) أو الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) وهي الأصول الرقمية الفريدة مثل الصور أو المقطوعات الموسيقية أو الأشياء ثلاثيّة الأبعاد أو أيّ عملٍ إبداعيٍّ آخر. يزدهر سوق NFT بالفعل، إذ بيع أول عمل فني ل NFT في دار مزادات كبرى مقابل 69 مليون دولار في مارس 2021. وأصبحت قطعة تسمى (الدمج) أغلى NFT سعر بيع عندما دَفع ما يقرب من 30 ألف جامع للصور مع بعضهم 91.8 مليون دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2021.
تقول سميثسون: “إنّ العديد من الشركات لا تزال بعيدةً عن إنشاء رموز NFT الخاصّة بها أو الرموز المميّزة لعلامتها التجارية، ولكن مع تطوّر الميتافيرس ستحتاج الشركات إلى التفكير في كيفية التعامل مع الأصول الرقمية في عالم الميتافيرس وفقًا للّوائح المتعلّقة بالامتثال (أي الالتزام بنص وروح القانون والأنظمة والتعليمات وهو أعلى درجة من الالتزام العادي) وغسيل الأموال، وكيف سيخففون من مخاطر عمليات الاحتيال في مجال الأمن السيبراني.
يُقال أنّ مجرمي الإنترنت يقومون بالفعل بعمليات خداع للتصيد عبر روابط تبدو وكأنها منصات الميتافيرس الشرعيّة. وقد تظهر تهديدات إلكترونية جديدة في الواقع الممتد للواقع الحقيقي. قد تبدو مثل هذه التهديدات الإلكترونية وكأنها صورة رمزية مخترقة أو تزييف عميق (أي تزييف الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي)، على سبيل المثال من الممكن تزييف صورة لرئيسٍ تنفيذي، واستخدامها للسماح بنقل الأموال أو الكشف عن المعلومات التجارية المحمية التي يمكن استغلالها. تنتشر عمليات الاحتيال بالفعل في عالم العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs). يمكن أن يكون الميتافيرس شبيهًا بالغرب المتوحش الغير مُكتَشفْ بعد في قارة أمريكا الشمالية، مما يؤثر على الموظفين بقدر ما يؤثر على المستهلكين. ستكون هناك حاجة إلى مناهج متطورة لتوثيق الهوية والتحقق منها، خاصّةً مع ظهور العديد من منصات الميتافيرس ووجودِ فجوات في الإدارة والتحقق أو صوامع بينها (الصومعة في تكنولوجيا المعلومات هي نقطة معزولة في نظام يُحتفظ فيها بالبيانات منفصلة -بقصد أو بغير قصد- عن أجزاء أخرى من بنية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمؤسسة).
تعد خصوصية البيانات وحوكمتها من الاعتبارات المهمة أيضًا للعملاء والموظفين على حد سواء. تستشهد جولي سميثسون بالتحديات التي تواجهها شركة تكنولوجيا طبية أوروبية وهي تبنّي التدريب والتعليم في منطقة الميتافيرس. تمتلك العديد من الشركات بالفعل أنظمة إدارة التعلم (LMS)، وهو مَخزن بيانات رئيسي ولكن توجد العديد من الأسئلة حول البيانات التي يمكن جمعها من الموظفين وعنهم، على سبيل المثال أثناء درجات ووحدات التدريب القائمة على الميتافيرس، مثل قياس المدة التي يحوم فيها شخصٌ ما حول عنصرٍ معيّن أو المدّة التي يستغرقها للرد على سؤال. تقول سميثسون: “يتم تفعيل هذه التحليلات، بينما العملاء يكافحون من أجل كيفيّة المضي قدمًا”. تتقدم MetaVRse بطلبٍ للحصول على شهادة التحكم الكامل في نظام ومنظمة (SOC) -نظام معايير السرية- لدعمها في حوكمة جمع البيانات في عصر الميتافيرس.
نظرًا لكون المؤسسات تفكر في مكانها في الميتافيرس فإنها ستحتاج إلى التأكد من أن لديها الموارد اللازمة للتعامل مع مستوى قوة الحوسبة، بما في ذلك الحوسبة السحابية وحوسبة الحافة (تقنية تركّز على جعل الحوسبة قريبة من مصدر البيانات قدر الإمكان من أجل تقليل زمن الوصول واستخدام النطاق الترددي)، والاتصال فائق السرعة والموثوق، والقوى العاملة الماهرة لإنشائها وإدارتها. بالفعل يتزايد الطلب على العمال الماهرين في الميتافيرس، بما في ذلك الكفاءات مثل النمذجة ثلاثية الأبعاد والألعاب، وهي ديناميكية مركزية للميتافيرس حتى الآن، فضلًا عن الأحداث المستندة على الميتافيرس وإدارة المجتمع. من المتوقع ظهور ألقاب ووظائف جديدة، تمامًا كما نشأت في سنة 2010 s وظائف مدراء وسائل التواصل الاجتماعي وما يشبهها. من المتوقع أيضًا نشوء منافسة للحصول على المواهب المتخصصة على غرار فورة التوظيف في مجال العملات المشفّرة ضمن صناعة التمويل. يمكن أن تكون هناك قطاعات جديدة في الاقتصاد أيضًا مثل إدارة الأعمال الحرّة في الميتافيرس. هل ستُترجم التغييرات التي تطرأ على قوانين العمل في اقتصاد العالم الحقيقي على العالم الافتراضي أيضًا؟.
لا يوجد شكّ أنّ الميتافيرس غيّر الأعمال. لكن الشركات ستحتاج أيضًا إلى اتخاذ الحذر عند النظر في حالات استخدام الميتافيرس على مستوى الأعمال التجاريّة. في حين يتم إجراء الكثير من الاجتماعات القائمة على الميتافيرس فإنّ التحوّل إلى المكالمات الجماعية الافتراضية لم يكن موضع ترحيبٍ عالمي. فتعرُّض تطبيق الزووم للإجهاد أثناء الاجتماعات الافتراضية هو أمرٌ حقيقي. هل سيتغلب الميتافيرس على الآثار المزعجة والمربكة للاجتماعات الافتراضية، بما في ذلك الافتقار إلى لغة الجسد وعدم التطابق بين الكلام ولغة العين؟ هل سيتصرف الناس بشكلٍ أقل اجتماعيّ عندما يحتمون وراء الصورة الرمزية؟ بعد مليارات السنين من التطور لا يستطيع البشر معرفة ما يفكر فيه الناس ويشعرون به بشكلٍ كامل دون أن يكونوا متواجدين معهم جسديًا. لا تزال الفروق النفسيّة والاجتماعيّة الدقيقة للتواصل البشري بعيدةً كلّ البعد عن إدخالها في عالم الإنترنت، وربما لن تحدث أبدًا.
يمكن للنهج الاستباقي والفضولي أن يساعد الشركات عبر الاقتصاد على تسخير فوائد الميتافيرس على الرغم من التحديات. ستكون أفضل الاستراتيجيات هي تلك التي تركز على تقديم الفوائد في العالم الحقيقي، وقياس العائد على الاستثمار، والتخفيف من المخاطر والاستعداد لها، وتحقيق التوازن بين فوائد العالم الافتراضي الغامر والقيمة اللارقمية المضافة متمثّلة بالمستخدمين البشر.
- ترجمة: رؤى بستون
- تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
- المصادر: 1