المعلمون يتَّجهون نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي

تشير الإحصاءات إلى أن المعلمين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر من التلاميذ لإنشاء خطط الدروس، أو المسائل اللفظية الأكثر إثارة للاهتمام. يقول التربويون أن ذلك يوفر الوقت الثمين، ولكن يجب استخدامه بعناية.

كان حلم «تيم بالاريت-Tim Ballret» أن يصبح سمسار بورصة، ولكنه وجد متعته القصوى في مساعدة تلامذة الصف الثانوي في مدارس جنوب لوس أنجلوس، على فهم علاقة العلوم والرياضيات ومدى ارتباطهما بحياتهم اليومية. لكنه وجد أن تحضير وسائل تعليمية تفاعلية تستنزفُ الكثير من الوقت، لذا قرَّر هذا الربيع البدءَ باستكشاف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وبناءً على توصياتٍ من الأصدقاء ومعلِّمِين مؤثِّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، قرَّر «بالاريت-Ballaret» تجربة المدرسة السحرية (MagicSchool)، وهي أداةٌ للمعلمين من مرحلة رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، مدعومةٌ بخوارزميات إنشاء النصوص الخاصة بالذكاء الاصطناعي المفتوح (Open AI). حيث قام بالاريت باستخدمها لإنشاء الواجبات مثل المسائل اللفظية الرياضية التي تتلاءم مع اهتمامات تلاميذه، مثل «تايلور سويفت-Taylor Swift»، ولعبة ماين كرافت (Minecraft)، لكن الاختبار الحقيقي كان عند استخدامه المدرسة السحرية (MagicSchool) هذا الصيف، لتحديد خطط الدروس لمدة عام لفصلٍ جديدٍ في العلوم التطبيقية والهندسة.

يقول بالاريت: «إن عودتي للاستمتاع بموسم الصيف، ساعدني على الانتعاشِ لبدء عامٍ دراسيٍّ جديدٍ. فبدلًا من قضاء الكثير من الوقت في إعداد وتحضير الدروس، أصبح بمقدوري قضاءُ هذا الوقت مع عائلتي وأصدقائي وزوجتي، كما تحسَّنَ أدائي التعليمي في المدرسة بدلًا من الشعور بالتعب والإرهاق».

إنَّ الاستعمال المتزايد لأدوات الذكاء الاصطناعي من قِبَل التلاميذ جذب الأنظار مؤخرًا، بسبب الاتهامات الشائعة بأنها تُستخدَم للغش. ولكن، وبحسب تصويتٍ شَمَلَ 1,000 تلميذٍ و500 معلِّمٍ في الولايات المتحدة لدراسة تطبيق Quizzlet، تبيَّن أن المعلِّمين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر من التلاميذ. كما أظهرت إحصاءاتٌ قامت بها مؤسسة عائلة «والتون-Walton» في بداية هذا العام النتائجَ نفسها، وأنَّ 70% من المعلِّمين ذوي البشرة السوداء واللاتينيين يستخدمون التكنولوجيا أسبوعيًا. ومع تبنِّي العديد من الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة المعلمين والتربويين، فإن العديد من المعلمين أنفسهم مثل بالاريت، يقومون بالتجربة باستخدام التكنولوجيا لمعرفة نقاط القوة وكيفية تفادي نقاط الضعف.

يقول «أديل خان-Adeel Khan» مؤسس MagicSchool، أنه ومنذ إطلاقها قبل أربعة أشهر أصبح عدد المستخدمين 150,000 مستخدم. تم تقديم الخدمة بشكل مجاني في البداية، ولكن تم طَرحُ أخرى مدفوعة مقابل 9.99$ بالشهر للمعلم الواحد. لقد واءمت MagicSchool تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة المعلمين من خلال تزويد نماذج اللغة بمعطيات، بناءً على أفضل الممارسات المستوحاة من خبرة خان التعليمية، أو المواد التدريبية الشائعة. تساعد هذه الأداة المعلمين على القيام بأشياءٍ مثل إعداد بطاقات العمل والاختبارات، ضَبطُ مستويات القراءة بحسب حاجات التلميذ، كتابة برامج تربوية فردية للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم المَشورة للمعلمين حول كيفيَّة التعامل مع المشاكل السلوكية عند التلاميذ. بالمقابل، فإن هناك خدماتٌ تنافسيةٌ مثل Eduaide وDiffit، والتي تعمل على تطوير أدواتٍ مساعدةٍ خاصةٍ بها تعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي للمعلمين.

وقد أفادت جميعُ هذه الشركات أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ساعدَ المعلمين على محاربة الإرهاق والتعب، في الوقت الذي لجأَ معظمهم إلى ترك المهنة. تشير دراسةٌ حديثةٌ قامت بها كلية التربية بجامعة كانساس (Kansas University’s College of Education)، أن الولايات المتحدة ينقصها 30,000 معلم تقريبًا، ويفتقرُ 160,000 من المعلمين العاملين في الفصول الدراسية إلى الكفاءات التعليمية المناسبة، كما ينقصهم التدريب المهني.

يقول مؤلِّف الدراسة «توان نجوين-Tuan Nguyen»، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يعالجُ بالضرورة المشكلة المتعلِّقة بالأجور المنخفضة وشروط العمل، ليس فقط لساعاتٍ طويلةٍ، إنما النقصُ الملحوظ في المكانة أيضًا. «إن أدوات الذكاء الاصطناعي يُمكنها توفيرُ وقت المعلمين، ومساعدتهم على تحديد تعليماتهم وإضفاء الطابع الفردي عليها، لكنني لا أعتقدُ أن ذلك يمكن أن يُغيِّر سوق عمل المعلم في هذه المرحلة».

مع ذلك، يقوم العديد من المعلمين باختبار التكنولوجيا أو التعرف عليها. قام مشروع الذكاء الاصطناعي التربوي، وهو مشروعٌ غير ربحي مموَّل من العديد من الشركات، مثل غوغل Google وإنتل Intel والذكاء الاصطناعي المفتوح OpenAI، بتدريب أكثر من 7,000 معلم هذا العام على كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، وكيفية استخدام أدواته في الفصول الدراسية. يقول «أليكس كوتران-Alex Kotran» مؤسس المشروع، أن المعلمين عادةً يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحضير خطط الدروس، وإرسال رسائل البريد الإلكتروني للآباء. ولاحظ خلال الورش التدريبية، أن العديد من المعلمين استخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسبوع المُنصرم، لكنَّ القليل منهم كان على معرفةٍ ببعض الحِيَل التكنولوجية، مثل القرصنة السريعة (prompt hacking)، التي يمكن أن تساعدَ على استخراج أفضل الأجوبة لنماذج اللغة. ويقول كوتران: «الآن، بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي مُتاحًا للاستخدام من قبل الجميع، بات بالإمكان عرضهُ على المعلمين، وإيضاح كيفية استخدامه بفعاليةٍ بدلًا من إخبارهم عنه».

يعمل بالاريت في مجموعة إدنوفايت (Ednovate)، وهي واحدةٌ من ست مدارس مستقلة في لوس أنجلوس، حيث يقوم المعلمون بمشاركة النصائح ضمن محادثةٍ جماعيةٍ، ويتمُّ تشجيعهم على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي «في كل تفصيلٍ من ممارساتهم التعليمية»، كما تقول كبير مديري الأكاديميين «لانيرا مورفي-Lanira Murphy». وقد اشتركت المجموعة في النسخة المدفوعة من MagicSchool. لاحظت مورفي من خلال ورشتها التدريبية عن الذكاء الاصطناعي للمعلمين، أن البعض يتساءلُ ما إذا كان جعلُ جزءٍ من عملهم أوتوماتيكيًا يُعتبَر غشًا أم لا. تجيب مورفي بأن الأمر لا يختلفُ عن سَحب الأشياء من الإنترنت من خلال البحث على الويب، ولكن كما هو الحال مع أي مادة، يجب على المعلمين التحقق منها بعناية. وتقول: «إنها وظيفتك أن تنظر إليها قبل أن تعرضها أمام الأطفال»، وتتأكَّد من عدم وجود أي تحيُّز أو محتوى غير منطقي. وقد اشتركت Ednovate في النسخة المدفوعة من MagicSchool، على الرغم من أن مورفي تقول أن ما يقارب 10% من المعلمين الذين تقابلهم هناك، يشعرون بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي سيأخذ وظائفهم ويحل محلّهم.

يقول خان من MagicSchool أنَّ الإرث الرديء لتكنولوجيا التعليم، مما يُشكِّك بعض المعلمين في خدمات الذكاء الاصطناعي الجديدة. «إنها صناعةٌ تمَّ حرقها مرارًا وتكرارًا من قبل التكنولوجيا». يقول «جوزيف ساوث-Joseph South» كبير مسؤولي التعلم في الجمعية الدولية لتكنولوجيا التعليم (ISTE)، والتي تضم داعميها ميتا (Meta) وول مارت (Walmart)، أن المعلمين معتادون على الشعور بالقلق وانتظار أحدث تكنولوجيات التعليم السائدة. وهو يشجِّع المعلمين على رؤية أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة بعينٍ غير تقليديةٍ، قائلًا: «هذه ليست موضة. إنني قلقٌ بشأن أولئك الأشخاص الذين يحاولون التخلص من إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، وذلك لا يمكن حدوثه». مؤخرًا، تشاركت (ISTE) مع مؤسسات تعليمية غير ربحية، مثل http: //code.org/ وأكاديمية خان (Khan Academy)، لإصدار سلسلةٍ من فيديوهات الذكاء الاصطناعي AI 101.

من ناحيةٍ أخرى، تختلف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عن الفصول الدراسية السابقة، كونها قادرة على خلق بعض المشكلات التي لم تكن موجودة في البرامج التقليدية. أنشأ صندوق تمويل تنمية المدرسة المستقلة، والذي يساعد المدارس على إقامة مبانٍ جديدة، مجموعات عمل لتقديم المشورة للمدارس حول سياسة الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد أن وجدت دراسة إحصائية أن التكنولوجيا تشكِّل مصدر قلقٍ لمدراء المدارس. يقول رئيس قسم الابتكار في الصندوق «إيان كونيل-Ian Connell»، أنه بالإضافة إلى فهم فوائد أدوات الذكاء الاصطناعي، يجب على المدارس مراقبة جودة المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة تلك الأدوات.

تُظهر الأبحاث السابقة أن عدداً كبيراً من نماذج اللغة قادرةٌ على خلق محتوى يؤذي بعض الأشخاص، مثل من نطلق عليهم ذوي البشرة الملونة، النساء، الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والمسلمين. يقول كونيل أنه نظرًا لأن 90% من الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس التي تعمل مع صندوق تمويل تنمية المدرسة المستقلة، يُعتبرون أشخاصًا ملوَّنين، «إن بقاء الإنسان على اطِّلاع بما يحدث يُعدُّ أكثر أهمية، لأن بإمكانه سريعاً أن يُنتج محتوى ليس من القبول وضعه أمام الأطفال».

تقول «أبريل جوبل-April Goble» المديرة التنفيذية لمجموعة المدارس المستقلة (KIPP) في شيكاغو، والتي تضم العديد من الطلاب من ذوي البشرة الملونة، أن فهم المخاطر المرتبطة بدمج الذكاء الاصطناعي في المدارس والفصول الدراسية، يُعدُّ قضيةً مهمةً لأولئك الذين يحاولون التأكد من أن الذكاء الاصطناعي يساعد الطلاب بدلًا من إيذائهم. وتقول أن الذكاء الاصطناعي لديه «تاريخٌ من التحيُّز ضدَّ المجتمعات التي نخدمها».

في الأسبوع الماضي، أنشأ الاتحاد الأمريكي للمعلمين، وهو اتحاد عمَّالي للتربويين، لجنة لتطوير أفضل الممارسات للمعلمين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ومن المُقرَّر صدور المبادئ التوجيهية في ديسمبر. يقول رئيسها «راندي وينجارتن-Randi Weingarten»، أنه على الرغم من أن المعلمين يمكنهم تعلُّم كيفية تسخير قوة الذكاء الاصطناعي وتعليم الأطفال كيفية الاستفادة منه أيضًا، إلا أنه لا ينبغي للتكنولوجيا أن تحلَّ محلَّهم، ويجب أن تخضع للتنظيم لضمان الدقة والإنصاف وإمكانية الوصول. «الذكاء الاصطناعي التوليدي هو “الحدث الكبير” في فصولنا الدراسية، ولكن يحتاج المطورون إلى مجموعةٍ من الضوابط والتوازنات حتى لا يصبح مشكلتنا الكبيرة التالية».

من السابق لأوانه معرفة الكثير عن كيفيَّة تأثير استخدام المعلمين للنص التوليدي على الطلاب وما يمكنهم تحقيقه. يشعر فنسنت ألفين، المحرر المشارك لمجلة أبحاث تربوية عن الذكاء الاصطناعي وأستاذ في جامعة كارنيجي ميلون، بالقلق بشأن قيام المعلمين بتعيين مهامٍ دقيقةٍ لنماذج اللغة مثل وضع الدرجات، أو كيفية معالجة المشكلات السلوكية لدى التلاميذ، حيث يمكن أن تكون المعرفة حول تلميذٍ معين مهمة. ويقول: «إن النموذج اللغوي لا يعرف التلاميذ كما يعرفهم معلموهم». كما يبدي قلقه من المعلمين الذين يعتمدون كليًا على تلك النماذج، ويقومون بتمرير المعلومات دون السؤال عن النتيجة. تقول «شانا وايت-Vincent Aleven»، وهي معلمة سابقة تقودُ مشروع العدالة والأخلاق التقنية في مركز كابور، وهي منظمة غير ربحية تركِّز على تحقيق المساواة في التكنولوجيا، أن المعلمين يجب أن يتعلموا عدم أخذ ما يقدمه لهم الذكاء الاصطناعي على محمل الجد. خلال ورشة تدريبية لمعلمي مدرسة Oakland Unified School District هذا الصيف، اكتشف المعلمون الذين يستخدمون ChatGPT لتحضير خطط الدروس أخطاءً في مُخرجاته، تشمل عدم ملاءمة النص لتلاميذ الصف السادس، والترجمات غير الدقيقة للمادة التعليمية من الإنجليزية إلى الإسبانية أو الفيتنامية.

يقول «أنتافيس سبيلز-Antavis Spells» مدير مدرسة مقيم في KIPP في شيكاغو، والذي بدأ باستخدام AI MagicSchool منذ ستة أسابيع، أنه نتيجةً لعدم توافر المصادر والمادة التعليمية المتعلقة بها، يُفضِّل بعض المعلمين ذوي البشرة الملونة واللاتينيين، استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في فصولهم الدراسية. فهو لا يشعر بالقلق تجاه المعلمين الذين يعتمدون كليًا على النماذج اللغوية. بالعكس، إنه يشعر بالسعادة كيف أن هذه الأداة توفِّر عليه الوقت، وتجعله حاضرًا في المناسبات الرياضية لابنته. ليس ذلك فقط، بل يُسعده أيضًا كيف أن هذه الأداة تساعده وبشكلٍ سريعٍ على خلق محتوى يمنح تلاميذه الشعور بالانتماء.

في أحد الأيام قبل ثلاثة أسابيع، تلقَّى سبيلز رسالةً نصيةً من إحدى الأمهات التي كانت تُعدُّ ألبومًا من الصور لعيد ميلاد ابنها، وطلبت منه المشاركة ببضع كلمات. استجاب سبيلز للرسالة بنسخة مخصصة من الأغنية المفضلة لابنها “Put On”، من تأليف «يونغ جيزي-Young Jeezy» و«كاني ويست-Kanye West»، والتي تحتوي على مجموعة من الصفات لوصفه.

يقول سبيلز: «لقد أرسلت ذلك إلى الأم التي أجابتني برموز البكاء التعبيرية. .. فقط لأرى الفرحة التي جلبتها للعائلة. .. ربما استغرق الأمر مني أقل من 60 ثانية للقيام بذلك». تُخطط KIPP Chicago للبدء في الحصول على تقييم من أولياء الأمور، وتعميم استخدام MagicSchool على المزيد من المعلمين في شهر أكتوبر.

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق لغوي: خلود يوسف
  • المصادر: 1