ولادة ثقب أسود جديد تسبّبت في ألمع انفجار يُشاهَدُ في الفضاء على الإطلاق!
رصد العلماء انفجارًا غيرَ مسبوقٍ في الفضاء، أضاء السماء بأكبر درجةِ لمعان رأيناها على الإطلاق، بسبب حمولة نفّاثة تحوي كميّاتٍ هائلة من اللبّ الداخليّ للنجوم المتفجرّة في طريقها مباشرةً نحو الأرض.
أُكتُشِفَ، في أكتوبر من العام الماضي، انفجار أشعّة غاما المحدّد باسم GRB 221009 A، وكان ذا درجة سطوع قصوى، واجهت معدّات الرصد صعوبةً بالغةً في قياسها. لكن عند وصول أولى مؤشرّات الانفجار، سارع العلماء إلى توجيه التلسكوبات في اتّجاهه، وعند جمعهم بيانات وفيرة، اكتشف فريق دولي من العلماء أخيرًا كيف ولّد المستعر الأعظم مثل هذا الانفجار القويّ.
يُعدّ انفجار GRB 221009 A، الملقّب بالقارب (BOAT) اختصارًا لعبارة “الألمع في تاريخ ملاحظاتنا”، ناتج موت نجم ضخم على بعد ما يقارب 2.4 مليار سنةٍ ضوئيّة، ثم انهياره بعد قذف غلافه الخارجي ليصبح ثقبًا أسود. وقد احتوى انفجار أشعّة غاما الناتج عن هذا الانهيار على حمولة نفّاثة مكثّفة ومنظّمة محاطة بهالة شاسعة من الغاز.
وقد أتت الهالة الغازيّة على نحوٍ غير متوقع؛ إذ تتنبّأ النماذج الحاليّة بأنّ الانفجار ينتج عنه حمولة نفّاثة فقط. وأثّرت النتائج حتمًا على فهمنا لطريقة تكوين الثقوب السوداء وطريقة حدوث ألمع الانفجارات في الكون.
يقول عالم الفلك بريندان أوكونور من جامعة جورج واشنطن، المشارك الرئيسيّ في الورقة البحثيّة الجديدة: “يمثّل انفجار GRB 221009 A خطوةً هائلةً متقدّمةً في فهم انفجارات أشعّة غاما، ويوضّح أنّ الانفجارات الأكثر تطّرفًا وشدّةً لا تمتثل للفيزياء القياسيّة المتعلّقة بانفجارات أشعّة غاما المعتادة”.“قد نعتبر GRB 221009 A وكأنّه حجر رشيد فيما يخصّ دراسة انفجارات أشعة غاما GRBs طويلة الأمد، ويدفعنا ذلك إلى مراجعة نظريّاتنا القياسيّة حول كيفيّة تكوين الهالات الغازيّة النسبيّة عند انهيار النجوم الضخمة”.
تُعدّ انفجارات أشعّة غاما من أقوى الانفجارات التي شوهدت في جميع أرجاء الكون، وتحدث بطرقٍ عديدة؛ تحدث انفجارات أشعّة غاما طويلة الأمد، مثل GRB 221009 A، بسبب موت أحد النجوم الضخمة التي تدور حول نفسها بسرعةٍ كبيرةٍ.
عندما تصل إلى نهاية دورة حياتها، فإنّ نوى هذه النجوم، التي لم تعد مدعومة بضغط الانصهار الخارجيّ، تنهار تحت تأثير الجاذبيّة لتشكيل جسم فائق الكثافة، مثل الثقب الأسود. ويتزامن ذلك مع قذف الغلاف الخارجي للنجم بعيدًا في انفجارٍ ضخمٍ بفعل المستعر الأعظم.
لم تتضّح فورًا ماهيّة ما ننظر إليه عند حدوث انفجار GRB 221009 A، على الرغم من أنّ مدّته الطويلة تشير إلى وجود مستعرٍ أعظم. لكنّ القوّة الهائلة للانفجار –ما يصل إلى 18 تيرا إلكترون فولت، وهو رقمٌ غير مسبوق على الإطلاق– كانت محيّرةً حقًا، ولم يزدد اللغز تعقيدًا إلّا مع استمرار العلماء في الكشف والتحليل.
نحن نعلم أن انفجارات أشعّة غاما -تأتي مصحوبة بحمولات نفّاثة، وهي عبارة عن عمودين متماثلين من المواد يخرجان في اتّجاهين متقابلين من جسم النجم المنهار، تحمل موادًا بسرعات نسبيّة؛ أي تُقَدَّر بقيمٍ تقترب من سرعة الضوء. كذلك نعلم أيضًا أن هذه الحمولات النفّاثة تبدو أكثر لمعانًا حين تكون في نفس اتجاه كوكبنا؛ مثل التحديق مباشرةً في شعاع مصباحٍ يدويٍّ من مكانٍ يقابله في زاويةٍ معيّنة.
لقد توصّل العلماء بالفعل إلى استنتاجٍ مفاده أنّ حمولة انفجار GRB 221009 A كانت موجّهةً إلى الأرض، ولكنّ الوهج اللاحق للانفجار كان لا يزال بعد مرور عدّة أشهرٍ لامعًا. وهذا يدلّ على أنّها ليست مجرّد حمولة نفّاثة مكثّفة من الانبعاثات، بل ثمّة شيئا آخر كان يحدث.
تشير تحليلات الفريق إلى أنّ شيئًا آخر كان يحدث، ألا وهو خروج كميّةٍ كبيرةٍ من مكونات الغلاف الخارجيّ لنجمٍ ما وقذفها للخارج على هيئة حمولات نفّاثة تندفع بقوّةٍ في خطٍّ مستقيم.
يوضّح عالم الفيزياء الفلكيّة، هندريك فان إيرثين، من جامعة باث في المملكة المتحدة، قائلًا: “تحتاج حمولات انفجار أشعّة غاما GRB إلى المرور عبر النجم المنهار الذي تشكّلت فيه”.“ما نعتقد أنّه صنع الفارق في رصد هذه الحالة هو مقدار الدمج الذي حدث بين مواد النجم والحمولة النفّاثة، بحيث ظلّ الغاز المسخّن صدميّاً يظهر في مرمى بصرنا حتى النقطة المطلوبة، والتي عندها من الممكن لأيّة سمةٍ تدلّ على الحمولة النفّاثة أن تضيع في الانبعاثات الكليّة التي تحصل بعد الانفجار”.
يمكن أن تساعد هذه النتائج في تفسير انفجارات أشعّة غاما السابقة واللامعة بشكلٍ استثنائي، حتى وإن لم تمتلك نفس أثر الحمولة النفّاثة. يمكن أن تتكوّن هذه الانفجارات أيضًا من حمولة نفّاثة مكثّفة في اتّجاهنا، حيث تدفع اللبّ الداخلي للنجوم المنفجرة معها خارجًا.
يقول أوكونور: “إنّ انفجار GRB 221009 A طويل الأمد بشكلٍ استثنائي هو ألمع انفجارٍ لأشعّة غاما GRB تمّ تسجيله على الإطلاق، كما أنّ الوهج الصادر منه يحطّم جميع الأرقام القياسية على مستوى جميع الأطوال الموجيّة”.
“ولأنّ هذا الانفجار لامع للغاية وتمّ رصده من مسافةٍ قريبةٍ نسبيًا، نعتقد أنّ هذه فرصة لا تتكرّر إلا مرّةً واحدةً كلّ ألف عامٍ لنتمكّن من الإجابة عن بعض الأسئلة الأساسيّة فيما يتعلق بهذه الانفجارات، بدءًا بكيفيّة تكوين الثقب الأسود وانتهاءً باختبارات نماذج المادّة المظلمة”.
نُشِرَت الدراسة في مجلّة ساينس أدفانسيس.
- ترجمة: هبة الزبيبي
- تدقيق لغوي: سفوك حجي
- المصادر: 1