هل يملك الذكاء الاصطناعي وعيًا؟

لطالما أتحفنا الخيال العلمي بالأفكار عن الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن أن يصبح واعيًا. كيف لا ونحن شهدنا تحول الحاسوب الخارق هال 9000 لشرير في فلم الملحمة الفضائية «2001: A Space Odyssey». وما كان خيالًا بات واقعًا، فبعد التطور السريع للذكاء الاصطناعي فرض علينا الواقع أن فكرة تحول هال 9000 تصبح يومًا بعد يوم أقل خيالًا وهذا ما أبانه معظم رواد الذكاء الاصطناعي. ففي السنة الماضية قال يليا سوتسكيفر lya Sutskever، وهو رئيس العلماء في مؤسسة OpenAI المسؤولة عن تطوير ChatGPT، في منشور له على منصة X: «قد تملك بعض شبكات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا جزءًا من الوعي».

صرح العديد من الباحثين أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تصل إلى نقطة الوعي حتى الآن، ولكن قادهم التطور السريع إلى التساؤل: كيف سنعرف أن هذه الأنظمة تملك وعيًا أم لا؟ في هذا المسعى قدم فريق يضم تسعة عشر باحثًا منهم علماء أعصاب وفلاسفة وعلماء حاسوب، قائمة من المعايير تتحقق من ما إذا كان النظام المعني يملك فرصة مرتفعة ليكون واعيًا. وقد نشر الفريق دليلًا مؤقتًا عن المعايير في مستودعات أرشيف arXiv. وكما أشار الفيلسوف والمؤلف المشارك روبرت لونغ Robert Long عن سبب الدراسة قائلًا: «لقد بدى لنا أن هنالك شحة في التفاصيل النظرية والعلمية عن وعي الذكاء الاصطناعي».

وأوضح الفريق أن فشل التعرف على الأنظمة الواعية له توابع أخلاقية كبيرة. فوفقًا لعالمة الأعصاب والمؤلفة المشاركة في الدراسة من جامعة كاليفورنيا، ميغان بيترز Megan Peters: «لو نال شيء ما الوعي فإن هذا وبكل تأكيد سيغير الكثير في طريقة تعاملنا مع هذا الشيء». كما أشار لونغ إلى قلة الجهود المبذولة من قبل الشركات الرائدة في أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتقييم الوعي في الأنظمة ووضع خطط في حال تملك إحداها الوعي، مضيفًا بالقول أنك لو استمعت واقعًا لقادة المختبرات الرائدة عن رأيهم في ما لو تملك الذكاء الاصطناعي الوعي فإنهم سيقولون وعلى حد سواء: «نشك في ذلك».

تباحثت دورية Nature الأمر مع كل من شركة مايكروسوفت Microsoft وشركة جوجل Google لكونهما ضمن الشركات الأكثر تقدمًا في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ صرح المتحدث الرسمي لمايكروسوفت أن هدف الشركة من تطوير الذكاء الاصطناعي هو النهوض بالإنتاجية البشرية بطريقة محكمة، بدلًا من استبدال الذكاء البشري، مضيفًا أنه من الواضح بعد تقديم GPT4، النسخة الأكثر تقدمًا من بوت المحادثة ChatGPT، أصبح لدينا منهجيات جديدة لتقييم قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي والتحقق من إنجاز ذكاء اصطناعي عالي الإمكانات لإفادة المجتمع البشري ككل، لكن جوجل امتنعت عن الرد.

ما الوعي؟

يمثل فهم معنى كون الشيء واعيًا أحد التحديات القائمة لدراسة الوعي في الذكاء الاصطناعي. وتتمثل جهود البحث بالتركيز على الوعي الظاهري Phenomenal Consciousness أو كما يعرف بالتجربة الذاتية، والمهتم بدراسة ماذا يعني أن يكون الشيء بشرًا أو حيوانًا أو حتى نظام ذكاء اصطناعي ذو وعي. وقد صيغت العديد من النظريات في علم الأعصاب والتي تفسر الوعي من الناحية الحيوية ولكن لا اتفاق على من هو الأصح. وفي هذا الصدد استخدم مؤلفو الدراسة مجموعة من نظريات علم الأعصاب لوضع الأساس النظري لدراستهم. والحبكة هنا هي في حال كان نظام الذكاء الاصطناعي يطابق في عمله العديد من المفاهيم ضمن هذه النظريات فإن له احتمالية عالية ليكون واعيًا.

جادل الباحثون بأفضلية هذا النهج في تقييم الوعي على أن تضع ببساطة النظام في اختبار سلوكي. يمكنك التأكد من هذا في ما لو سألت ChatGPT عما إذا كان يملك وعيًا أو حتى تحداه وسترى كيف يرد بمثالية. هذا لأن الذكاء الاصطناعي أصبح وبشكل مبهر مقلدًا للبشر. وصف الباحثون هذا النهج ب«النظرية المُثقلة Theory-Heavy» وهو الطريق المأمول وفقًا لعالم الاعصاب أنيل سيث Anil Seth، مدير مركز علوم الوعي بجامعة ساسكس بالقرب من برايتون بالمملكة المتحدة، مسلطًا الضوء على الحاجة لنظريات دقيقة ومؤكدة تجريبيًا لوصف الوعي.

منهج النظرية المُثقلة

فرض مؤلفو الدراسة أن الوعي مرتبط بكيفية معالجة النظام للمعلومات سواءً كان النظام عصبيًا أو مكون من رقاقة كمبييوتر أو شيء آخر لغرض تطوير المعايير اللازمة للتقييم، في ما يعرف ب«الحوسبة الوظائفية Computational Functionalism». وفرضوا أيضًا إمكانية تطبيق نظريات علم الأعصاب عن الوعي على الذكاء الاصطناعي والتي دُرِسَت في الإنسان والحيوان عن طريق مسح الدماغ والتقنيات الأخرى. اختار الفريق ست نظريات من علم الأعصاب بناءً على فرضياتهم واستخرجوا منها قائمة من مؤشرات الوعي. إحدى النظريات هي نظرية مساحة العمل الشمولية Global Workspace Theory والتي تنص على أن البشر والحيوانات الأخرى تستخدم العديد من الأنظمة المتخصصة والمسمى ب«النماذج Modules» لأداء مهام إدراكية مثل الرؤية والسمع.

تعمل هذه النماذج مستقلةً، وعلى التوالي، وتتشارك المعلومات من خلال التكامل في نظام واحد. كما صرح لونغ أن الشخص قادر على تقييم ما إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي يخضع لإحدى مؤشرات الوعي ضمن النظرية عبر النظر إلى بنية النظام وكيف تتدفق المعلومات خلاله. وقال سيث منبهرًا بشفافية مقترح الفريق: «كما يظهر أن النهج مدروس جيدًا، لا مُفَخم وذو افتراضات واضحة. رغم أني أخالف بعض الافتراضات إلا أن هذا لا ضر فيه، فقد أكون مخطأً».

لا زالت الدراسة بعيدة بعض الشيء عن كونها كاملة لتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولكن من الممكن تطبيق بعض المعايير على أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية مثل تقييم نماذج اللغات الكبيرة مثل ChatGPT إذ أظهرت بعض المؤشرات المرتبطة بنظرية مساحة العمل العالمية إمكانية تملكه الوعي. وختامًا، فإن الدراسة لم تبح بعد بالمرشح المحتمل من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، على الأقل حتى الآن.

مصطلحات

النظرية المُثقلة Theory-Heavy: في الشطرنج تعرف النظرية المُثقلة في الافتتاح أنها ذات خطة مدروسة جيدًا ولها عمق فكري كبير كما يجب معرفة الخطوات الصحيحة مسبقًا والالتزام بنسق واحد ولهذا اختار الباحثون تسمية منهجهم البحثي على وزن هذه الفكرة.

  • ترجمة: بهجت بن صبيح
  • تدقيق علمي ولغوي: بهاء كاظم
  • المصادر: 1