الجراثيم والجينات والتربة: حكايات عن مسببات الأمراض في الماضي
يوجه علماء الآثار اهتمامهم نحو ميكروبات العصور القديمة لإعطاء البكتيريا حقها في تاريخ البشرية.
سجلت أول حالة وباء لمرض الزهري في الجيش الفرنسي أثناء غزوه لنابولي عام 1495. ومن هناك، انتشر المرض بسرعة في أوروبا وهو ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي، ولكن من أين أتى أصلًا؟
لقد دفع توقيت تفشي المرض، من بين أدلة أخرى، بعض الباحثين إلى الإفتراض أن طاقم المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس حمل البكتيريا المسؤولة عن المرض معه -اللولبية الشاحبة Treponema pallidum- من الأمريكتين خلال المعابر عبر المحيط الأطلسي. ويقول كيرتو ماجاندر، عالم الآثار في جامعة بازل في سويسرا، أن البيانات الجديدة من الميكروبات والجينومات القديمة تثير الشكوك حول هذه النظرية.
عند أخذ عينات من عظام وأسنان من الأشخاص المدفونين في أوروبا في وقت قريب من رحلات كولومبوس وفي القرون التي تلتها.
اكتشف ماجاندر حالتين من مرض الزهري، إحداهما مثال على مرض ذي صلة يسمى الداء العليقي وعدوى واحدة ببكتيريا ذات صلة لم تعد متداولة. في ظل هذه الظروف، ظهرت سلالات T. pallidum، وكان هناك تنوع جيني شوهد في الهياكل العظمية المصابة، الموجودة في هولندا وفنلندا وإستونيا، وكلها بعيدة عن المكان الذي رسى فيه طاقم كولومبوس، مما يشير إلى أن هذه الكائنات الحية الدقيقة كانت موجودة في أوروبا قبل 1490. ومهما فعل كولومبوس وطاقمه، فإنهم قد يكونون أبرياء من جلب مرض الزهري إلى العالم القديم.
بغض النظر عن الفضول التاريخي، فإن حياة الميكروبات التي تتعايش مع الناس بشكل وثيق تتشابك مع قصص الإنسانية بطرق يعد من المهم الكشف عنها. يقول سيباستيان دوشين، عالم الأحياء الحسابي الذي يعمل على تطور الكائنات الحية للأمراض المعدية في معهد دوهرتي ملبورن أستراليا: “لقد أظهر لنا الوباء المستمر أننا حقًا بحاجة إلى فهم الأشياء الأساسية حول كيفية ظهور وتطور الأمراض المعدية مع مرور الوقت “.
تقول كيرستن بوس، عالمة الحمض النووي القديم في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزيغ، ألمانيا: ”إن استعادة قطع متسلسلة من الحمض النووي الذي يعود إلى هياكل عظمية عمرها قرون كان يبدو مستحيلًا قبل بضعة عقود فقط، لكن تسلسل الجيل القادم يتناسب تمامًا مع الخيوط القصيرة التي يمكن استرجاعها من الجينومات الميكروبية القديمة، والتي يبلغ طول بعضها 30 عقدة زوجية فقط.“.
وقد سمحت التقنيات للمحققين بتعين مسببات الأمراض للأمراض التي تم وصفها بشكل غامض في السجلات التاريخية السابقة، كما ساعد استخدامها على تتبع الأنشطة البشرية والهجرات تبعًا للميكروبات التي رافقتهم. وقد أكدت بوس وباحثون آخرون أن بكتيريا الطاعون، يرسينيا بيستيس، كانت بالفعل وراء جائحة الطاعون الثانية التي ظهرت من القرن الرابع عشر إلى القرن الثامن عشر، وطاعون جستنيان الذي بدأ في القرن السادس، وحتى الأوبئة التي تسبق أي سجلات مكتوبة للطاعون. كما تشير الجينومات القديمة إلى أن البكتيريا كانت تصيب البشر قبل أن تنتقل إليهم القدرة على إصابة البراغيث، وهي الآن تنتقل بالاتجاه المعاكس. لقد قام الباحثون بسلسلة الحمض النووي من ميكروبات الفم والتي تعود إلى عشرات الآلاف من السنين، وربما يستطيعون المضي قدمًا باستخدام العينات الصحيحة.
هذا العمل يتطلب إعدادًا دقيقًا للعينات المستخدمة وأدوات حسابية قوية، بالإضافة إلى الدراية للتمييز بين الجينومات القديمة الحقيقية وتلك الملوثات الحديثة. هناك أيضًا أسئلة أخلاقية تنشأ عندما يقوم العلماء، الذين معظمهم من الدول الغنية في نصف الكرة الشمالي، بالإعلان عن تفاصيل البيولوجيا الحميمة عن الشعوب القديمة في أجزاء أخرى من العالم. وفي الوقت نفسه، يواصل الباحثون دفع الحدود التقنية، والتعمق أكثر في التاريخ المتشابك للبشر والميكروبات.
تقول بوجا سوالي، عالمة الوراثة في جامعة كاليفورنيا ومعهد فرانسيس كريك في لندن: “إن كل هذه الأمراض لها قصص المسببات الخاصة بها، نحن نحاول فقط تجميعها معًا.”.
تجميع قصص الحمض النووي القليلة:
إن تجميع قصص الميكروبات القديمة غالبًا يبدأ من بقايا هيكل عظمي. إن حفنة من الأمراض، بما في ذلك الزهري والجذام، يمكن أن يترك بصماته على العظام، لذلك يستطيع العلماء المهتمين بتلك المسببات إستخراجها من عينة من الحمض النووي بحجم حبة البازلاء. وإلا فإن التجويف الداخلي للأسنان يعد مكانًا جيدًا للقيام بذلك حيث يغذي مجرى الدم لب الأسنان مباشرة، وهو محمي بشكل جيد بشكل عام على مر القرون. إن اهتمام العلماء بالبكتيريا الفموية أوالبراز المحفوظ، على الرغم من ندرته، قد يبدأ بشريحة من الأسنان، والذي يمكن أن يوفر أدلة على ميكروبيوم الأمعاء. وتقول كريستينا وارينر، عالمة آثار جزيئي حيوي في جامعة هارفارد وفي كامبريدج، وماساتشوستس: “حتى إن حاويات الطعام القديمة قد تحتوي على ميكروبات قد توفر أدلة حول النظام الغذائي”.
مهما كان مصدرها، فإن العينات القديمة غالبًا ما يتم مقارنتها بنظرائها في علم الجينوم الميكروبي الحديث. غالبًا ما كانت العظام والأسنان تستقر في التربة، الخبايا أو المتاحف لأجيال. المياه والحرارة تدمر الحمض النووي، لذلك كلما كانت الظروف البيئية أكثر برودة وجفافاً، كلما كان ذلك أفضل. وحتى مع تلك الظروف، يمكن للميكروبات الحديثة أن تتسرب إلى العظام مع مرور الوقت. وربما تعلق بالرفات عند التعامل معها من قبل علماء الآثار أو عند تخزينها في المتاحف.
لتجنب أي تلوث آخر عند تحضير عينات الحمض النووي القديم، يعمل الباحثون في غرف نظيفة شديدة التحمل ويستخدمون أنظف الكواشف الممكنة. إن مختبراتهم تشبه إلى حد كبير تلك المستخدمة لدراسة مسببات الأمراض المعدية بدرجة عالية، مثل الحمى الصفراء والسل، ولكنها صممت لحماية العينات بحد ذاتها أكثر من حماية العلماء أنفسهم. “نحن نمزح قائلين إننا ننظف أكثر مما نقوم به كتجارب وأبحاث علمية”، تقول لورا ويريش، عالمة الأحياء الدقيقة في جامعة ولاية بنسلفانيا.
صنع المثيلات:
إن تسلسل محتويات العينة بأكملها ينتج عنها ميتاجينوم، الذي هو عبارة عن مقتطفات من الشفرة الوراثية من العديد من الكائنات الحية، بما في ذلك المضيف البشري، والكائنات الحية الدقيقة ذات الاهتمام والملوثات الميكروبية. تقول ماريا سبيرو، عالمة الآثار في جامعة كاليفورنيا: “إذا كان العلماء يبحثون عن عامل ممرض معين فإنه سيشكل 1% فقط من الحمض النووي الميكروبي المطلوب أو حتى أقل، ولكن ما إن يحدد الباحثون عينة مصابة ببكتيريا معينة، فإنه بإمكانهم استخدام شرائح صغيرة من جينوم الكائن الحي كطعم لمعرفة المزيد من مادته الوراثية”.
يتعامل علماء الوراثة الميكروبية القديمة مع حالات نادرة.
تقول ميريم جوليل، عالمة الحفريات الجينية في جامعة فيينا: “في بعض الأحيان لا يوجد سوى ما يكفي من المواد لتسلسل الجينوم مرة واحدة” وهذا يترك مجالًا كبيرًا للخطأ، ولذلك يتم إعادة تسلسل الجينوم الكامل الحديث 30 مرة أو أكثر. بسبب هذه الإعادة غير المكتملة للجينومات القديمة، يقول دوشين: “علينا أن نكون حذرين للغاية بشأن كيفية تفسير نتائجنا”.
والآن بعد أن أصبح لديهم التسلسل في متناول اليد، يمكن للباحثين محاولة مطابقتها مع تلك من الميكروبات المعروفة. هناك منهجية معروفة تتضمن برنامجًا يسمى MALT ولكن بسبب وقت الحوسبة المكثف والطويل، فإن العديد من أعضاء المجتمع يعتمدون خوارزميات أسرع، مثل برنامج كراكن. يقوم هذا البرنامج بتقطيع الجينومات والعينات إلى أجزاء صغيرة بطول k (تسمى k-mers، يبلغ طولها حوالي 30 عقدة)، ويتم البحث عن التطابق بين الاثنين.
يفترض كل من MALT وKraken أن مثيل الأنواع في العينة القديمة موجود في مكتبات الجينوم الحديثة، ولكن هذا الافتراض كبير، حيث تشير إحدى التقديرات إلى أن حوالي 2% فقط من الجينومات من البكتيريا وبدائيات النوى الأخرى كانت متسلسلة.
البديل، هو تخطي خطوة المطابقة وتجميع الأجزاء في الجينوم من الصفر. وهذا يتطلب تغطية تسلسلية عميقة، ولكن وفقًا لوارينر، “لا يزال الأمر يسمح لنا بالعثور على أنواع لم تكن موجودة وموصوفة، كما تسمح لنا بالعثور على الجينات التي لم يتم وصفها”. على سبيل المثال، وفي وقت سابق هذا العام، ذكرت وارينر ومعاونوها أنهم أعادوا بناء جينومات 459 بكتيريا من أسنان النياندرتال والإنسان العاقل، ويعود تاريخها إلى أكثر من 100.000 عام.
مثل هذا التحليل يحتاج إلى عناية وخبرة، لأن الأخطاء الشائعة قد تكون كثيرة. على سبيل المثال، سيكون من السهل الخلط بين متفطرة السل، البكتيريا المسببة لمرض السل، مع واحدة من العديد من مثيلاتها (والغير ضارة) التي تعيش في العظام والموجودة في تلك التربة دفنت فيها. أحد الأدلة الرئيسية على صدق النتائج هو أنه يجب أن تكون الجينومات القديمة متضررة بشدة، في حين أن تلك الملوثات الحديثة عادة ما تبرز على أنها نقية بشكل غريب. هذا يعود إلى تحطم الحمض النووي بشكل بطيء على مر القرون، مع وجود خيوط مفردة معلقة على طرفي القطعة. في كثير من الأحيان، يمكن فقدان مجموعات الأمين، قواعد السيتوزين العارية، ويتحول السيتوزين إلى اليوراسيل، والذي لا يوجد عادة في الحمض النووي.
في بيانات التسلسل، سوف تظهر اليوراسيل مثل الثيمين، قاعدة الحمض النووي المقابلة في أي من طرفي القطعة. يمكن لأداة حسابية تسمى MapDamage أن تساعد في تتبع هذه الأنماط.
لقد قام متخصصون في الجينوم القديم ببناء مجتمع جماعي حريص على مساعدة هؤلاء الذين يفتقرون إلى هذه الخبرة الدقيقة، ويطلقون عليه الرسائل الاقتحامية SPAAM: المعايير والاحتياطات والتقدم في الميتاجينوميات القديمة. على سبيل المثال، يقول Swali، تتضمن مساحة عمل SPAAM Slack قناة تسمى “لا أسئلة غبية” لهؤلاء الذين يسعون للتعلم. مبادرة أخرى تدعى AncientMetagenomeDir، وهي عبارة عن كتالوجات البيانات المنشورة عن الجينومات القديمة مع جميع العلامات ذات الصلة، مثل أرقام وتواريخ الوصول إلى قاعدة البيانات.
دفع الحدود:
العمل مع الحمض النووي القديم يعني التعاون ليس فقط مع علماء الأحياء الجزيئية الآخرين، ولكن أيضًا مع أمناء المتاحف، والمؤرخين، وحتى الأقارب المعاصرين للشعب قيد الدراسة. مثل هذا التعاون يمكن أن يثري إلى حد كبير التحقيقات، يقول سبايرو. على سبيل المثال، أثناء التحقيق في Y. بيستيس في مقبرتين من القرن الرابع عشر في قيرغيزستان، تعاون سبيرو مع فيليب سلافين، العالم الذي نصب نفسه من الماضي في جامعة ستيرلينغ بالمملكة المتحدة.
درس سلافين شواهد القبور، ومذكرات من الحفريات في القرن التاسع عشر والعلاقات التجارية للمجتمع مع الآخرين في أجزاء من أوراسيا، وهذه تفاصيل أضافت أهمية لسياق علم الوراثة عندما نُشر العمل في مجلة Nature في عام 2020.
“الأمر لا يتعلق فقط بدراسة الجينومات المسببة لهذه الأمراض أو الجينومات الخاصة بهؤلاء الناس”، يقول سبايرو: “الأمر يتعلق أكثر بإعطاء الصورة الكاملة.”.
تتضمن الصورة الكاملة أناسًا حقيقيين عاشوا، وعملوا، وأحبوا، وغادروا، وتركوا أحفاداً وراءهم حيث ينسى العلماء ذلك أحيانًا كما تحذر ماريا أفيلا أركوس، عالمة الحفريات الجينية في الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك في جوريكيلا.
تشعر أفيلا أركوس بالقلق من وجود العديد من المختبرات التي تقوم بالأعمال المكثفة والمكلفة لتحليلات الحمض النووي القديم والتي تتركز في الدول الغنية. لكن البعض يدرس عينات من الدول الأقل نموًا ويجني ثمار نشر الروايات التاريخية على حسابها. وتقول أفيلا أركوس “إنهم لطفاء لإستخراج العينات القديمة التي هي جزء من التراث الوطني، وتجهيزها، وإعدادها لتوليد مئات أو آلاف الجينومات القديمة والحصول على النتائج، دون أي فائدة حقيقية للمؤسسات المحلية، أو الباحثين، أو المجتمعات التي يتم أخذ العينات منها”.
بدلاً من الانقضاض لجمع العينات، تقول أفيلا أركوس أن العلماء أنفسهم ينبغي أن يتعاونوا مع الباحثين المحليين، الذين ربما يكون لديهم فهم أفضل لثقافة المنطقة. كما تنصح الباحثين بتوخي الحذر بشأن كيفية صياغتهم الاستنتاجات، لتجنب وصم بعض المجموعات. على سبيل المثال، قام فريقها بدراسة مسببات الأمراض وراء الأوبئة التي حدثت في الأرض المعروفة الآن باسم المكسيك خلال العصر الاستعماري. وكانت الجينومات التي اكتشفتها مرتبطة بسلالات فيروس التهاب الكبد B والفيروس الصغير B19 الذي اكتشفه الفريق أنه ربما جاء إلى البلاد من إفريقيا كنتيجة لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وقد كانت حريصة في ورقة البحث المقدمة على التأكيد على أن انتشار الوباء مرتبط بالتجارة أكثر من ارتباطه بأفعال الأفراد الذين تم استعبادهم.
وفي الدراسات التي تتضمن بقايا أحدث، قد يكون لدى الأقارب أو الأحفاد مخاوف حول ماهية النتائج التي ينبغي نشرها، كما يقول ويريش. على سبيل المثال، إذا كانت العينات تحتوي على دليل على وجود مرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي، قد يشعر الأحفاد بالقلق من أن الإعلان عن هذه الحقيقة من شأنه أن يوصم أسرهم بالعار. لذا من المهم التشاور مع السكان المحليين وممثليهم قبل جمع العينات وبعد الحصول على النتائج. على سبيل المثال، في مشروع يتضمن تحليل عينات الأسنان في بولينيزيا الفرنسية، قامت ويريش بالعمل مع المنظمات المحلية مثل دائرة الثقافة والتراث، ومتحف تاهيتي والجزر للتعرف على الأهداف والمخاطر المشتركة، ومعرفة كيف يفكر السكان المحليين، وعلى هذا الأساس يتم نشر النتائج ومشاركتها.
يقول وارينر إن هناك عنصرًا آخر من الممارسات الأخلاقية، وهو التفكير في نشر البيانات الأولية. وهذا مهم لأنه يساعد العلماء على الحصول على أقصى قدر ممكن من المعلومات من كل جزء من الأسنان أو العظام التي يتم تحليلها في المختبر، ولا تضيع أي عينة قديمة سدى. على سبيل المثال، إن اهتمام العلماء بجينومات الإنسان القديم قد يجعلهم يتجاهلون البيانات الموجودة عليها الجينات الميكروبية، ، ولكن تلك البيانات نفسها يمكن أن تكون ذات فائدة للباحثين الآخرين. مثال، تم استخدام بيانات التسلسل الخام المأخوذة من دراسة أجريت على السكان في العصر البرونزي للتعرف على سبع حالات من الطاعون Y pestis وعلاقتها بالبشر والذي يعود إلى ما لا يقل عن 5000 سنة مضت.
بينما يواصل العلماء التقدم التقني، سوف تصبح هذه الاعتبارات الأخلاقية أكثر أهمية. على سبيل المثال، أحرز الباحثون الآن تقدمًا في الفيروسات المعتمدة على الحمض النووي، مثل التهاب الكبد B والجدري، وتلك لديها جينومات أصغر بكثير من البكتيريا. الفيروسات ذات جينومات حمض نووي ريبي RNA هش تعد أكثر تحديًا للعلماء، لكنهم استطاعوا استخراج الأنفلونزا والحصبة من عينات لرئة محفوظة يعود تاريخها إلى أكثر من قرن. حتى أن الباحثين بدأوا في استخدام التسلسلات القديمة لإحياء البروتينات القديمة. على سبيل المثال، استخدم فريق وارينر الجينات الميكروبية من العصر الحجري القديم، وقاموا بتسلسلها، وأنشؤوا اثنين من البروتينات التي تولد مستقلبات غير معروفة سابقًا، أطلقوا عليها اسم “باليوفوران”.
يتكهن المؤلفون بأنه ربما كانت هذه الجزيئات مسؤولة عن تنظيم التمثيل الضوئي البكتيري.
تقول بوس أنها في كل مرة تعتقد أن باحثي الحمض النووي القديم قد تعمقوا في هذا الأمر، تظهر ورقة بحث جديدة تثبت خطأها.
“لا أريد وضع أي قيود قوية على مدى ما بعد ما يمكننا أن نذهب إليه”، تقول: “نحن نقوم باختبار حدود ما نستطيع في الواقع الوصول إليه باستمرار من خلال الجزيئات القديمة التي كانت محفوظة على مر الزمن.”.
وكل جزء من المعلومات يساعد. على سبيل المثال، ماجاندر حريص على معرفة المزيد حول انتشار مرض الزهري وما يتصل به من مسببات الأمراض في أوائل العصر الحديث. وصف الأطباء منذ القرن الثامن عشر فصاعدًا مرض الزهري بأنه مرض “مدمر بالخطيئة” للمراكز الحضرية، فهل كان هذا صحيحاً؟ يعتقد ماجاندر أن انتشار انتقال العدوى من الأم إلى الطفل أثناء الحمل يمكن أن يكشف أيضًا عن أدلة حول هيكل الأسرة ومكانة المرأة في الماضي. على الرغم من أن حفنة فقط من جينومات مرض الزهري التاريخية متاحة الآن، يمكن لمزيد من التسلسلات أن تسلط الضوء على كيفية ظهور الجينوم وانتقال العامل الممرض وأثره على حياة الناس. ففي نهاية المطاف، لا تتواجد الميكروبات بمفردها، فتاريخها غالبًا ما يكون تاريخ البشرية، وماجاندر وعلماء آخرون يسعون إلى اكتشاف تلك الجينومات كلاً على حدة.
- ترجمة: عبير ياسين
- تدقيق لغوي: سفوك حجي
- المصادر: 1