تكهنات الانقراض الجماعي:

من المرجح أن تقضي الحرارة الشديدة على البشر والثدييات في “الضربة الثلاثية”.

حذّرت دراسةٌ رائدة من حدوث انقراض جماعي وشيك بسبب مستويات الحرارة العالمية غير المسبوقة، مما قد يعرض جميع الثدييات تقريباً للخطر خلال حوالي 250 مليون عام.

تتنبأ الدراسة بانقراض جماعي للثدييات خلال 250 مليون سنة بسبب الحرارة الشديدة الناتجة عن تكوين قارة عملاقة. يسلّط البحث الضوء على المزيج القاتل المكون من الشمس مرتفعة السخونة، وزيادة مستويات ثاني أوكسيد الكربون، والتأثيرات القارية، مما يؤكد على أهمية تخطيطات الكتلة الأرضية في تقييم قابلية الكواكب الخارجية للسكن.

من المرجح أن تؤدي الحرارة غير المسبوقة إلى الانقراض الجماعي التالي منذ حدوث انقراض الديناصورات، والذي أدى إلى القضاء على جميع الثدييات تقريباً خلال حوالي 250 مليون سنة، وذلك وفقاً لدراسة جديدة.

يقدم البحث الذي نُشِر في 25 سبتمبر في مجلة الطبيعة وعلوم الأرض Nature Geoscience بقيادة جامعة بريستول، أول نماذج مناخية حاسوبية عملاقة للمستقبل البعيد، ويوضح كيف ستشتد الظواهر المناخية المتطرفة بشكل كبير عندما تندمج قارات العالم في نهاية المطاف لتشكل قارة عظمى واحدة ساخنة وجافة وغير صالحة للسكن إلى حد كبير.

تُظهر صورة ما تبدو عليه جغرافية الأرض اليوم والجغرافيا المتوقعة للأرض بعد 250 مليون سنة، عندما تتقارب جميع القارات في قارة عملاقة واحدة (بانجيا ألتيما).

• المرجع: جامعة بريستول.

العوامل المساهمة في حدوث الحرارة المتطرفة:

توضح النتائج كيف سترتفع درجات الحرارة المرتفعة أصلاً إلى مستويات أعلى، حيث ستصبح الشمس أكثر سطوعاً، وتنبعث منها المزيد من الطاقة وتؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض. إن العمليات التكتونية، التي تحدث في قشرة الأرض وتؤدي إلى تكوين قارة عظمى، ستؤدي أيضاً إلى المزيد من الانفجارات البركانية المتكررة التي ستطلق كميات ضخمة من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يزيد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

لقد نجت الثدييات، بما في ذلك البشر، تاريخياً بفضل قدرتها على التكيف مع تقلبات الطقس، خاصة من خلال الفراء والسبات في البرد، بالإضافة إلى فترات قصيرة من السبات في الطقس الدافئ.

في حين أن الثدييات تطورت لخفض الحد الأقصى المسموح به للبقاء على قيد الحياة في درجة الحرارة الباردة، ظلّ تحملها لدرجة الحرارة العليا ثابتاً بشكل عام. وهذا يجعل من الصعب عليها التغلب على التعرض للحرارة المفرطة لفتراتٍ طويلة، كما أن عمليات المحاكاة المناخية إذا تحققت، ستثبت في النهاية على عدم القابلية للحياة.

الآثار المترتبة على الثدييات

قال المؤلف الرئيسي الدكتور ألكسندر فارنسورث، كبير الباحثين المشاركين في جامعة بريستول: “إن القارة العملاقة الناشئة حديثًاً ستخلق بشكل فعال ضربة ثلاثية، تشمل تأثير القاريّة، والشمس الأكثر سخونة، والمزيد من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وزيادة حرارة الكوكب لفترات طويلة”. والنتيجة هي بيئة قاسية غير صالحة للحياة في الغالب وخالية من مصادر الغذاء والماء للثدييات.

“إنّ درجات الحرارة المنتشرة على نطاق واسع والتي تتراوح بين 40 إلى 50 درجة مئوية، وحتى أقصى درجات الحرارة اليومية، المترافقة مع مستويات الرطوبة العالية، من شأنها أن تحدد مصيرنا في نهاية المطاف. سيموت البشر، إلى جانب العديد من الأنواع الأخرى، بسبب عدم قدرتهم على التخلص من هذه الحرارة من خلال العرق، وتبريد أجسادهم”.

على الرغم من أن التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري والاحتباس الحراري من المرجح أن يكون سبباً متزايداً للإجهاد الحراري والوفيات في بعض المناطق، فإن الأبحاث تشير إلى أنّ الكوكب يجب أن يظل صالحاً للسكن إلى حدٍّ كبير حتى تتغير الكتلة الأرضية الزلزالية في المستقبل البعيد. ولكن عندما تتشكل القارة العملاقة، تشير النتائج إلى أن ما بين 8% و16% فقط من الأراضي ستكون صالحة لحياة الثدييات.

معالجة أزمة المناخ الحالية

وقالت الدكتورة يونيس لو، المؤلفة المشاركة والزميلة البحثية في تغير المناخ والصحة في جامعة بريستول: “من المهم للغاية ألا نغفل عن أزمة المناخ الحالية التي نواجهها، والتي هي نتيجة لانبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وبينما نتوقع أن يصبح الكوكب غير صالح للسكن بعد 250 مليون سنة، فإننا نشهد اليوم بالفعل مستويات حرارة شديدة تضر بصحة الإنسان. ولهذا السبب من الأهمية بمكان الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في أقرب وقت ممكن.

المنهجية والتنبؤات المستقبلية

وقام الفريق الدولي من العلماء بتطبيق نماذج مناخية، ومحاكاة اتجاهات درجات الحرارة والرياح والأمطار والرطوبة للقارة العملاقة التالية، والتي تسمى بانجيا ألتيما، حيث من المتوقع أن تتشكل في ال 250 مليون سنة القادمة. ولتقدير المستوى المستقبلي لثاني أوكسيد الكربون، استخدم الفريق نماذج لحركة الصفائح التكتونية، وكيمياء المحيطات، وعلم الأحياء لرسم مدخلات ومخرجات ثاني أوكسيد الكربون.

قاد البروفيسور بنجامين ميلز من جامعة ليدز إجراءات حسابات ثاني أوكسيد الكربون المستقبلية، وقال: “نعتقد أن ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يرتفع من حوالي 400 جزء في المليون (ppm) اليوم إلى أكثر من 600 جزء في المليون بعد ملايين السنين في المستقبل. وبطبيعة الحال، يُفترض وفق هذا السيناريو أن البشر سوف يتوقفون عن حرق الوقود الأحفوري، وإلا فإننا سوف نرى هذه الأرقام في وقت أقرب بكثير.

وقال الدكتور فارنسورث، وهو أيضاً أستاذ زائر في نظام الأرض والبيئة والموارد في هضبة التبت (TPESER)، في الأكاديمية الصينية للعلوم لمعهد أبحاث هضبة التبت: “تبدو التوقعات في المستقبل البعيد قاتمة للغاية. يمكن أن تكون مستويات ثاني أوكسيد الكربون ضعف المستويات الحالية. ومن المتوقع أيضاً أن يزداد الإشعاع الشمسي بنسبة 2.5% تقريباً، وتقع القارة العملاقة بشكل أساسي في المناطق الاستوائية الحارة والرطبة، وقد يواجه جزء كبير من الكوكب درجات حرارة تتراوح بين 40 إلى 70 درجة مئوية.

“يسلط هذا العمل الضوء أيضاً على أن العالم الموجود داخل ما يسمى ب” المنطقة الصالحة للسكن “في النظام الشمسي قد لا يكون الأكثر ملائمة للبشر اعتماداً على ما إذا كانت القارات متناثرة، كما هي الحال اليوم، أو في قارة عظمى واحدة كبيرة”.

الصلة بأبحاث الكواكب الخارجية

بالإضافة إلى ذلك، يوضح البحث أهمية التكتونيات والتخطيطات القارية عند إجراء الأبحاث على الكواكب خارج نظامنا الشمسي، والتي تسمى الكواكب الخارجية. على الرغم من أن الأرض ستظل ضمن المنطقة الصالحة للسكن بعد 250 مليون سنة، إلا أن تكوين قارة عملاقة تحتوي على نسبة عالية من ثاني أوكسيد الكربون سيجعل معظم العالم غير صالح للسكن بالنسبة للثدييات. تشير النتائج إلى أن تخطيط مساحة الأرض لعالم بعيد يمكن أن يكون عاملاً رئيسياً عند تحديد مدى قابليته لحياة للبشر.

المرجع: “من المحتمل أن تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة إلى انقراض الثدييات البرية خلال تجمع القارة العظمى القادم” بقلم ألكساندر فارنسورث، واي تي يونيس لو، وبول جيه فالديس، وجوناثان آر بوزان، وبنجامين جيه دبليو ميلز، وأندرو إس ميرديث، وكريستوفر آر سكوتيز، وهانا آر. ويكفورد، 25 سبتمبر 2023، علوم الأرض الطبيعية.

شكل البحث جزءاً من مشروع ممول من قبل مجلس أبحاث البيئة الطبيعية للأبحاث والابتكار في المملكة المتحدة (UKRI NERC) الذي يبحث في مناخ القارات العظمى والانقراض الجماعي.

  • ترجمة: شادي استانبولي
  • تدقيق علمي ولغوي: حلا سليمان
  • المصادر: 1