حياة جنكيز خان أمير الحرب الذي لا يرحم والذي أنشأ أكبر إمبراطورية في العالم قبل 800 عام

قصة تولّيه سلطة منغوليا في سن صغير (امبراطور جديد وعالم مختلف).

في القرن الثاني عشر، ولِدَ طفلٌ لأحد أفراد عائلة ملكية منغولية تدعى (يسوغي). ووفقًا لما جاءت به الأسطورة، جاء الطفل إلى العالم وهو يحمل جلطة دموية في يده حيث أنها تُعتَبر علامة مُباركة في ذلك الوقت. كان الطفل يُدعى (تيموجين) على الرغمِ من أَن العالم عرفه باسم أخر وهو (جنكيز خان).

يُعتَقَد إِن هذا الاسم أو اللقب يعني “حاكم عالمي” حمل معه صرخات المعركة والدمار والمدن المنهوبة والحقول المحترقة حتى يومنا هذا. إن صورة (جنكيز خان) هي صورة دموية للقتلى الذين لا حصر لهم. ومع هذا، أنشأ (جنكيز خان) إمبراطورية من شأنها أن تمتد الى العشرات من دول العالم اليوم. لقد وحَّد الشعوب التي غزاها تحت سلطة واحدة، كانت هي أيضًا رائدة في مفاهيم العصر الحديث مثل التعداد والنظام البريدي والحرية الدينية.

(جنكيز خان) الذي لا يعرف الرحمة في معاركه كان قائدًا شغوفًا وقابلًا للتكيف، يبحث عن آراء جديدة ودمج أفكار أجنبية في فلسفته للحكم. كان يُفَكِّر مُسبقًا في التخطيط لمصير إمبراطوريته بعد وفاتهِ، فضلًا عن إحباط فوضى الصراع على السلطة. اليوم لا يتضمن إرثه تأثيرًا دائمًا على الجغرافيا السياسية الحديثة فحسب، بل يشمل أَيضًا سلالة وراثية واسعة الانتشار، حيث ما يقرب من واحد من كل 200 رجل اليوم من نسل (جنكيز خان).

إن قصة (جنكيز خان) تحمل في ثناياها الطموح والمشقَّة والقسوة، وفي نهايتها يتجلى نوع من النجاح الذي يصعب حتى الحلم به. نستطيع القول أن قصته لم تكن كأي شيءٍ على الاطلاق.

غزو منغوليا

إن حياة (جنكيز خان) معروفة إلى حدٍ كبير بسبب أَحد المصادر «التاريخ السري للمغول» وهو نَص كُتِب للعائلة المغولية المالكة بعد وفاة (جنكيز خان) على الرغمِ من أَن المؤلِف لا يزال مجهولًا. وعلى الرغم ذلك، من الصعب التحقق من الكثير من المعلومات الواردة فيه لا سيما تلك المتعلقة بحياة (خان) المبكرة.

وفقًا للنَص، قُتل والد (تيموجين) الشاب على يد أعداء قبيلته، وطُرِدَت العائلة وشُرِدَت في السهول، واضطرت الى أكل الحيوانات البرّية؛ للبقاءِ على قيدِ الحياة. ومن هُنا بَدَأً (تيموجين) في صُنعِ اسم لنفسهِ في سِنٍ مُبكر. في الوقت الذي قُتِل أخيه غير الشقيق، تولّى (تيموجين) السيطرة على الأُسرة. في إحدى الليالي، خُطِفت عروسه من قِبَل قبيلة مُنافسة، تحالفً (تيموجين) مع قبيلة قوية أُخرى وقاد قوة 20000 من الرجال لاستعادتها.

وبحلول عام 1206 كان (تيموجين) قد بسط سيطرته على أرجاء منغوليا، رغم ذلك لم يكن بالأمر السهل؛ لشدة النزعات بين العشائر. حصل (تيموجين) على لقب (جنكيز خان) من قِبَل شعبه في نفس العام، وبدأ بالتركيز على الخارج.

الفوز بالإمبراطورية

تَبَعَ ذلك حَملات عسكرية وانتصارات ضد الصين وغيرها في المنطقة التي كانت سبب في تحديد هوية (جنكيز خان) الامبراطور لبقية حياته. في البدايةِ، هَزمَ (جنكيز (مملكة التانغوت واحتلها، التي تُعرَف الآن بشمال غرب الصين. وفي عام 1215 اتجَّه إلى إمبراطورية جين الصينية القوية، ونهبَ عاصمتهم زونغدو (الواقعة في بكين الحديثة).

بدأ فُرسان المغول باستخدامِ سلاح فعّال للغاية في معاركهم كالأقواس والسهام من على خيولهم، وأثبت جيشهم التكيف على نطاق واسع كلما واجهوا تحديات جديدة، وتبنوا تكتيكات الحصار والمنجنيق والسلالم؛ لاجتياح المدن. هذا الانفتاح على التقنيات الجديدة كان من شأنه أَن يخدم (جنكيز خان) جيدًا كلما غامر بخوض معارك خارج منغوليا.

إِنَ الحَملات المتواصلة ضد سلالة (خوارزميان) في غرب آسيا وجزء من إيران في العصر الحديث، ستحتل جزء كبير من حياة جنكيز.

بدأت الحرب عندما بدأ (خوارزم شاه) بقتل وفد تجاري تابع للإمبراطورية المغولية، حيث أَدَّت الحرب في نهايةِ المطاف الى إخماد الحكم الخوارزمي وتوسيع حدود إمبراطورية الخان.

عُرِفَت الحملة أَيضًا بعنفها الشديد وبمعايير الحرب الخاصة (بجنكيز خان). نُهِبَت المدن وقُتِلَ ساكنيها ودُمِرَت الحقول وقنوات الري. ويُقال إِن القوات المغولية استخدمت الجنود الأَسرى؛ كدروعٍ عند حصار المُدن.

بعد عودته إلى الوطن في عام 1223 ترك (خان) الحرب جانبًا لبعض الوقت. حتى حملته الأخيرة في الصين هناك خلال حملة ضد إمبراطورية شي شيا، لقي الحاكم العالمي حتفه، وعلى الأرجح بعد أن أُلقيّ بهِ من على حصانه، ودُفِنَ في قبرٍ ومكانٍ غير معروفين.

إرث مُعقد

ترك (جنكيز خان) إمبراطورية هائلة عقب وفاته، وكانت الحملات اللاحقة لأبنائه وجنرالاته واسعة الحدود أكثر مما كانت عليه. امتدت الإمبراطورية المنغولية بين جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية في أقصى نطاقها وشملت مساحة حوالي تسعة ملايين ميل مربع. خلال حياته أشرف (جنكيز خان) أَيضًا على التقدم البيروقراطي مثل التعداد وإنشاء خدمة بريدية فعّالة لنقلِ الرسائل بسرعةٍ، فضلًا عن تطوير الكتابة الابجدية المنغولية.

منذ بداية حياته العسكرية، عزَّز الخان نظام الجدارة وقلب الطبقة الأرستقراطية التقليدية للسهول المنغولية. واستمرت هذه السياسة طوال فترة حكمه وبعد وفاته. كما روَّجَ (جنكيز خان) للحُريةِ الدينية، وحظر استخدام التعذيب في جميع أنحاء مملكته. وبعد وفاته عزَّزَت الإمبراطورية المغولية طرق التجارة والعلاقات الدبلوماسية؛ التي ساعدت في الحفاظ على قوتها وجلبت الأخبار والمعرفة من العالم الخارجي إلى آسيا.

على الرغم من أن (جنكيز) كان حاكمًا كفؤًا ونافعًا في بعض الأحيان، فلا أَحد يستطيع إنكار التأثير المروّع لفتوحاتِ جنكيز خان. فقد دُمِرَت المُدن وقُتِل سكانها، وأُلقِيَ اللوم على الغزو المغولي لإيران الحديثة بانحدار الحضارة الإسلامية هناك لقرون طويلة. كما يزعم البعض أَن ثقافة (شي شيا) قد تم إبادتها بشكلٍ أَساسي من قِبَل الجيوش المنغولية.

ترك (جنكيز خان) بصمتهِ الشخصية في العالم اليوم على شكلِ مجموعةٍ من الجيناتِ تُسمّى (النمط الفرداني) توجد بين حوالي 0.5 في المائة من الرجال اليوم. ينتشر هذا النمط الفرداني جغرافيًا على مدى الإمبراطورية المنغولية تقريبًا ويرجع تاريخه إلى حوالي ألف سنة مضت؛ مما دفع العلماء إلى الاعتقاد بأنهُ يُمثّل أَصل (جنكيز خان) نفسه.

ويعد هذا دليل قوي على تأثير (جنكيز خان) على العالم اليوم والقوة الدائمة للإمبراطورية المغولية، إلّا أن الارث الجيني يُذكرنا أيضًا بالطريقةِ التي نَشأ بها حاكم المغول. كان على (جنكيز خان) وأُسرته أن لا ينجبوا هذا العدد من الأطفال؛ ليسعنا التخلص من هذا الإرث الجيني. الجدير بالذكر، إن هؤلاء الأطفال جاءوا من أمهات كانوا على الأرجح من غنائم الحرب لجنكيز خان وأتباعه، ولا نستطيع التغافل أنهُ بمجرد أًن جاء الخان كان حكمه -وبكل تأكيد- يحمل الجيد والسيء.

  • ترجمة: احلام العبسي
  • تدقيق علمي ولغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1