أكثر من تغير في المناخ: الجفاف غير المسبوق في الأمازون

غابات الأمازون المطيرة تواجه موجة جفاف استثنائية بسبب إزالة الغابات وظاهرة النينيو وتغير المناخ.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، انحسر جزء من نهر نيغرو -الواقع في غابات الأمازون المطيرة قرب مدينة ماناوس البرازيلية- إلى عمق 12.7 مترًا فقط، وهو أدنى مستوى له منذ بداية القياسات قبل 120 عامًا. وقبل ذلك بمدة قصيرة، عثر على أكثر من 150 دلفينًا ميتًا في بحيرة تيفي على بعد نحو 500 كيلومتر غربًا، والأغلب أن السبب ليس انخفاض منسوب المياه، بل ارتفاع درجات حرارة البحيرة حتى 40 درجة مئوية تقريبًا.

هذه هي أعراض الجفاف غير المسبوق الذي اجتاح غابات الأمازون المطيرة هذا العام. تغير المناخ عامل مؤثر، لكن الباحثين الذين يدرسون الغابات المطيرة يقولون إن عوامل أخرى تضافرت في هذه الأزمة، إذ قطعت مجتمعات النهر عن الإمدادات بما في ذلك الغذاء، وأجبرت السكان الأصليين على استخدام المياه القذرة والملوثة، الأمر الذي أدى إلى تزايد أمراض الجهاز الهضمي وغيرها.

تقول لوسيانا جاتي Luciana Gatti، الباحثة في مجال تغير المناخ في المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء Inpe في ساو خوسيه دوس كامبوس، إن الجفاف حصيلة ثلاثة أشياء: الأول إزالة الغابات deforestation «التي تقتل قدرة الغابات المطيرة على التكيف وتحولها إلى مكان أكثر جفافًا وحرارة»، حسب تعبيرها.

موسم الحرائق

وفقًا لبيانات المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء، لقد انخفضت إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو من هذا العام بنسبة 42.5% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، لكن هذا عَقَب سنوات من التدمير الشديد. السبب الرئيس لذلك التدمير -كما يقول الباحثون الذين تحدثوا إلى مجلة Nature- هو الأعمال التجارية الزراعية. إذ أزال مربو المواشي والمزارعون الأشجارَ لتوسيع المساحة الزراعية في البرازيل بنحو 50% على مدار العقود الأربعة الماضية، معظمها حدث في منطقة الأمازون وفقًا لتقرير صادر عن MapBiomas، وهو اتحاد يضم منظمات أكاديمية وتجارية غير حكومية تراقب استخدام الأراضي في الدولة، خاصة في منطقة الأمازون.

تقول جاتي إن نحو 20% من غابات الأمازون المطيرة أزيلت، و40% منها في حالة متدهورة، ما يعني أن الأشجار لا تزال قائمة، لكن صحتها تلاشت وهي عرضة للحرائق والجفاف؛ وكل هذا سببه البشر.

وما يزيد الطين بلة هو العامل الثاني الذي يساهم في حدوث الجفاف: بداية نمط مناخ النينيو هذا العام.

ظاهرة النينيو هي مرحلة من ظاهرة تسمى ظاهرة النينيو-التذبذب الجنوبي، وتحدث مرة كل سنتين إلى سبع سنوات. في هذه الظاهرة، تضعف الرياح التي تهب عادة من الشرق إلى الغرب على طول خط الاستواء أو تنعكس، وتُدفَع المياه الدافئة إلى شرق المحيط الهادئ الاستوائي. فتتغير أنماط هطول الأمطار في أمريكا الجنوبية، ويصبح الهواء جافًا في الشمال -حيث تقع الغابات المطيرة- ورطبًا في الجنوب. نتيجة لذلك، تتعرض الأوروغواي حاليًا لأمطار غزيرة. وفي الأشهر القليلة الماضية، شهدت الباراغواي والأرجنتين وجنوب البرازيل فيضانات أودت بحياة العشرات وشردت الآلاف.

ووفقًا للمركز الوطني البرازيلي للإنذار المبكر ورصد الكوارث الطبيعية (سيمادن Cemaden) في ساو خوسيه دوس كامبوس، شهدت 8 ولايات في شمال وشمال شرق البرازيل أدنى مستويات هطول للأمطار في تموز/يوليو حتى أيلول/سبتمبر منذ 40 عامًا. وتمثل هذه الأشهر ذروة «موسم الحرائق» في معظم أنحاء منطقة الأمازون.

بالإضافة إلى انخفاض مستويات المياه، فإن فترات الجفاف في منطقة الأمازون لها عواقب أخرى. تقول إريكا بيرينجر Erika Berenguer، الباحثة في النظم البيئية بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، إن مربي المواشي وغيرهم ممن يزيلون الغابات المطيرة لا يحرقون الأشجار عندما يكون الجو ممطرًا أو الهواء رطبًا. ولكن بما أن ظاهرة النينيو تسببت في جفاف هواء الغابات المطيرة، فإن أولئك الذين يزيلون الأشجار يحرقونها كذلك. الأمر الذي أدى إلى تفاقم الظروف القاسية وأشعل بعض الحرائق الخارجة عن السيطرة، وهو ما شهدته بنفسها عندما زارت بلدة بيلتيرا في ولاية بارا الشمالية في أيلول/سبتمبر. إذ قالت: «كنا ننام ونستيقظ محاطين بالدخان». ومن المفارقات أنها كانت هناك مع فريق لدراسة عرضة الغابات المطيرة للحرائق. وقد ساءت الأمور لدرجة أنها اضطرت إلى الإخلاء لمدة عشرة أيام. «لقد عانيت ضيقًا في التنفس أسوأ من الذي حدث لي وأنا مصابة بفيروس كورونا، على الرغم من أنني من الذين يمكنهم المغادرة والحصول على الدواء. فماذا عن أولئك الذين لا يستطيعون؟ إن هذا تسميم جماعي».

النمط الواضح

العامل الثالث المسؤول عن الجفاف الشديد في منطقة الأمازون هو ارتفاع درجة حرارة المياه بنحو غير عادي في شمال المحيط الأطلسي. تقول ماريا أسونساو دياس Maria Assunção Dias، عالمة المناخ بجامعة ساو باولو في البرازيل، إن تغير المناخ يساهم في هذا الوضع الشاذ. وقد أثّر ارتفاع درجة حرارة هذه المياه في منطقة التقارب بين المناطق المدارية. تقول كارينا ليما Karina Lima، عالمة الجغرافيا في جامعة ريو غراندي دو سول الفيدرالية في بورتو أليغري، إن هذه المنطقة، التي تلف الأرض بالقرب من خط الاستواء، «تعد أحد أنظمة الأرصاد الجوية الرئيسة في المناطق الاستوائية، وهي منطقة تتشكل فيها السحب والأمطار بكثافة». وقد انتقلت هذه المنطقة شمالًا، آخذة معها العواصف بعيدًا عن شمال البرازيل.

تفاقم كل هذا إلى عام غير مألوف لمنطقة الأمازون. لقد شهدت الغابات المطيرة فترات جفاف في الماضي، لكن حالات الجفاف الشديد «أصبحت أكثر تواترًا»، كما تقول دياس. وتضيف أنه أصبح هناك نمط واضح، مستشهدة بحالات الجفاف الشديد في أعوام 1912، و1925، و1983، و1987، و1998، و2010، و2016، والآن 2023.

تتمثل إحدى المشكلات الكبرى في أن ظاهرة النينيو الحالية قد بدأت للتو، «لذا فإن الأمور لن تتحسن»، كما تقول جاتي.

وتقول دياس إن الأمر قد يتحول إلى ظاهرة النينيو «الفائقة». وهذا يحدث إذا وصلت درجة حرارة سطح البحر في المحيط الهادئ الاستوائي إلى 2.5 درجة مئوية أعلى من المتوسط، وهو احتمال ممكن بالنظر إلى أن عام 2023 يبدو أنه سيكون أسخن عام سجلناه قط. في الشهر الماضي، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بيانًا مفاده أن هناك احتمالًا قدره 90% أن تستمر ظاهرة النينيو حتى نهاية نيسان/إبريل في الأقل.

وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بموعد موجة الجفاف التالية التي قد تجتاح منطقة الأمازون، فقد أظهرت الدراسات أن تغير المناخ يعبث بتوقيت ظاهرة النينيو. تقول ليما: «الاتجاه السائد هو أن لدينا نوبات أقوى وأكثر». قد يكون هذا كارثيًا لغابات الأمازون المطيرة، التي تعاني بالفعل إزالة الغابات وارتفاع درجة حرارة المناخ وجفافه. «إن نقطة التحول في الغابة تقترب، وتقترب بسرعة».

  • ترجمة: عبير ياسين
  • المصادر: 1