ناسا تتطلع إلى رحلات تجارية للمريخ، ولكن هل يود الناس ذلك؟

كان كوكب المريخ موضوعًا للأساطير والإلهام عبر التاريخ، إضافة لموقعه المميز الذي جعله مناسبًا للأبحاث العلمية، والقيام باستشكافات حول حياة أخرى خارج كوكب الأرض.

فمنذ ستينيات القرن الماضي كان هدفًا شائعًا للبعثات الفضائية ولكن اليوم وللمرة الأولى تسمح وكالة ناسا للشركات والمؤسسات الخاصة (غير الحكومية) بدعم هذه المهمات التجارية وتقديم مقترحاتهم.

وتتضمن هذه المهمات نقل الأجهزة العلمية والمعدات والأدوات اللازمة للاستكشاف والقيام بالتجارب إلى المريخ، وتوفير الأنظمة والوسائل التي تسمح بنقل البيانات والمعلومات بين المريخ والأرض (مثل الأقمار الصناعية)، دون الحديث عن إرسال رواد فضاء إلى هناك في الوقت الحالي.

ساعد التطور التكنولوجي الكبير في جمع معلومات مفيدة عن كوكب مريخ، ومع ذلك، هناك من يرغب بالوصول إليه ومعرفة المزيد حوله.

لكن السؤالين الأكثر أهمية هما:

ما هي أفضل طريقة لتحقيق هدفنا؟ وهل حقًا ينبغي علينا القيام بذلك؟

منذ عام 1960 تم إطلاق 50 مهمة ذات أهداف علمية وتقنية تتعلق بكوكب المريخ، من بينها 31 مهمة ناجحة مما يشير إلى تقدم إيجابي نسبيًا، بالمقابل أيضًا يجب ألا نتجاهل عدد المحاولات التي كان نصيبها الفشل، وأبرزها تحطم مركبة الهبوط شياباريللي عام 2016.

هذه المهمات قدمت كمية غنية من البيانات حول المريخ، تضمنت تفاصيلًا حول غلافه الجوي، ومداره، وطبيعته الجيولوجية، بالإضافة لتفاصيل تتعلق بجوانب أخرى، وكما يمكن أن نجد وفقًا لمصادر معينة على الإنترنت الصور الرائعة التي تم إنتاجها عنه، بعضها تمثل وجوهًا على سطحه، وبعضها تبدو مثل الأبواب داخل منحدراته الصخرية، وأخرى تبدو كعظام متحجرة.

وفي كل الدراسات، بالغ علماء الجيولوجيا في تفسيراتهم حول الظواهر الموجودة على سطحه، على سبيل المثال تفسيراتهم حول الصخور، إلا أن هذا الاهتمام المبالغ فيه يُظهر أن كوكب المريخ يشغل حيزًا كبيرًا من تفكيرنا.

على مر السنين نجد أن المبلغ الذي أنفقته وكالات الفضاء الرائدة في العالم لاكتشاف كوكب المريخ لا يقل عن 50 مليار دولار، (كلفة المهمة الواحد لا تقل عن مليار دولار)، وهذا يعتبر استثمارًا كبيرًا رغم أنه مخصص فقط لإرسال الكاميرات، والمركبات الفضائية الجوالة، ومركبات الهبوط، لذلك يعتبر إرسال البشر للمريخ تحديًا ماليًا كبيرًا.

منذ عقود كثيرة، اهتمت وكالة ناسا وغيرها من وكالات الفضاء بالتخطيط الداخلي وأنفقت مبالغ طائلة على النماذج الأولية للمهمات وتطويرها، أما في عشرينيات القرن الحالي سيتم العمل على تطوير تقنيات فعالة للوصول لنتائج أسرع وبأقل تكلفة من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة بشكل صحيح، وهذا يتطلب وجود تعاون بين الوكالات الحكومية والشركات التجارية الخاصة، مثل شركة SpaceX التابعة لمؤسسها إيلون ماسك والتي تختص بتصنيع وتشغيل مركبات الفضاء والصواريخ والاقمار الصناعية، ولا تهدف لاكتشاف المريخ فحسب بل تسعى لجعل الرحلات للفضاء أقل تكلفة، وتمكين البشر من الوصول إلى هناك أيضًا.

إن النهج الذي اتبعته شركة SpaceX في تطوير صواريخ فالكون، والاقمار الصناعية ستارلينك وصاروخ ستارشيب لا يختلف كثيرًا عن النهج التقليدي لناسا، إلا أنه يتميز عنه بسرعة التغيير والتكرار والتعلم من الفشل.

والحديث عن SpaceX لا يعني أنها الشركة الوحيدة في هذه المجال، هناك مجموعة من الشركات النامية المهتمة بالوصول للفضاء وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

في الوقت الحالي، وضعت ناسا خارطة طريق تشمل العودة إلى القمر لتأسيس قاعدة بشرية دائمة من خلال برنامج أرتيمس على سطح القمر، ومنها سيتم الانتقال إلى المريخ، وبناء على هذه الخارطة فإن جهود الشركات التجارية أصبحت ضرورية لتحقيق التوازن بين عملها وعمل ناسا، التي بدلًا من التركيز على التطوير التكنولوجي، ستركز على تحديد المتطلبات اللازمة، ومن ثم تقييم الحلول التي ستعرضها هذه الشركات أثناء تنافسهم مع بعضهم البعض.

وأوضحت شركة SpaceX أن هذا المشروع يبدو أكثر قابلية للتنفيذ مقارنة بما كان عليه قبل 20 عامًا، كما أنه من الناحية النظرية يمكن أن يكون أرخص وأكثر فعالية.

التأثير الإيجابي لهذا المشروع هو التحفيز الكبير للشركات التجارية للابتكار وتلبية متطلبات البعثات الفضائية ولهذا فإن التأثير سيكون أكبر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية من تأثير الوصول إلى المريخ نفسه، وهناك دليل تاريخي على هذا الشيء وهو التطور الكبير في تقنيات استكشاف الفضاء والمشاريع العلمية الضخمة.

على أية حال، لا يزال الوقت مبكرًا ويحتاج النهج التجاري لإثبات فعاليته، وبالنسبة لوكالة مثل ناسا لا بد من وجود قلق دائم حول ذلك لأن الانقطاع عن التطوير الداخلي يعني تقليص القدرات تدريجيًا، ولهذا فإن الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك، وتحقيق الخطوات الأولى (الوصول إلى القمر) هو ما يحدد جدوى هذا النهج.

هذا الاستحواذ الكبير للمريخ على خيال المجتمع الحديث يأتي من اعتباره مكانا للغموض والاحتمالات والمخاطر، ومن أكثر من 100 عام تم تجسيد هذا الاهتمام في رواية (حرب العوالم) ل إتش جي ويلز، كما توجد العديد من الكتب، والأغاني، والبرامج التلفزيونية، والأفلام حول المريخ بتمثيلات فنية رائعة وعادية عنه.

هل يجب على البشر السفر إلى المريخ؟

من المؤكد أن إيلون ماسك يرغب في ذلك، وقبله قامت الشركة الهولندية الناشئة Mars One 100 باختيار متطوع لرحلة ذهاب وإياب إلى المريخ وجمعت الملايين من الدولارات قبل أن تعلن إفلاسها عام 2019، وهذا يعني أنه دائمًا سيكون هنالك شريحة من المجتمع مهتمة باحتمال العيش على المريخ.

ومثل أي فكرة أو ظاهرة من الطبيعي حدوث جدال حولها، البعض سيقول قبل الذهاب إلى كوكب آخر والشروع في تخريبه، يجب أن نهتم برعاية كوكب الأرض، بينما البعض الآخر يوضح ضرورة تركيز هذه الاكتشافات على مبادئ الاستدامة؛ أي استخدام الموارد الطبيعية بشكل يضمن حفظها للأجيال الحالية والقادمة دون التأثير السلبي على البيئة.

بعيدًا عن هذا الجدال، فإن التاريخ يقول أن حدوث الاستكشاف البشري يتعلق بوجود أشخاص يرغبون حقًا بالقيام بذلك، فإذا كان لديهم ما يكفي من موارد فإن الاستكشاف سيتحقق.

بالنسبة لكاتب المقال ستيفن تينجاي فهو لا يؤمن بكون المريخ مختلف عن الأرض.

  • ترجمة: لبنى العموري
  • تدقيق علمي ولغوي: حسام عبدالله
  • المصادر: 1