اكتشف العلماء حلقة مفقودة بين النظام الغذائي والإصابة بالسرطان

تساعد آلية مجهولة لتعطيل الجينات التي تكبح تشكل الأورام، في شرح سبب ارتباط خطر الإصابة بالسرطان بالنظام الغذائي غير الصحي أو حالات الاستقلاب غير المنتظمة، مثل: داء السكري.

استخدم باحثون من سنغافورة والمملكة المتحدة نماذج الفئران، والأنسجة البشرية، والأعضاء العضوية للثدي البشري الحي المصنعة ضمن المختبرات، ليلاحظوا أن التغيرات في استقلاب الجلوكوز يمكن أن تساعد في نمو السرطان عن طريق إيقاف مؤقت لعمل الجين الكابح للأورام BRCA2.

يقول المؤلف الأول للدراسة الجديدة، عالم صيدلة السرطان لي رين كونغ Li Ren Kong من معهد علوم السرطان في سنغافورة (CSI Singapore): “تزيد هذه النتائج الوعي بتأثير النظام الغذائي والتحكم بالوزن في السيطرة على مخاطر الإصابة بالسرطان. بدأنا الدراسة لنفهم العوامل التي تزيد مخاطر الإصابة بالسرطان، وخاصة لدى العائلات المعرضة للإصابة به، لكن انتهى الأمر باكتشافنا آلية أعمق تربط بين مسار استهلاك الطاقة الأساسية وتطور السرطان”.

يتحدى هذا الاكتشاف أيضًا نظرية الجينات التي تحمي من السرطان،

وينص نموذج الضربتين ‘two-hit’ الذي اقترحه كنودسون Knudson لأول مرة عام 1971 أنه يجب تعطيل نسختي الجين الكابت للورم في خلايانا قبل الإصابة بالسرطان.

أظهرت الدراسات مؤخرًا أن طفرة في أحد الجينين BRCA2 في الخلية يمكن أن تتسبب بأنواع عديدة من السرطان.

ومن المثير للاهتمام أنه لم تظهر الأعراض المعتادة لعدم الاستقرار الجيني التي تظهر عادةً في الخلايا التي تملك نسختي الجين لدى الفئران أو الخلايا البشرية التي تملك هذه الطفرة.

لم يبدو أن وجود نسخة واحدة فقط من بروتين BRCA2 كبحَ المشاكل الكبيرة في نمو الأعضاء أو إصلاح الحمض النووي DNA في معظم الأنسجة، ولكن يبدو أن الخلايا المصابة بهذه الطفرة أكثر عرضة للإجهاد، مثل التعرض للسموم البيئية كالفورمالداهيد formaldehyde أو الأسيتالديهيد acetaldehyde، والتي يمكن أن تقلل مستويات البروتين BRCA2 وتؤدّي إلى حدوث مشاكل وظيفية.

يقول أخصائي الأورام والباحث في مجال السرطان أشوك فينكيتارامان Ashok Venkitaraman من معهد CSI في سنغافورة: “ليس من الواضح تمامًا كيف يمكن لهذه العوامل البيئية أن تزيد خطر السرطان، ولكن من الضروري فهم العلاقة بينها إذا أردنا اتخاذ تدابير وقائية تساعدنا على البقاء بصحة جيدة لفترة أطول”.

فحص الفريق الأشخاص الذين ورثوا نسخة خاطئة من BRCA2، ووجدوا بأن الخلايا لديهم كانت أكثر حساسية لمادة ميتيل غليوكسال MGO، والتي تنتج عن تكسير الخلايا للغلوكوز من أجل إنتاج الطاقة.

ينتج عن تحلل الغلوكوز أكثر من 90% من MGO في الخلايا والتي يُحافظ زوج من الإنزيمات على مستويات ضئيلة منه، وفي حال عدم قدرتها على مواكبة هذا التوازن، يمكن أن يؤدّي ارتفاع مستويات MGO إلى تشكل مركبات ضارّة تتلف الDNA والبروتينات.

في بعض الحالات مثل داء السكري، عندما تكون مستويات MGO مرتفعة بسبب ارتفاع نسبة سكر الدم، تساهم المكونات الضارة بزيادة مضاعفات المرض.

اكتشف الباحثون أنّ MGO يمكنه أن يثبيط مؤقتًا وظائف البروتين الكابح للورم BRCA2، ممّا يؤدي لحدوث طفرات مرتبطة بتطور السرطان.

يمكن ملاحظة هذا التأثير في الخلايا غير السرطانية وفي عينات الأنسجة المستمدة من المرضى، وفي بعض حالات سرطان الثدي البشري، وسرطان البنكرياس لدى نماذج الفئران.

ونظرًا لعدم تعطيل أليل BRCA2 بشكلٍ دائم، يمكن أن تعود الأشكال الوظيفية للبروتين الذي ينتجه إلى مستوياتها الطبيعية لاحقًا، ولكن يمكن أن تستمر الخلايا التي تتعرض بشكلٍ متكرر ل MGO بتراكم الطفرات المسببة للسرطان كلّما فشل إنتاج بروتين BRCA2.

يشير هذا إلى أن التغيرات في استقلاب الجلوكوز يمكن أن تعطل وظيفة BRCA2 عبر MGO، مما يساهم في تطور السرطان.

تأتي هذه النتائج من اختبارات مخبرية وعيّنات بأحجام صغيرة لأنسجة بشرية، ويقول الباحثون أنّه يجب إجراء المزيد من الدراسات باستخدام دراسات سريرية أكبر أو نماذج حيوانية، للنظر في العلاقة المحتملة بين العوامل الغذائية، ومرض السكري، واضطرابات التمثيل الغذائي الأخرى.

وبماأن MGO يساهم في منع بروتين BRCA2 عن إصلاح الDNA بشكلٍ مؤقت، فمن المنطقي أن النظام الغذائي السيء أو مرض السكري غير المنضبط يمكن أن يساهم في زيادة خطر الإصابة بالسرطان بمرور الوقت، حتى لدى الأشخاص الذين لديهم نسختين وظيفيتين من جين BRCA2.

قد تقودنا هذه المعلومة الجديدة إلى استراتيجيات للوقاية من السرطان أو الكشف المبكر عنه.

يقول فينكيتارامان: “يمكننا بسهولة الكشف عن ميتيل غليوكسال عبر اختبار الدم لنسبة HbA1 C والذي يمكن استخدامه كعلامة فارقة، وعلاوةً على ذلك يمكن السيطرة على ارتفاع مستويات ميتيل غليوكسال باستخدام الأدوية والحمية الصحية، مما يخلق سبلًا جديدة لاتخاذ تدابير وقائية قبل بدء المرض”.

  • ترجمة: سنى صهيوني
  • تدقيق علمي ولغوي: روان نيوف
  • المصادر: 1