ينجح الباحثون في إفراز الهرمونات

حفّزَ العلماء الغدة الكظرية في القوارضِ باستخدام الجسيمات النانوية المغناطيسية؛ للتحكّمِ في إفراز الهرمونات المرتبطة بالتوتر.

ترتبط المستويات غير الطبيعية من هرمونات التوتر مثل (الأدرينالين والكورتيزول) بمجموعةٍ متنوعة من اضطرابات الصحة العقلية، بما في ذلك الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

وقد ابتكر باحثون من معهد (ماساتشوستس) للتكنولوجيا الآن طريقةً للتحكم من بعد في إفراز هذه الهرمونات من الغدة الكظرية وذلك باستخدام الجسيمات النانوية المغناطيسية.

يقول الباحثون إنه يمكن لهذا النهج أن يساعد العلماء على معرفة المزيد حول كيفية تأثير إفراز الهرمونات على الصحة العقلية، ويمكن أن يقدّم في النهاية طريقة جديدة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بالهرمونات.

تقول (بولينا أنيكييفا) أستاذة علوم وهندسة المواد والدماغ والإدراك: «نحن نبحث في كيفية دراسة اضطرابات التوتر وعلاجها في نهاية المطاف عن طريق تعديل وظيفة الأعضاء الطرفية، بدلًا من القيام بتدخّل واسع في الجهاز العصبي المركزي».

ولتحقيق السيطرة على إفراز الهرمونات، طوّر (ديكل روزنفيلد) وهو باحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتكنيون في مجموعة أنيكييفا، جسيمات نانوية مغناطيسية متخصصة يمكن حقنها في الغدة الكظرية. تعمل هذه على تسخين الجزيئات قليلًا عند تعرضها لمجال مغناطيسي ضعيف، مما يؤدي إلى تنشيط القنوات المستجيبة للحرارة والتي تؤدي إلى إفراز الهرمون. ويمكن استخدام هذه التقنية لتحفيز أي عضو في داخل الجسم بأقل تدخّل جراحي.

تُعتبر (أنيكييفا وأليك ويدج) أستاذ مساعد في الطب النفسي بجامعة مينيسوتا وزميل باحث سابق في معهد بيكاور للتعلم والذاكرة التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، المؤلفان الرئيسيان للدراسة. بينما المؤلف الرئيسي لهذا البحث الذي يظهر اليوم في Science Advances هو روزنفيلد.

التحكّم بالهرمونات

ابتكر مختبر أنيكييفا سابقًا العديد من المواد المغناطيسية النانوية الجديدة، بما في ذلك الجسيمات التي يمكنها إطلاق الأدوية في أوقات محدّدة وفي مواقع معينة من الجسم.

في الدراسة الجديدة، أراد فريق البحث استكشاف فكرة علاج اضطرابات الدماغ عن طريق التلاعب بأعضاء خارج الجهاز العصبي المركزي ولكنها تؤثّر عليه من خلال إفراز الهرمونات. ويعدّ محور الغدة النخامية والكظرية (HPA) الذي ينظّم الاستجابة للضغط النفسي في الثدييات أحد الأمثلة المعروفة. إذ تلعب الهرمونات التي تفرزها الغدة الكظرية، بما في ذلك الكورتيزول والأدرينالين، أدوارًا مهمة في الاكتئاب والتوتر والقلق.

تقول أنيكييفا، وهي عضو في مختبر أبحاث معهد ماساتشوستس لتكنولوجيا الإلكترونيات ومعهد ماكجفرن لأبحاث الدماغ: «إن بعض الاضطرابات التي نعتبرها عصبية قد تكون قابلة للعلاج من الأطراف، وذلك إذا تمكنّا من تعلّم كيفية تعديل ارتباطات الدوائر الصغيرة بدلًا من العودة إلى الدوائر الكبرى في الجهاز العصبي المركزي».

كهدف لتحفيز إفراز الهرمون، قرّر الباحثون اختيار القنوات الأيونية التي تتحكم في تدفق الكالسيوم إلى الخلايا الكظرية. إذ يمكن تنشيط هذه القنوات الأيونية من خلال مجموعة متنوعة من المحفزات، بما في ذلك الحرارة. فعندما يتدفق الكالسيوم عبر القنوات المفتوحة إلى خلايا الغدة الكظرية، تبدأ الخلايا في ضخ الهرمونات. يقول روزنفيلد: «إذا أردنا تعديل إفراز تلك الهرمونات، فنحن بحاجة إلى أن نكون قادرين بشكل أساسي على تعديل تدفق الكالسيوم إلى خلايا الغدة الكظرية».

وعلى عكس الأبحاث السابقة في مجموعة أنيكييفا، طُبّق التحفيز الحراري المغناطيسي في هذه الدراسة لتعديل وظيفة الخلايا دون إدخال أي جينات بشكل مصطنع.

لتحفيز هذه القنوات الحساسة للحرارة، والتي تحدث بشكل طبيعي في الخلايا الكظرية، صمّم الباحثون جسيمات نانوية مصنوعة من الماجنتيت، وهو نوع من أوكسيد الحديد الذي يشكّل بلورات مغناطيسية صغيرة يبلغ سمكها نحو 1/5000 سمك شعرة الإنسان. لقد وجدوا أن هذه الجزيئات يمكن حقنها مباشرةً في الغدد الكظرية للفئران وقد تبقى هناك لمدة ستة أشهر على الأقل. وعندما تعرضت الفئران لمجال مغناطيسي ضعيف [قرابة 50 ملي تسلا، أضعف 100 مرة من المجالات المستخدمة في التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)]، سُخّنت الجزيئات بنحو 6 درجات مئوية، وهو ما يكفي لتحفيز فتح قنوات الكالسيوم دون الإضرار بأي من الأنسجة المحيطة.

إن هذه القناة الحساسة للحرارة التي استهدفت، والمعروفة باسم TRPV1، موجودة في العديد من الخلايا العصبية الحسية في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك مستقبلات الألم. يمكن تنشيط قنوات TRPV1 بواسطة الكابسيسين، المركب العضوي الذي يعطي الفلفل الحار طعمه، وكذلك عن طريق درجة الحرارة. وتوجد هذه القنوات في أنواع عدة من الثدييات، وتنتمي إلى عائلة تضم العديد من القنوات الأخرى الحساسة للحرارة أيضًا.

لقد نتج عن هذا التحفيز اندفاع الهرمونات، مما أدى إلى مضاعفة إنتاج الكورتيزول وزيادة النورأدرينالين بنحو 25%. الأمر الذي أدى إلى زيادة ملحوظة في معدلات ضربات قلب الحيوان.

علاج التوتر والألم

يخطط الباحثون الآن لاستخدام هذا النهج لدراسة كيفية تأثير إفراز الهرمونات على اضطراب ما بعد الصدمة وغيره من الاضطرابات، ويقولون إنه في النهاية يمكن تكييفه لعلاج مثل هذه الاضطرابات. يقترح الباحثون إن هذه الطريقة ستوفر بديلًا أقل تدخّلًا بكثير للعلاجات المحتملة التي تتضمن زرع جهاز طبي لتحفيز إفراز الهرمون كهربائيًا، وهو أمر غير ممكن في أعضاء مثل الغدد الكظرية اللينة والممتلئة بالأوعية الدموية.

وهناك مجال آخر يعدّ استخدام هذه الإستراتيجية فيه أمرًا واعدًا وهو علاج الألم، لأن القنوات الأيونية الحساسة للحرارة غالبًا ما توجد في مستقبلات الألم.

تقول أنيكييفا: «إن القدرة على تعديل مستقبلات الألم باستخدام هذه التقنية ستسمح لنا بدراسة الألم، والسيطرة عليه، والحصول على بعض التطبيقات السريرية في المستقبل، والتي نأمل أن تقدم بديلًا للأدوية أو الزراعات لعلاج الألم المزمن». ومع مزيد من البحث عن وجود TRPV1 في الأعضاء الأخرى، فمن المحتمل أن تمتد هذه التقنية إلى الأعضاء الطرفية الأخرى مثل الجهاز الهضمي والبنكرياس.

ترجمة: عبير ياسين

تدقيق لغوي: فاطمة قائد

  • ترجمة: عبير ياسين
  • تدقيق لغوي: فاطمة قائد
  • المصادر: 1