هل الطبيبات أفضل فعلًا؟
أظهرت نتائج الأبحاث أنّ المرضى الّذين تعالجهم طبيبات تكون نتائجهم الصحّيّة أفضل. في الشّهر الماضي، نُشر مقال في مجلّة «حوليّات الطّبّ الباطنيّ The Annals of Internal Medicine» أفاد بأنّ معدّلات الوفاة بين المرضى الّذين يعانون من أمراض خطيرة في المستشفيات كانت أقلّ بكثير عندما كانت المُعالِجات نساءً. وكانت النّتائج أكثر وضوحًا لدى المريضات، لكنّها كانت ذات دلالة إحصائيّة حتّى عندما كان المريض رجلًا.
كما كانت مُعدّلات إعادة الإدخال إلى المستشفى بعد الخروج أقلّ إذا كانت الطّبيبة المُعالِجة أنثى، والمريض أنثى أيضًا! وهذا يطرح السّؤال التّالي: هل النّساء حقًّا أطبّاء أفضل؟
مع أنّ هذه النّتائج حديثة، إلّا أنّها ليست جديدة؛ على سبيل المثال، في العام الماضي، نُشِرَ مقال في مجلّة «الجراحة من الجمعيّة الطّبّيّة الأمريكيّة (جاما سيرجري) – JAMA Surgery» حول الفروق في نتائج العمليّات الجراحيّة بين الأطبّاء الذّكور والإناث. استندت الدّراسة ذات الأثر الرّجعيّ إلى بيانات أكثر من مليون مريض كنديّ خضعوا لإجراءات جراحيّة قياسيّة. تتبّع الباحثون هؤلاء المرضى لمدّة تصل إلى عام واحد وقدّموا تقريرًا عن الفروق في النّتائج بعد الجراحة بناءً على جنس الجرّاح، كان 25% من الجرّاحين للمرضى المُختارين إناثًا، بينما كان الباقي ذكورًا. كانت النّتائج بعد الجراحة أسوأ بصورة ملحوظة بعد ثلاثة أشهر للمرضى الّذين أجرى لهم الجراحة جرّاحون ذكور، بغضّ النّظر عن تخصُّص الجرّاح. كانت النّتائج نفسها صحيحة بعد عام من الجراحة لجميع المرضى، ولم تكن هناك فروق في النّتائج بناءً على جنس المريض!
نشرَت مجلّة «الطّبّ الباطنيّ من الجمعيّة الطّبّيّة الأمريكيّة (جاما إنترنال ميديسن) – JAMA Internal Medicine» عام 2017 م، نتائج مقارنة مُعدّلات الوفاة وإعادة الإدخال إلى المستشفى بين مرضى مراكز الرّعاية الصّحّيّة والخدمات الطّبّيّة في الولايات المُتّحدة (مِديكير) بناءً على جنس الطّبيب المُعالِج. أفاد الباحثون أنّ المرضى المُسنّين الّذين يتلقّون الرّعاية من طبيبة داخل المستشفى كانت لديهم مُعدّلات وفاة وإعادة إدخال أقلّ من أولئك الّذين تلقّوا الرّعاية من طبيب ذكر يملك نفس المستوى من التّدريب.
استعرض الباحثون نتائج الدّراسات السّابقة الّتي أظهرت أنّ الطّبيبات أكثر عرضًة لممارسة الطّبّ القائم على الأدلّة، والتّفوّق في الاختبارات المعياريّة، وتقديم رعاية أكثر توجُّهًا نحو المريض. إضافة إلى ذلك، كان مرضى الطّبيبات أقلّ عرضة لزيارة غرف الطوارئ. هذه البيانات المُتّسقة والمثيرة للإعجاب تُغطّي ما يقرب من عقد من البحث، لكن من المؤكّد أنّ الفروق في رعاية المرضى بين الأطبّاء الذّكور والإناث لا يمكن أن تكون مُجرّد مسألة وجود كروموسوم X إضافيّ لدى النّساء.
ليس الأمر بهذه البساطة في الواقع، وفقًا للدّكتور ستيفن فورليش، أستاذ مشارك في بحوث الاتّصال بجامعة تكساس أي اند إم: «الأشخاص الّذين يولدون إناثًا بيولوجيًّا لديهم دماغ أكثر تكاملًا، ممّا يعني تعزيزًا أكبر للاتّصالات بين نصفي الكرة المُخّيّة».
كما يعتقِدُ أنّ بُنية دماغ النّساء تتيح لهنّ أن يَكُنّ أفضل في التّواصل غير اللّفظيّ، وهذا يعني أنّ النّساء أفضل في ملاحظة التّفاصيل الدّقيقة للُغة الجسد. بينما “يستخدم الرِّجال ‘حديث التّقارير’ أكثر”، ممّا يعني أنّهم قد يميلون إلى تقديم ردود حرفيّة وغير عاطفيّة في أثناء المُحادثات. إذا كان هذا صحيحًا، فقد يُفسّر جُزئيًّا سبب كون نتائج المرضى المُعالَجين من قبل الطّبيبات أفضل مُقارنة بمن عولِجوا من قِبَل نظرائهنّ الذّكور في هذه الدّراسات.
وجدت دراسة أجريت عام 2010 م أنّ ما يقارِب من نصف المرضى الّذين أبلَغوا عن صعوبات في علاجهم الطّبّيّ اشتكوا من مشاكل في التّواصل مع طبيبهم المُعالِج. ناقش تقرير مجلّة «التّوقّعات الصّحّيّة (هيلث إكسبِكتايشِن) – Health Expectations» أنواعًا مختلفة من التّواصل بين الطّبيب والمريض لتحديد النّوع الّذي يُعزّز علاقة عمل أفضل، فيؤدّي بالنّتيجة إلى امتثالٍ أفضل للمرضى وتحسينٍ عام في النّتائج الصّحّيّة.
يتّبع الطّبيب، في التّواصل الّذي يُركِّز على الطّبيب (DCC)، نموذجًا طبّيًّا حيويًّا قائمًا على الأدلّة في الطّبّ. يتميّز هذا الأسلوب في التواصل بعمليّة معرفيّة عقلانيّة لا تُعير اهتمامًا كبيرًا لمشاعر أو مخاوف المريض. على الصّعيد المُقابل، تشمل الميّزات الرّئيسيّة للتّواصل الّذي يُركّز على المريض (PCC)، الانفتاح تجاه المرضى، واستخدام لُغة مفهومة، وإشراك المرضى في المناقشات، ومراعاة مشاعر المرضى.
يميل الأطبّاء في DCCإلى طرح أسئلة مُغلقة إلى جانب التّركيز على المرض والأعراض الجسديّة. في PCC، يسأل الأطبّاء أسئلة مفتوحة، ويفحصون المرَض وكيفيّة مُعاناة المرضى منه، يُشرِكون مرضاهم في المحادثة بشكل فعّال، ويأخذون الجوانب النّفسيّة والاجتماعيّة بعين الاعتبار. يحاول الأطبّاء الّذين يستخدمون PCC تقليل استخدام المُصطلحات الطّبّيّة والتّحقّق من فهم المرضى للمعلومات الّمنقولة، كما يأخذون في الاعتبار توقّعات المرضى ويتجنّبون مقاطعتهم.
ناقشت دراسة مجلّة أنّالز أوف إنترنال ميديسن المنشورة الشّهر الماضي أسبابًا إضافيّة للاختلاف بين الأطبّاء والطّبيبات في نتائج مرضاهم. إحدى النّظريّات الّتي اقترحها المؤلّفون هي أنّ الأطبّاء الذّكور قد يُقلّلون من خطورة مرض مرضاهم الإناث؛ على سبيل المثال، ذكرَت دراسة سابقة أنّ الأطبّاء الذّكور كانوا أكثر احتمالًا لتقليل تقدير خطر السّكتة الدّماغيّة لدى مريضاتهم الإناث، وهذا قد يؤدّي إلى تأخير أو نقص في الرّعاية الطّبّيّة وبالتّالي نتائج صحّيّة أسوأ.
يطرح المؤلّفون سببًا آخر أيضًا، وهو أنّ الأطبّاء والطّبيبات يمارسون الطّبّ بشكل مُختلف؛ على سبيل المثال، تقضي الطّبيبات في المتوسّط وقتًا أطول مع مرضاهن مقارنًة بنظرائهن الذّكور. إضافًة إلى أنّهنّ تَمِلن إلى إشراك مرضاهنّ بشكل أكبر في عمليّة اتّخاذ القرار التّعاونيّ، ممّا يؤدّي إلى تواصل أكثر توجُّهًا نحو المريض. وبالنّظر إلى الجراحة، تقضي الجرّاحات وقتًا أطول في إجراء العمليّات الجراحيّة ولديهنّ مُعدّلات أقلّ من مُضاعفات ما بعد الجراحة.
هناك استثناءات لهذه القاعدة بالطّبع، وقد تدرّبتُ مع نظراء ممتازين من الذّكور في كلّيّة الطّبّ وخلال مرحلة الإقامة في المشفى. أنا محظوظة بإحالة مرضاي إلى مُتخصّصين ذكور أستمتع بالعمل معهم. ومع ذلك، في ضوء النّتائج المتكرّرة الّتي تظهِر أنّ الطّبيبات لديهنّ نتائج أفضل بشكل عام في ما يتعلّق برعاية المرضى، يجب أن يجري التّركيز أكثر على كيفيّة معالجة هذه الفروقات، بتوفير تدريب إضافيّ للمتدرّبين في كلّيّة الطّبّ ولاحقًا في برامج الإقامة بعد التّخرّج.
خلاصة القول هي أنّنا جميعًا نريد نتائج أفضل لمرضانا، وإذا كان ذلك يعني أن نتعلّم طريقة مُختلفة للتّواصل، فإنّه سيساعد في تضييق الفجوة بين الفروق الجنسيّة في رعاية المرضى الفعّالة.
- ترجمة: نِهال عامر حلبي
- تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
- المصادر: 1