لماذا يعتقد الناس أننا نعيش في الواقع الافتراضي أو المصفوفة؟
في عام 1999، عرض فيلم “The Matrix” الذي حقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، مشكلة فلسفية قديمة إلى جمهور أوسع: كيف نعرف أن ما نختبره حقيقي؟
في سلسلة أفلام “ماتريكس” للمخرجين واكوفسكي، أُسرت روبوتات ذكية البشر في المستقبل البعيد من أجل استخدامهم كأحد أكثر البطاريات غير الكفؤة التي يمكن تصورها لتشغيل عالمهم بطريقةٍ ما. وللحفاظ على البشر هادئيين وغير مقاومين، يُربطون بالماتريكس: محاكاة حاسوبية للحياة على الأرض في أواخر التسعينات من القرن الماضي. لا يدرك معظم البشر هذا، بينما يدرك بعضهم ذلك أو يشعرون بشيءٍ غير طبيعي، وينجحون في الهروب منه.
إنه فكرٌ علميٌّ خياليٌّ ممتع، اُستخدم من قبل ومنذ ذلك الحين. ولكن هناك أولئك، بدءًا من الفلاسفة المحترمين إلى إيلون ماسك، الذين يعتقدون أنه من الممكن أن نكون نعيش في واقع محاكاة. يُقدّر ماسك، رغم عدم خبرته في هذا الموضوع، احتمالات أننا نعيش في “الواقع الأساسي” بنسبة مليارات إلى واحد.
فكرة مؤثرة جدًا، عرضها الفيلسوف السويدي وأستاذ جامعة أكسفورد نيك بوستروم في ورقته البحثية عام 2003 بعنوان “هل أنت تعيش في محاكاة حاسوبية؟”، تعرف باسم فرضية المحاكاة.
تقول فرضية المحاكاة في أبسط أشكالها: إذا استمرت البشرية (أو أي نوع آخر، للطرافة يمكن تخيل أنها جراء) في التقدم لمئات أو آلاف أو حتى ملايين السنين، فمن المرجح جدًا أن يكون لدينا الكثير من القوة الحاسوبية في متناول أيدينا. إذا قررنا التوسع إلى المجرة (أو أبعد من ذلك)، فقد نستغل قوة النجوم، أو ربما حتى الثقوب السوداء.
بفضل كل هذه الطاقة والقوة الحاسوبية، من المحتمل أن يكون لأحفادنا في نقطة ما الفضول الكافي لتشغيل “محاكاة الأسلاف”، باستخدام جزءٍ ضئيل فقط من الطاقة الحاسوبية المتاحة لنا.
فكرة محاكاة الأسلاف هي أن الأجيال المستقبلية قد تمتلك قوة حاسوبية كافية لتشغيل محاكاة لأسلافنا، ولمنح هذه المحاكاة نوعًا من الوعي الاصطناعي. إذا حدث هذا بالفعل، سيعني ذلك أن الغالبية العظمى من الناس هم محاكاة من قبل النسل المتقدم للجنس البشري الأصلي، وإذا كان هذا هو الحال، فمن المنطقي أكثر أن تفترض أنك واحد من هذه المحاكاة وليس واحدًا من البشر البيولوجيين الأصليين.
يقترح بوستروم في ورقته البحثية ثلاث سيناريوهات ممكنة، يمكن أن يكون واحدًا منها فقط صحيح:
1) نسبة الحضارات الإنسانية التي تصل إلى مرحلة يمكنها فيها تشغيل هذه المحاكاة قريب جدًا من الصفر.
أي أنه من المحتمل أن نندثر (بسبب حرب نووية أو كارثة أخرى مروعة أو اكتشاف آخر) قبل أن نصل إلى نقطة يمكننا فيها إجراء مثل هذه الحيل الحاسوبية.
2) نسبة الحضارات بعد الإنسانية التي تهتم بتشغيل محاكاة الأسلاف قريب جدًا من الصفر.
بمعنى آخر، تغيرت أنواعنا إلى حدٍ كبير في تلك المرحلة بحيث لم نعد مهتمين بتشغيل المحاكاة، ولا يمتلك الأفراد الفضوليون القدرة على إنشائها، أو أن تشغيل هذه المحاكاة ممنوع.
3) نسبة الأشخاص الذين لديهم تجارب مشابهة لتلك التي لدينا ويعيشون في محاكاة قريب جدًا من الواحد.
إذا كان الخياران الآخران خاطئين، يبقى الخيار رقم ثلاثة: ستطور أنواعنا التكنولوجيا المطلوبة وستبدأ في إنشاء عدد لا يُدرك من محاكاة الأسلاف (مع مرور الوقت). علاوةً على ذلك، قد تبدأ المحاكاة في تشغيل محاكاة خاصة بها، وهكذا دواليك. وهذا يعني أن الغالبية العظمى من “الأشخاص” الذين لديهم تجربة الحياة على الأرض يكونون داخل محاكاة، ونحن فقط لا نعلم ذلك.
ما هي احتمالات أننا نعيش في محاكاة؟
بدون العثور على دليل يثبت أننا نعيش في محاكاة (والذي بالطبع يمكن أن يخفيه المحاكون عنا)، لا يمكن الإجابة بسهولةٍ عليه، وقد تعرضت الفرضية لانتقادات بسبب اعتبارها غير علمية. لقد حاول الناس النظر في الاحتمالات، مع التركيز على ما إذا كان هذا النوع من الحوسبة ممكنًا، ومدى احتمالية وصول البشر إلى مرحلة يمكنهم فيها تحقيق ذلك.
استخدم أحد علماء الفلك تحليل بايزي لمحاولة وضع رقم تقريبي عليه -مع مراعاة عوامل مثل تناقص القوة الحاسوبية مع الانتقال عبر طبقات المحاكاة- ووضع احتمال حوالي 50/50 أننا نعيش في محاكاة.
ومع اقترابنا من القدرة على محاكاة الأسلاف، كلما زادت الاحتمالات أن سنستطيع تشغيلها، وبالتالي تزداد الاحتمالات أن هناك محاكون فعلوا ذلك أيضًا.
قال عالم الفلك في جامعة كولومبيا ديفيد كيبينغ لمجلة Scientific American: “يوم اختراع تلك التكنولوجيا، سيقلب الاحتمالات من 50-50 أننا حقيقيون إلى أننا بالتأكيد لسنا حقيقيين، وفقًا لهذه الحسابات، سيكون احتفالًا غريبًا لعبقريتنا في ذلك اليوم.”.
هل يمكننا أن نكتشف الحقيقة؟
هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن واقعنا قد يكون واقعًا حقيقيًا. وجد فريق من الباحثين، الذين لم يكونوا يدرسون الفرضية أساسًا، أدلة تشير إلى أن بعض مشاكل الفيزياء الكمومية لا يمكن محاكاتها بواسطة الحواسيب. حاول الفريق محاكاة تأثير هول الحراري، حيث تتعرض الأنظمة لحقول مغناطيسية شديدة، ووجدوا أنه لمحاكاة بضع مئات الإلكترونات، سيكون من الضروري استخدام عدد من الذرات يفوق عدد الذرات الموجودة في الكون المرئي.
بالطبع، يمكن أن يجادل أنصار نظرية المحاكاة بأن الكون الذي نعيش فيه يحوي قدرة حاسوبية أكبر بكثير، أو أنه لا يتم فيه محاكاة الكم في معظم الوقت (ما لم نكن نراقبه). بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، ربما لا يكون أي دليل على أننا نعيش في الواقع الأساسي كافيًا، حيث يمكن دائمًا أن يكون ذلك خدعة ذكية من المحاكي ليخدعنا ويشتت انتباهنا.
هناك أشخاص يحاولون اختبار فرضية المحاكاة. اقترح فريق في عام 2017 استخدام نسخة من اختبار الشق المزدوج، لمعرفة متى يُعرض الواقع. وذهب عالم حاسوب آخر بعيدًا، مقترحًا طرقًا يمكننا من خلالها الهروب.
أحد أوجه المحاولة الأكثر وضوحًا هو محاولة تعطيل الحاسوب، من خلال إعطائه تناقض لا يمكنه حله، مثل قتل جدك الخاص. بالطبع، يتطلب ذلك السفر عبر الزمن المحاكي، والذي قد نفضل تأجيله إلى وقت لاحق. وسيلة أخرى قد تكون لتعطيله هي استخدام الكثير من الموارد، مثل تشغيل محاكاة تدير محاكاة خاصة بها حتى يتوقف النظام بأكمله.
خلص في ورقته إلى أن أكثر السبل العقلانية لأي شخص يرغب في البقاء على قيد الحياة، بدلًا من مجرد إعادة تشغيل Windows، هو جذب انتباه الخالق وإقناعه بالسماح لنا بدخول العالم الحقيقي، وأيضًا البحث عن علامات الخلل في الكون التي يمكننا استغلالها.
كتب رومان يامبولسكي: “نظرًا لعدم وجود القدرة حاليًا على قراءة/كتابة كود مصدر للمحاكاة ولا نعرف ما إذا كانت محاولاتنا في الهجمات الهندسية الاجتماعية لها أي تأثير، فإن أفضل رهان لدينا هو التحقيق في بنية كوننا على أصغر نطاق ممكن على أمل اكتشاف آثار يمكن استغلالها”. مضيفًا أن ميكانيكا الكم تحتوي على الكثير من الغرابة، والتي “ستكون منطقية للغاية” إذا رأيناها كعيوب أو استغلالات محتملة.
“استغل علماء أذكياء مثل هذه الحالات الشاذة، منفردة أو مجتمعة لتحقيق ما يشبه قرصنة المحاكاة، على الأقل من الناحية النظرية وغالبًا في تجارب لاحقة (على سبيل المثال، تعديل الماضي، وإبقاء القطط ميتة وعلى قيد الحياة في آنٍ واحد والتواصل بطريقة معاكسة للواقع)”.
إذا اكتشفنا يومًا أننا نعيش في محاكاة، فقد يكون من الأفضل أن نحافظ على الصمت، خوفًا من أن يقرر صانعوا الواقع إيقافنا.
- ترجمة: محمد عمر الدهان
- تدقيق علمي ولغوي: عهد محروقة
- المصادر: 1