أترغب بحياةٍ خاصة؟ خمسُ طرقٍ ستستعيد بها خصوصيتك

نشعر أحيانًا أن خصوصيتَنا أصبحت من الماضي في عصرنا المليء بالاتصال الدائم، لكن لورانس كابيللو، الأستاذ الجامعي الحائز على جوائز، يقدم حجةً قويةً لأهمية تلك الخصوصية.

لورانس كابيلو هو أستاذٌ حائز على جوائز في التاريخ القانوني والدستوري للولايات المتحدة من جامعة آلاباما، وتخرج من المدارس العامة لنيويورك. هو أيضًا مؤلف كتاب None of Your Damn Business: Privacy in the United States from the Gilded Age to the Digital Age من منشورات جامعة شيكاجو، واختصاصي معتمد في خصوصية المعلومات (CIPP/US, CIMP). نُشرت أبحاثه حول حقوق الخصوصية في مجلاتٍ وصحفٍ مرموقة مثل Then Wall Street Journal، The Atlantic، The Economist، The Hill، وغيرها من المنصات الإعلامة.

ما الفكرة الرئيسية؟

يقدّمُ كتاب On Privacy: Twenty Lessons To Live By عشرين درسًا عمليًا عن دور الخصوصية في حماية المجتمعات الحرة، وتحسين الرفاهية الشخصية، وأحقية الدفاع عنها. صُمم الكتاب لأولئك الذين يرغبون بالحفاظ على اتصالٍ دائمٍ بالانترنت دون التضحية بمساحتهم الشخصية، وهو يُقدم خطواتٍ واضحةً وقابلةً للتطبيق لحماية خصوصيتهم في حياتهم اليومية. يُعد كتاب On Privacy دليلًا موجزًا وعمليًا لا غنى عنه لكل من يريد استعادة السيطرة على خصوصيته في العصر الرقمي. يشاركنا لورانس اليوم خمس رؤىً رئيسيّةً من كتابه، والذي يمكنكم الاستماع إليه بصوت لورانس نفسه على تطبيق Next Big Idea.

1) أهمية الخصوصية:

يوجد أجزاءٌ من حياتنا ليست من شأن أحدٍ آخر، لا لأننا مصابون بالارتياب، بل لمُجرد كوننا بشرًا، سواء كنت متحررًا أم محافِظًا، غنيًا أم فقيرًا، فلدى الجميع رغبةٌ أساسية في الحفاظ على خصوصية أجزاء معينة من حياتهم، إذ تُعتبر الخصوصية ضروريةً للحفاظ على كرامة الإنسان.

تعملُ الخصوصية كدرعٍ ضد أشخاص قد يرغبون باقتطاع أجزاء من المعلومات من سياقها الرئيسي، ليهاجِموا بها سمعة أحدهم، أو التلاعب بأحدهم لتحصيل منفعةٍ شخصية، ويحدث هذا في عصر الإنترنت أكثر مما نتخيل.

تخلقُ الخصوصية أيضًا مساحةً للألفة والمودة، فنشارك أسرارنا مع أشخاص نحبهم ونثق بهم، وهي حجر الأساس لبناء الثقة التي نحتاجها، لتشكيل روابطَ عميقة مع أصدقائنا وأحبتنا والحفاظ عليها. وتُعد هذه الروابط أجمل ما في الحياة بالنسبة للكثير منا.

تحمينا الخصوصية من تحويلنا لأسرى ماضينا المُسجّل، فلا يجب أن تُحددَ هويتك في سن الأربعين بناءً على خطأ ارتكبْتَه في سن السادسة عشر، وبدونها، ستلاحقنا أسوأ لحظاتنا مدى الحياة. تحمي الخصوصيةُ صحتنا العقلية، إذ يحتاج كلّ منا لقضاء بعض الوقت بمفرده ليُفكر، ويعيد ترتيب شؤونه، أو فقط ليكون ببساطة، ولن نحصل على لحظات السكينة تلك من دون وجود الخصوصية.

تكمن الأهمية البالغة الخصوصية في كونها شرطًا مسبقًا للحرية، إذ ينتهكُ الطُغاة خصوصية شعوبهم لتكريس السلطة، وقمع المعارضة، والسيطرة على المواطنين، فإذا ادعى مجتمعٌ ما بأنه حر، يجب عليه حماية خصوصيته، فالحرية دونها مجرد وهم.

2) كيف تجيبُ على: “إذا لم تقم بشيءٍ خاطىء، فلن يوجد لديك ما تخفيه”.

ربما سمعت مسبقًا بتلك العبارة التي تبدو معقولةً للوهلة الأولى، حتى تمعن التفكير بها لأكثر من خمس ثوانٍ. تداول الناس هذه الحجة منذ عهد قياصرة الرومان، وكانت وما زالت فكرةً سخيفة. وإذا ما فكرنا بها من منظورٍ آخر، نجدها مجرد طريقة أخرى للقول بأن الأسرار جميعها سيئةٌ بالمطلق، كما لو أن الخصوصية حكرٌ على المجرمين، أو أولئك الذين يقترفون الخطايا فحسب، إلا أن هذا مجرد كلامٍ فارغ “فالأسرار ليست إثمًا”.

جميعنا لديه أسرارَه الخاصة، ولا يجب اعتبارها أشياء اعتيادية، بل ضرورية. إذ تبني الأسرارُ بين الشركاء العاطفيين والأصدقاء المقربين جُسوراً من الثقة والمودة. وتسمح الأسرار بين الأطباء ومرضاهم بخلق مساحةٍ لإبراز الصدق حول صحتهم ومخاوفهم. أضف إلى ذلك، تحمي أسرارُ الشُركاء التجاريين اختراعاتهم وتصون أفكارهم الخلاقة من التعرض للسرقة.

الأسرار ليست إثمًا، فكيف يكون الشخص مشوّقًا إذا لم يكن لديه أسرار؟

تكمن المشكلة في وجود جميع معلوماتنا الشخصية في مكانٍ ما بشكلٍ أو بآخر، وقد تُنتزع من سياقها الأصلي وتُحور أو تُشوه، أو تُفسر بشكلٍ خاطئ، لتُستخدم كسلاحٍ ضدنا لاحقًا. تحدث هذه الأمور دومًا في عصر الإنترنت.

يتسرّع الناس في إصدار الأحكام، وتُشوه أصحاب النوايا السيئة الحقائق، وتحدث التسريبات المدمرة للسمعة في ثوانٍ.

إذاً، لا يتعلق الأمر بإخفاء كل شيء، بل بالتحكم بكيفية رؤية الآخرين لنا، والتأكد من عدم تشويه حياتنا الخاصة أو إمكانية استغلالها من قبل أشخاص لا يكترثون لنا.

3) ثلاث طرقٍ سريعة لحماية خصوصيتك:

أولًا: تغطية كاميرا الويب الخاصة بك: قد يبدو الأمر مبالغًا فيه، حتى تدرك أن الهاكرز يمكنهم اختراق تلك الكاميرات دومًا، وهم يفعلون ذلك طوال الوقت. يمكن حجب أعين المتطفلين باستخدام غطاءٍ منزلقٍ بسيط أو شريطٍ لاصق، وتكلفتها لا تتجاوز ثلاثة دولارات.

فكر بالأشياء الخاصة التي تقوم بها أمام حاسبك المحمول، والآن، فكر بالأشياء التي قد يقوم بها أطفالك، أو شريك حياتك، أو أحبتك أيضًا، هل تريدُ أن تسمح للغرباء برؤيته، بل وتسجيله أيضًا؟

شخصيًا، يمتلك كل من أعرفهم ممن يعملون في مجال التكنولوجيا غطاءً لكاميراتهم، وعليك أنت أيضًا القيام بالمثل.

ثانيًا: استخدِم كلمةَ مرورٍ تقليدية لفتح هاتفك بدلًا من بصمة الوجه أو الإصبع:

قد تبدو كلمة المرور المؤلفة من ستة أرقام طريقةً قديمةً لإلغاء قفل الهاتف، إلا أنها ما تزال إحدى أكثر الطرق فعالية لتأمين بياناتك. تُعتبر طُرق الأمان البيومترية الحديثة مثل بصمة الوجه FaceID وبصمة الإصبع أكثر تطورًا، لكنها تصبح أكثر عرضةً للاختراق يومًا بعد يوم. لا يستطيعُ أحدٌ اختراق دماغك، إلا أنك قد تُضطر إلى إلغاء قفل هاتفك بواسطة بصمة الاصبع أو الوجه، قانونيًا أو تحت التهديد الجسدي. ومن الصعب أن يجعلك أحدهم تفشي كلمة المرور الخاصة بك.

ثالثًا: تَفقّدْ صلاحياتِ وصول تطبيقاتك:

لبعض التطبيقات في الوقت الحالي صلاحية الوصول للكاميرا والمايكروفون في هاتفك، حتى لو لم تمنحها الإذن لذلك، إذ تُصمم تلك التطبيقات لتستمع إليك دومًا وتتعقب نشاطاتك. استغِلّ دقيقتين من وقتك وتأكَدْ من الإعدادات، وأَغلِقِ الأذونات غير الضرورية، وستُصابُ بالدهشة من التطبيقات التي تعمل بالخلفية.

هذه الإجراءات بسيطة من ناحية التنفيذ، ولا تتطلب جهدًا كبيرًا، وهي طرقٌ فعالة في زيادة الحفاظ على خصوصيتك.

4) إجعل الخصوصية مربحةً إذا كان التغيير هدفًا لك:

المال ذو أهمية كبرى في أميركا، إذ علينا أن نقنع الشركات أنها ستزداد ثراءً عبر حماية الخصوصية، ولعلّ الخبر الجيد هنا أن هذا يحصل فعلًا.

هل شاهدت أحد إعلانات آبل خلال السنوات الأخيرة؟ لقد قاموا ببناء حملةٍ إعلاميةٍ ضخمة حول شعار “الخصوصية….. إنه آيفون”. فيما تعرضُ جوجل إعلاناتٍ عن الخصوصية طوال الوقت أيضًا، فلو قمت برحلة عبر قطار الأنفاق أو أحد الباصات في إحدى المدن الكبرى مؤخرًا، ستشاهد إعلاناتٍ ذكيةً عن الشبكات الافتراضية الخاصة VPNs في كل مكان.

كان نصّ أحد الإعلانات: “هل تعلم أن أكثر الشركات نموًا في أميركا لعام 2020، كانت شركةً تساعد المؤسسات في بناء خطط الخصوصية؟”.

أصبحت الخصوصية سلعةً الآن، وانتشرت منتجاتها في الأسواق مثل الشبكات الافتراضية الخاصة VPNs، وتطبيقات المراسلة المشفرة، ومدير كلمات المرور، جميعها تشهد ازدهارًا هائلًا بسبب تزايد طلب المستخدمين وحاجتهم لوجود تلك المنتجات.

لذا علينا أن ندرك أن عالم الخصوصية يدور حول المال، فإذا أردنا أن نحقق تغييرًا حقيقيًا ومُستدامًا، علينا أن نجعل للخصوصية منفعة مادية. مما يعني إنفاق المزيد من المال على منتجات تعزز حماية الخصوصية، وتسمية الشركات التي تستغل البيانات علنًا، إذ تؤثر الأخبار السيئة سلبًا على عملها.

علينا أن نجعل من الخصوصية شيئًا يستحق وقت وجهد الشركات، لتعيرها اهتمامًا أكبر، أما إذا كنت تُعوّل على الكونجرس لحل هذه المشكلة، فعليك الانتظار طويلاً!

5) لم تمُت الخصوصية بعد:

يدّعي الكثير من الناس أن زمن الخصوصية قد ولى، وأنها “انقرضت”، وأخاطبُ بدوري هذه الفئة طالبًا منهم أن يمنحوا هواتفهم -غير مقفلةٍ- لشخصٍ غريب لمدة خمس دقائق فقط، وأن يحاولوا في الوقت ذاته ألا يُصابوا بنوبة هلعٍ جراء هذا الفعل!

لو انقرضت الخصوصية حقًا، لما كان مجالُ الأمن السيبراني صناعةً تساوي تريليونات الدولارات. تنفقُ الشركات ثرواتٍ هائلة للحفاظ على سرية بياناتها. كما تحمي الحكوماتُ أسرارها أيضًا. رغم ادعاء البعض بأن الخصوصية لا تعنيهم، إلا أنهم ما زالوا يستخدمون كلمات المرور هنا وهناك، يحذفون الرسائل، ويفكرون مرتين قبل نشر أشياء معينة على الإنترنت.

لم ألتقِ مسبقًا بشخصٍ يرغب في نشر رسائله النصية، أو بريده الإلكتروني علنًا على الانترنت، أو حتى سجل بحث متصفحه الإلكتروني. حقيقةً، انخفضت درجة الخصوصية التي نملكها الآن عما كانت عليه سابقًا، وأتعبَ ذلك الناس. فقد أُوهِموا أن الخصوصية قد انقرضت منذ زمنٍ بعيد، ولم يعودوا قادرين على إدراك ما يُقاتلون من أجله.

ولنتحدث بواقعية، يجب الاستغناء عن فكرة أن تحقيق الخصوصية صعب المنال، وعن كونها معركة “لتكن أو لن تكون”، وعلينا الابتعاد عن زخم الأحداث قليلًا والتركيز على أنواع الخصوصية التي تهم الناس حقًا، وما عليهم حمايته غريزيًا في حياتهم اليومية.

تعقدت هذه القضية كثيراً، وآخر ما نحتاجه الآن هو المصطلحات الأكاديمية المعقدة -أقول هذا وأنا الاستاذ الجامعي- إذ لا يحتاج الناس الآن سوى حلول عملية وواضحة. تتجلى أولى خطوات حماية الخصوصية في القدرة على تفسير ضرورتها بطريقة يسهل على الجميع فهمها. وهذا بالضبط ما يقدمهُ كتابي هنا، فهو دليلٌ عملي مكتوب بلغة مبسطة تتجاوز كل التعقيدات.

وإذا شعرتَ يومًا ما بالإرهاق من كثرة النقاشات حول الخصوصية، أو كنت تعرفُ شخصًا يخوض تلك التجربة، فإن كتاب On Privacy قد كُتب خصيصًا لكم. ولنبدأ حوارًا أذكى وأكثر عقلانيةً حول الخصوصية، لأنها حقًا لم تمت بعد، فالخصوصية مهمة، وتستحق الحماية.

نُشر هذا المقال في مجلة Next Big Idea Club وأعيد نشره بعد الحصول على الإذن.

  • ترجمة: حمزة عيسى
  • تدقيق علمي ولغوي: فريال حنا
  • المصادر: 1