
هل يزيد تناول الدجاج من خطر الإصابة بالسرطان؟
وجدت دراسة حديثة أن تناول300 غراممن الدواجن أسبوعيًا مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الجهاز الهضمي والوفاة بشكل عام. وقد أثارت هذه النتائج قلق المستهلكين متحديةً المعتقدات الشائعة التي تعتبر الدواجن مثل الدجاج والديك الرومي خيارًا صحيًا للبروتين. كما تحدثت “Medical News Today” مع خبراء للتحقيق فيما إذا كانت هذه النتائج تفتقر إلى الدقة أو إذا كان هناك حاجةً حقيقية لمزيد من الحذر بشأن الأنظمة الغذائية وخطر السرطان.
قدمت دراسة حديثة أُجريت في جنوب إيطاليا بعض النتائج المفاجئة التي ربطت الاستهلاك المنتظم للدواجن بزيادة محتملة في سرطانات الجهاز الهضمي والوفيات بشكل عام. مما أثار سؤالًا واحدًا: هل يُعدّ تناول الدجاج صحيًا كما نعتقد؟ فقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن تجاوز الكميات الموصى بها أسبوعيًا، أي أن تناول أكثر من 300 غراممن الدواجن مثل الدجاج والديك الرومي في الأسبوع، يزيد من خطر الوفاة بنسبة 27% مقارنةً بتناول كميات معتدلة. كما اقترحت الأبحاث التي نُشِرت في مجلة “Nutrients” أن استهلاك الدواجن المفرط ارتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطانات الجهاز الهضمي بنسبة 2.3%، مع ملاحظة خطر أعلى بين الرجال بنسبة 2.6%.
أثار هذا الأمر قلق المستهلكين، إذ إن هذه النتائج تتعارض مع الإرشادات الغذائية الحالية المعتمدة، مثل النظام الغذائي المتوسطي، الذي تُعدّ الدواجن جزءًا مهمًا منه.
على أي حال، هل يجب أن تجعل هذه النتائج الناس يعيدون النظر في أنظمتهم الغذائية؟ هل يمكن أن تكون النتائج مبالغ فيها؟ ماذا يجب أن يراقب المستهلكون عند تفسير نتائج دراسات مماثلة حول التغذية؟
تحدثت “Medical News Today” مع خبيرين: وائل حرب، أخصائي أمراض الدم والأورام المعتمد في معهد ميموريال كير للسرطان في مراكز أورانج كوست وسادل باك الطبية في مقاطعة أورانج، كاليفورنيا، وكريستين كيركباتريك، أخصائية تغذية في عيادة كليفلاند قسم الصحة والعلاج الوقائي في كليفلاند، أوهايو، وزميلة أولى في مركز ميدوز للرعاية السلوكية في ويكنبرغ، أريزونا، لمعرفة المزيد عن ذلك.
السببية والارتباط عند تفسير النتائج
أعاد الخبراء التأكيد على أن الارتباط الناتج عن دراسة رصدية لا يكفي للوصول إلى استنتاجات قاطعة حول عنصر غذائي وارتباطه بالسرطان. إذ قال حرب: «تُعدّ هذه النتائج مثيرة للاهتمام، ولكن بما أنها دراسة رصدية، فإنها لا تثبت السبب والنتيجة. ولا تزال الأدلة العامة تدعم استهلاك الدواجن بشكل معتدل كجزء من نظام غذائي متوازن». وقد أكدّ حرب على أن الدواجن تلعب دورًا مهمًا في الأنظمة الغذائية الصحية ونصح بالحذر عند تفسير النتائج قائلًا: «تثير هذه الدراسة أسئلة مهمة، ولكننا بحاجة إلى تفسيرها بحذر. لقد كانت الدواجن لفترة طويلة جزءًا أساسيًا من أنماط الأكل الصحية مثل النظام الغذائي المتوسطي، الذي يرتبط بانخفاض مخاطر السرطان وأمراض القلب».
نقطة مهمة أخرى يجب مراعاتها هي أن السرطان كمرض يُعدّ معقّدًا ومتعدد العوامل، مما يعني أنه من الصعب حصر أسبابه بعامل واحد. فقد قالت كيركباتريك: «تُظهر الدراسات أن تطوّر السرطان من فرد لآخر هو عملية معقّدة وتشمل عوامل متعددة، بما في ذلك الوراثة والبيئة والنظام الغذائي والنشاط البدني والتعرض للسموم وحتى العمر والالتهاب، ولكنها لا تقتصر عليها. لذلك، نحتاج إلى النظر في أي دراسة ومحاولة تقييم كيف يمكنها أن تؤثر على نمط حياتنا». وأضافت: «إذا كنت تدخن، على سبيل المثال، فإن الخطوة الأولى قبل التوقف عن استهلاك الدجاج قد تكون الإقلاع عن التدخين. وهذا مجرد مثال واحد عن كيفية تقييم البيانات».
من المسؤول عن السرطان: الدواجن نفسها أم الإضافات؟
يمكن أن تؤثر كيفية طهي الأطعمة أو ما إذا كانت تُضاف إليها إضافات أخرى مثل الزيوت والتوابل على “صحة” مصدر الغذاء. فقد قال الخبيران إن المخاطر المحتملة للإصابة بالسرطان المرتبطة بتناول الدواجن قد تكون مرتبطة أكثر بهذه الجوانب، بدلًا من الدواجن نفسها.
فأوضح حرب أن طريقة طهي الطعام قد تؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية تسبب السرطان قائلًا: «عند شوي الدواجن أو قليها أو طهيها على درجات حرارة عالية، يمكن أن تتشكل مركبات مثل الأمينات الحلقية غير المتجانسة (HCAs) والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، التي رُبِطَت بمخاطر السرطان. ومع ذلك، فإن هذه المركبات تتشكل أيضًا في اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة، لذا قد تكمن المشكلة أكثر في طرق الطهي بدلًا من نوع الطعام نفسه».
كما أوضحت كيركباتريك كيف يمكن أن تؤثر معالجة وطهي الطعام على الفوائد المحتملة أو المخاطر المرتبطة باستهلاكه قائلةً: «على سبيل المثال، قد يُعتبر ناغيت الدجاج المجمد منتج معالج بشكل كبير، وقد يُشكّل الدجاج المقلي والمغطى بخبز مخاطر بسبب عملية القلي على درجات حرارة عالية. لذا، قد يختلف تأثير كلاهما على الصحة عند مقارنتهما بصدر دجاج مطبوخ بشكل عادي».
اللحم الأبيض أم اللحم الأحمر: أيهما أكثر صحةً؟
لقد ساهمت الدراسة أيضًا في نقاش طويل الأمد حول ما إذا كان اللحم الأبيض أكثر صحةً من اللحم الأحمر. فعلى الرغم من أن اللحم الأبيض، مثل الدجاج والديك الرومي، يحتوي على نسبة دهون أقل ونسبة بروتين إلى دهون أعلى مقارنةً باللحم الأحمر، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة انخفاض مستويات الكوليسترول. في الواقع، وجدت دراسة أُجريت عام 2019 أن اللحم الأبيض واللحم الأحمر قد يكون لهما تأثيرات مشابهة على مستويات كوليسترول الدم، وخاصةً كوليسترول LDL أو “الكوليسترول الضار” والأبوليبوبروتين B (apoB). كما فشلت الدراسة الحالية في تحديد نوع الدواجن التي تُتناول وارتباطها بزيادة مخاطر السرطان. إذ قالت كيركباتريك: «لم تتمكن الدراسة من تحديد نوع الدواجن (على سبيل المثال، هل كانت البروتينات المستهلكة لحوم معالجة أم صدر دجاج مشوي). إذ قد تؤثر معالجة اللحوم بشكل عام على مخاطرها الصحية. لذا، سنحتاج إلى المزيد من الدراسات التي تقيّم أنواعًا مختلفة من الدواجن وأنواعًا مختلفة من اللحوم الحمراء لفهم الفروقات المهمة بين الإثنين».
ما الذي يجب أن تتحقق منه الدراسات المستقبلية حول الغذاء والسرطان؟
اتّسمت الدراسة بعدة قيود، مثل عدم الأخذ في الاعتبار مصادر الدواجن المستهلكة، وتأثيرات المبيدات على المحاصيل النباتية والحيوانية، واستخدام المضادات الحيوية والهرمونات في تربية الدواجن الصناعية، بالإضافة إلى طرق الطهي وإعداد اللحوم وأنماط التغذية. فقد قالت كيركباتريك: «من القيود التي أشار إليها المؤلفون نقص المعلومات حول تفاصيل الدواجن المستهلكة/طرق الطهي، بالإضافة إلى نقص البيانات حول النشاط البدني، الذي يُظهر تأثيرًا إيجابيًا على الوفيات من دراسات أخرى».
وقال حرب يجب أن يتناول البحث المطلوب عدة أسئلة غير مجابة. وأضاف: «نحتاج إلى دراسات مستقبلية مصممة بشكل جيد تأخذ في الاعتبار طرق الطهي، ومستويات المعالجة، والعادات الغذائية العامة. وسيكون من المفيد أيضًا فحص العلامات البيولوجية للتعرض للمواد المسرطنة لدى الأفراد الذين يتناولون كميات كبيرة من الدواجن. ونظرًا لأن المخاطر كانت أعلى لدى الرجال، سيكون من المهم أيضًا إجراء أبحاث خاصة بالجنس».
ما هي الكمية الآمنة من الدواجن التي يمكن تناولها أسبوعيًا؟
قالت كيركباتريك إن هذه النتائج ليست كافية لتغيير التوصيات الحالية بشأن الغذاء الصحي. وأضافت: «لن تجعلني هذه الدراسة أتوقف عن التوصية بتناول الدواجن لمرضاي، خاصةً لأولئك الذين يتّبعون إجراءات وتغييرات أخرى مفيدة في نمط حياتهم إلى جانب استهلاك الدواجن، مثل اتباع نمط غذائي غني بالفاكهة والخضار والألياف والحبوب الكاملة والدهون الصحية وأشكال أخرى من البروتين مثل الفاصولياء والعدس أو الأسماك الدهنية البرية».
وفيما يتعلق بما يُعتبر صحيًا وآمنًا وفقًا للولايات المتحدة، ذكر حرب أن الإرشادات الحالية توصي بألا يزيد الاستهلاك عن 300 غرامًا أسبوعيًا كحد أقصى. ويقول: «استنادًا إلى ما نعرفه، فإن الإرشادات الحالية التي تحدّد 300 غرام من الدواجن أسبوعيًا تعتبر معقولة، خاصةً إذا كانت الدواجن خالية من الجلد، ومعالجة بشكل ضئيل، ولم تُطهى على درجات حرارة مرتفعة».
ومع ذلك، قد يكون من الأنسب تقليل الكمية المستهلكة بالنسبة لأولئك الذين لديهم حالات صحية معينة أو تاريخ عائلي من السرطان، إذ يقول حرب: «قد يكون خيارًا حكيمًا الالتزام بما يقارب 200 غرامًا أسبوعيًا وإدخال المزيد من الأسماك والبقوليات والبروتينات النباتية بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بصحتهم بشكل خاص أو لديهم تاريخ عائلي من السرطان».
- ترجمة: الهادي حسن
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1