بفضل 20 عامًا من جهود الصحة العامة، ملايين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية HIV على قيد الحياة

لم تعد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية تشخيصًا نهائيًا، بل يتطلع الباحثون إلى سد الثغرات المتبقية لضمان وصول العلاج إلى كل من يحتاجه.

بعد 20 عامًا من جهود الحكومة الأمريكية الحثيثة، وصلت إلى إنجازٍ جديد في معركتها للتخلص من الوباء العالمي فيروس نقص المناعة البشرية ما يُعرَف بالإيدز HIV/AIDS. إذ أعلن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في مارس/آذار 2023 أنه وبحلول عام 2022 تكون خطة الطوارئ التي وضعها الرئيس الأمريكي للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) قد قدمت الحياة لأكثر من 20 مليون شخصًا مصابًا بفيروس نقص المناعة البشرية حول العالم مع زيادة 66,500 شخص لبرنامج عام 2004.

وقد أظهر تقدم بيبفار (PEPFAR) أنه ليس من المستحيل إيقاف الوباء العالمي المهدد للبشرية. فمنذ أن أطلقت إدارة جورج دبليو بوش خطة طموحة في عام 2003، أنفقت بيبفار أكثر من 110 مليون دولار على موارد وعلاجات الفيروس. لذا تُعَدّ هذه المبادرة واحدة من أكبر الجهود الصحة العامة التي وفرتها أي دولة سعيًا لمعالجة مرض واحد، ويُنسَب لها الفضل في تغيير السلوك العالمي المتّبع مع فيروس نقص المناعة البشرية؛ المرض الذي كان يُعتبر مدمرًا وقاتلًا في يوم ما.

في العام الذي أُعلنت فيه عن خطة بيبفار PEPFAR، أفادت منظمة الصحة العالمية أن هناك ما يُقدّر بنحو 40 مليون شخص مصابون بالفيروس ويعيشون معه. وقد شهدت دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا أغلب الحالات والأشد خطرًا، إذ قُدّر عدد المصابين بنحو 26.6 مليون مصابًا، وكانت معظم مرافق الرعاية الصحية والجامعات تفتقر للموارد اللازمة للتحاليل وإدارة الأدوية والمراقبة اللازمة لرعاية هذه الأعداد الكبيرة من المصابين.

قال فيلبس كانكي، أستاذ علم المناعة والأمراض المعدية في جامعة هارفارد، أن نقص المناعة كان مرضًا لا يمكن النجاة منه في أجزاء كبيرة من القارة. وأضاف كانكي الذي ساهم في بدء مبادرة الوقاية من الإيدز في نيجيريا عام 2000 وشغل منصب الباحث الرئيسي في برنامج بيبفار PEPFAR في هارفارد منذ عام 2004 حتى 2013: “لقد واجهنا سابقًا مشاكل صحية عالمية حيث كانت تؤثر الأمراض على جميع السكان، لكن هذا الفيروس كان آفة أكثر خطورة لأنه كان يقتل أعدادًا كبيرة من الناس ولم يكن له علاج. أعتقد أن بيبفار PEPFAR وفّرت حلًا لمرض كان من غير الممكن النجاة منه أو التعايش معه بسبب عدم قدرة أعداد كبيرة من المصابين الوصول إلى أدوية فيروس نقص المناعة البشرية في الماضي، كما أعتقد أن هذا كان تغييرًا كبيرًا مبشّرًا باعتباره قصة نجاح عالمية ضخمة في مجال الصحة.”.

وقد أجرى موقع “Scientific American” حديثًا مع كانكي من أجل فهم كيف ساعد برنامج بيبفار في علاج ملايين المصابين بالإيدز، وكيف يمكن للبرنامج أن يطّلع على الأزمات الصحية حول العالم، وماهي العوائق المستعصية التي تحول دون إنهاء هذا الوباء.

كيف كان وضع وباء نقص المناعة البشرية HIV/AIDS في أفريقيا عام 2003؟

وصِفت الحالات في أجزاء عدة من أفريقيا في منتصف وأواخر عام 1980، حيث قُدّرت بالفعل في ذاك الوقت أجزاء كبيرة من القارة بأنها مثقلة بالأعباء مثل بوتسوانا وجنوب أفريقيا، وقد وثقت تلك الأماكن إصابات من 20% إلى 25% من مجموع السكان.

أعتقد أن هناك اعتراف عام على عكس الولايات المتحدة وأوروبا، حيث كثرت الإصابة بالفيروس بشكل تدريجي في بعض المجموعات السكانية المعرضة للخطر (وربما في ذلك الوقت بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن والرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال آخرين) في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، إذ كان أكثرهم من السكان الشباب ومن الجنسين. لذلك كان من الصعب جدًا تحديد من هم المعرضون لخطر العدوى، وهذا ماكان يشكل مصدر قلق حقيقي لأنك لا تملك برامج وبنى تحتية جيدة معدّة لتشخيص هؤلاء المصابين بسرعة وإخضاعهم لعلاج منظم إذا كان هذا العلاج متاحًا لك أصلًا.

كان هناك الكثير من المتغيرات في القارة، ولكن وبشكلٍ عام لم يكن هناك العديد من البرامج التي تمكن من خلالها الوصول للأشخاص لتلقي الدواء إذا ما اكتشفوا أنهم مصابون بالفيروس. لذلك كان يضطر أولئك الذين كانت نتيجة تحاليلهم إيجابية إلى دفع مبالغ طائلة للحصول على الدواء أو الذهاب إلى أوروبا أو الولايات المتحدة للعلاج. ولكن بالتأكيد كان هؤلاء يمثلون نسبة ضئيلة، ولم تكن هناك برامج حكومية معروفة تُعَد بسرعة لمساعدة المصابين. كان هذا صحيحًا وتحديدًا في الأماكن الأكثر تضررًا والتي كانت معروفة بأنها تعاني بالفعل من أكبر نسبة من الأفراد المصابين.

لماذا أنشئت بيبفار PEPFAR؟

يجب أن تحصل على تشخيص جيد كحدٍ أدنى من معايير الرعاية، عليك أن تكون قادرًا على إحضار الأدوية مع توفر كل العقاقير، وأن تعطي العلاج للمرضى كل شهر، كما يجب أن يكون لديك نظام يشرح كيفية تقديمه لهم، بعد ذلك عليك أن تقدم طريقة صحيحة لمراقبتهم، لكن ذلك لم يكن موجودًا في أي مكان.

كان فيروس نقص المناعة البشرية مرضًا معقدًا يصعب تشخيصه والتعامل معه، وذلك أحد الأسباب التي شكلت تحديًا كبيرًا للعاملين في مجال الصحة. إذ لا يمكنك أن تعالج أي شخص إذا ما تأكدت من إصابته بالمرض، ثم عليك أن تضعه تحت العلاج ولمدى الحياة. في ذلك الوقت، كان على المرضى تناول من 6 إلى 12 حبة دواء مرة واحدة، أو مرتين أو ثلاث مرات يوميًا. لذلك من المهم للغاية أن يأخذ المصابين الدواء كل يوم، وإذا توقفوا فإن الفيروسات التي في أجسادهم ستنشط مرة أخرى وقد يتعرضون للمرض والموت بعد ذلك. بعض الأدوية تحتاج للتبريد، وبعضها الآخر لا تستطيع أخذه قبل تناول الطعام. لذا إذا كان بعض السكان يعانون من مشكلة في الأمن الغذائي توجب على عياداتنا توفير الطعام لهم، كما كان علينا أن نراقب المصابين باستخدام التحاليل والمعدات اللازمة والتي معظم المخابر أو مرافق المستشفيات الجامعية لا تمتلكها. من كان سيدفع ثمن هذه التحاليل؟ بالطبع لا يمكنك أن تطلب من المرضى الدفع، كما لا يمكنك أن تطلب من المخابر التي لا تمتلك المعدات اللازمة إجراء التحاليل.

واجهنا أيضًا بعض المشكلات مع بعض السكان في أفريقيا حيث كان هناك الكثير من الأمراض المشتركة الأخرى التي يمكنك أن تراها مع فيروس نقص المناعة مثل مرض السل، وهو في حد ذاته قاتل حقيقي؛ لذا كان علينا التعامل مع إدارة علاجَين مختلفين لمرضَين معقدين ومختلفين.

في ذلك الوقت تقريبًا، حاولت حكومة نيجيريا شراء أدوية عامة من الهند لتوفير العلاج لبعض المصابين بالفيروس، مدركين أن لديها عددًا كبيرًا من السكان المصابين، وهكذا بدأوا بالفعل بالبرامج الحكومية ولكنها كانت صغيرة جدًا، وقد حاولت الحكومات في أفريقيا بدء هذه البرامج لكن بيبفار PEPFAR كانت داعمة لهم، وقد تمكنا من استخدام أموالها لتعزيز ما كان مجرد بداية لبرنامج نيجيريا.

تعمل بيبفار اليوم في أكثر من 50 دولة حيث توفر البنية التحتية للرعاية الصحية والموارد بما في ذلك العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (ART) لإحباط انتشار الفيروس. فما هو العلاج المضاد للفيروسات القهقرية ART، وكيف نقل الرعاية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية؟

يدخل الفيروس إلى خلية رئيسية مهمة في الدفاع عن جسمك من خلال مسببات الأمراض الخارجية. وهذه الخلية هي الخلايا الليمفاوية، إنها واحدة من خلايا الدم البيضاء التي تنتشر في جسمك وفي أعضاء معينة ولها دور رئيسي في حمايتك. لذا فإن إحدى الخصائص الشريرة للفيروس هي أنه يتكامل ويدخل مادته الجينية في مادتك. وهذا هو السبب في أن العدوى بفيروس قهقري مثل فيروس نقص المناعة البشرية هي عدوى أبدية لأنك لا تستطيع التخلص منه.

هناك فئات مختلفة من أدوية مضادات الفيروسات القهقرية ART التي تعمل على أجزاء مختلفة من دورة حياة الفيروس: فبعضها يوقف الفيروس قبل أن يتكامل بشكل أساسي، وبعضها الآخر يمنع خطوة التكامل، بينما هناك أدوية تمنع دخول الفيروس إلى الخلايا.

في البداية، كنا نزود الناس المصابين بكومة من الحبوب تملأ اليدين. أما الآن، فحبة واحدة في اليوم يمكن أن تتضمن العديد من الأدوية. إن هذه العقاقير أكثر فعالية مما كنا قادرين على تقديمه من قبل. لذا فقد تغيرت الأمور في العشرين عامًا فعلًا.

ما الذي يلوح في الأفق من أجل علاج فيروس نقص المناعة البشرية؟

هناك ما يدعى ب PrEP) الوقاية قبل التعرض): إذا لم تكن مصابًا، فإن هذه الحبة تساعد في منعك من الإصابة من قبل شخص آخر مصاب. يوجد طرق مختلفة لاستخدام هذه العلاجات الفعالة للغاية لمحاولة الحد من انتشار أو تقليل الفيروس وتقليل الإصابات، كما هناك جهود مستمرة لتطوير لقاح.

يوجد الكثير من الأبحاث التي أجريت فيما يدعى بعلاج فيروس نقص المناعة البشرية [حيث ورد أنه تخلص عدد قليل من المصابين من هذا الفيروس أو اعتبِروا في حالة هدوء طويلة المدى بعد تلقي خلايا جذعية مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية]، ويعتقد الباحثون أنه يمكنهم محاولة التخلص من المرض بطرق شتى، لكن وكما قلت بالتأكيد لا يزال هذا عملًا قيد التنفيذ.

ماهي المفارقات والعلامات المميزة التي لاتزال موجودة حول نقص المناعة البشرية؟ وماهي الجهود المبذولة لتحديد أولئك الذين يحتاجون للعلاج والتأكد من كونه في متناول الجميع؟

هنالك علامات مميزة مرافقة للكثير من الأمراض المختلفة، لكننا نرى في أفريقيا أن الناس لا يريدون أن يُعرَفوا بأنهم مصابون بالفيروس لأنه ربما يحمل لهم وصمة عار مفادها أن لديهم شركاء جنسيين متعددين أو تعاطوا المخدرات. حتى مجرد قول أنك لست بصحة جيدة يمكن أن يكون عارًا في بعض المجتمعات.

لقد شاركنا في مشاريع لرجال يمارسون الجنس مع رجال آخرين في نيجيريا. وتُعد هذه الفئة موصومة بالعار للغاية، لذلك يصعب جدًا عليهم إيجاد العيادات الداعمة والعثور عليها لتلقي الرعاية، إذ قد تكون تحت الأرض، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وجود قوانين تجرم ميولهم الجنسية في تلك البلاد.

يوجد في أفريقيا أكبر عدد من الأطفال المصابين بالعدوى عند الولادة، ويكبر هؤلاء الأطفال ويوصم الكثير منهم بالعار. إذ عندما يبلغون 12 عامًا تخبرهم أمهاتهم أنه عليهم تناول الحبوب وأنها أدوية لفيروس نقص المناعة البشرية، الأمر الذي يجعلهم يخفون الحقيقة عن زملائهم في الفصل أو غيرهم من الأشخاص في المجتمع لأن ذلك سينعكس عليهم وعلى أسرهم بشكل سيء للغاية، فلا يذهبون إلى العيادة بعد ذلك ويلجأون للعزلة. بالإضافة إلى المشاكل التي يصارعها المراهقين في حياتهم، يتوجب عليهم التعامل مع حقيقة أنهم من المفترض أن يذهبوا كل شهر إلى عيادة تحدد أنهم مصابون بالفيروس، وسيتعين عليهم القيام بذلك لبقية حياتهم.

ما هي في رأيك الخطوات الرئيسية التالية للوصول إلى هدف PEPFAR المتمثل في إنهاء وباء فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز باعتباره مهددًا للصحة العامة بحلول عام 2030 ؟ وما مدى واقعية ذلك ؟

يعتبر الكثير من الأهداف الدولية حلم بعيد المنال ولكن علينا الاستمرار. إذ لا يمكننا التوقف عندما نكون على بعد 10 أقدام من خط المرمى. إن الكثير من البلدان على وشك توفير العلاج لكل شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية. أعتقد أن بوتسوانا، على سبيل المثال، قريبة جدًا، إذ لديها عدد كبير من السكان المصابين ولكنها نجحت للغاية في تحديد وعلاج جميع الأشخاص المتضررين. إن أهداف الوقاية من العدوى وعلاج كل امرأة حامل مصابة يمكن أن يحدث فرقًا في التخلص من عدوى فيروس نقص المناعة البشرية لدى الرضع وهذه نقطة الانطلاق.

ماهي الدروس المستفادة من بيبفار PEPFAR والتي يمكن تطبيقها على الأوبئة الأخرى كاستراتيجيات وقاية من الأمراض ؟

لقد كان نهجًا جديدًا تمامًا لمشكلة صحية عالمية. أعتقد أن بيبفار PEPFAR كانت مختلفة لأنها خصصت مثل هذا المبلغ الكبير من المال لمرض واحد في المقام الأول في أجزاء من العالم الأكثر تضررًا تلك التي كانت أشد فقرًا ولم تكن لتتمكن من فعل أي شيء في ذلك الوقت بما كان متوفرًا. لقد كانت PEPFAR حقًا سيارة الإسعاف مع الدواء. كان حجمها ونطاقها ضخمين جدًا. فالذين كانوا يعملون في أفريقيا كانوا مندهشين نوعًا ما من فكرة أن برنامجًا أمريكيًا سيخصص الكثير من الأموال للناس في أفريقيا. كنا سعداء بذلك بالطبع. لم نر شيئًا كهذا من قبل. لذا كانت فرصة كبيرة، ولم يعلم أحد ما إذا كانت ستنجح. ولكن بعد 20 عامًا، رأينا أن ذلك قد نجح بالفعل. لقد أحدثت حقًا فرقًا كبيرًا في الرعاية الصحية بشكل عام في كل تلك البلاد، وليس فقط في رعاية فيروس نقص المناعة البشرية.

الإيدز ناتج عن فيروس واحد، لكنه يؤثر على أمراض أخرى مثل السل. لذا أعتقد أن برنامج بيبفار PEPFAR قدم الكثير من الدروس المهمة لكيفية التعامل مع برنامج السل العالمي. إذ عززت البنية التحتية المتاحة للسل، ومن المؤكد أنها حسنت الرعاية لذلك. كما تم استخدام العديد من المختبرات التي طورت لتقديم خدمات فيروس نقص المناعة البشرية لأمراض مثل الإيبولا والجدري. أعتقد أن كل ذلك له تأثير جيد على تحسين خدمات الرعاية الصحية بشكل عام.

ولهذا السبب أعتقد أنه سيُعترَف لبيبفار PEPFAR بالعديد من الفوائد الإضافية التي لا تتعامل فقط مع القضية المروعة لوباء فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز. فقد عولجت العديد من مشاكل الرعاية الصحية الأخرى. بالتأكيد نحن في وضع أفضل للتعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية مما كنا عليه في عام 2004.

  • ترجمة: عائشة قلاع
  • المصادر: 1