عن رفاهية حياة نتقاسمها مع إخوة وأخوات
كتاب جديد يوضّح لنا كيف للعلاقات لاسيما رابط الأخوة أن تحلّق بنا نحو حياة هانئة.
أبرز النقاط في هذا المقال:
- منذ عقود والمعالجون النفسيّون يسلطون الضوء على علاقة الفرد بوالديه، بينما يغضّون الطَرْف عن أثر الأخوة البنّاء في رسم معالم الطفولة.
- أظهرت دراسات جديدة أن المشاركين الذين تحدثوا عن سوء العلاقة مع إخوانهم في عمر الثامنة عشر تعاظم لديهم احتمال الإصابة بالاكتئاب.
- أكدت دراسات أخرى على الأثر الهام لرابط الأخوة في التحصيل العلمي والثقة بالنفس والسعادة.
ينشأ 80% من الأطفال الأمريكيين في صحبة أخ أو أخت على الأقل وهي نسبة تفوق نسبة الأطفال الذين يعيشون مع آبائهم فقط، وعلى الرغم من ذلك تجاهلت الأبحاث في علم النفس على نحو كبير أهمية العلاقة بين الأخوة لأكثر من قرن.
وبدأ هذا الإهمال المتعذر تفسيره مع سيغموند فرويد نفسه، وهو مؤسس مدرسة التحليل النفسي، حيث لم يأتِ على ذكر العلاقة بين الأخوة خلال العشرات من أعماله ومؤلفاته سوى خمس مرات فقط. ولأكثر من قرن تلاه باستثناء العقدين الماضيين، بدأ الباحثون بعمل دراسات تتمحور حول الكيفية التي يساهم فيها الأخوة في بناء حياة بعضهم البعض.
وقد أغفل المحللون النفسيون في تركيزهم التقليدي على علاقة الفرد بكلا والديه أهم المرتكزات التي يحدثها وجود الأخوة في الطفولة. فالوقت الذي يقضيه الأطفال بصحبة إخوتهم خارج ساعات المدرسة يتجاوز بكثير أي وقت يقضونه بصحبة أي شخص آخر، بما فيهم الوالدان والأصدقاء. وعادةً ما يتشارك الأخوة واحدة من أطول العلاقات على مدى سنين حياتهم، فمنذ أيامهم الأولى معاً يترك الأشقاء أثراً عميقاً ينعكس على نموهم الصحي وسعادة بعضهم البعض.
ويعتبر الكتاب الجديد للطبيب النفسي في جامعة هارفارد Roberts Waldinger والذي يحمل عنوان “الحياة الهانئة The Good Life” واحداً من أحدث المؤلفات التي أكدت مجدداً على أهمية العلاقة بين الأخوة. واستناداً إلى معطيات البحث الذي تبنته هارفارد حول نمو البالغين والذي تتبعت المشاركين الذكور فيه منذ عام 1938 فقد توصل الدكتور Waldinger وزملاؤه إلى خلاصة حتمية مفادها: “العلاقات الطيبة مع الآخرين تجعلنا أكثر سعادة وصحة وتساعدنا لنحيا حياةً أطول.”.
ومن ضمن العوامل المؤثرة العديدة التي نجمت عن تلك الدراسة، فقد تبيّن وجود دليل قوى على مدى تأثير استمرارية العلاقة بين الأخوة طوال سنين حياتهم على سعادتهم، فالمشاركين الذين تحدثوا عن سوء علاقتهم بإخوتهم في عمر الثامنة أو التاسعة عشر كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب الشديد ولإدمان المخدرات المعدّلة للمزاج في عمر ال 50. وخلصت الدراسة إلى أن وجود علاقة متينة بين الأخوة يمتد تأثيرها في سعادة الفرد حتى يبلغ منتصف العمر.
وإذا أردنا أن نتوقع مدى السعادة التي سيحظى بها الفرد على المدى البعيد فستكون العلاقة بين الأخوة هي العامل الحاسم في ذلك الأمر أكثر من أي عامل آخر كدرجة قرب الوالدين في الطفولة، أو المشاكل العاطفية في الطفولة، أو طلاق الأبوين بل وحتى في الزواج أو العمل.
إذن، وبالاستناد إلى المنطق باستطاعتنا القول بأن الخلافات بين الأخوة لا تنعكس سلباً فقط على الأخوين المتخاصمين بل على العائلة بأكملها، وتساهم بشكل ملحوظ في حدوث الاكتئاب والشعور بالوحدة بين البالغين.
وأكدت دراسات أخرى النتائج التالية:
أشارت دراسات حديثة لأهمية الأثر الناجم عن علاقة الأخوة على نموهم، فعلى سبيل المثال:
• يتمتع اليافعون الذين أدركوا مدى تأييد إخوتهم لمعتقداتهم ومشاعرهم بمستويات عالية من الثقة بالنفس.
• دعم الأخوة وعلاقة الأخوة المتينة مرتبطة بأداء أفضل على الصعيد العلمي.
• بالنسبة للأطفال الذين يعانون من الفقر أو هم عرضة للفقر، وبالتوازي مع تعرضهم لظروف معينة كالخلافات العائلية، أو إصابة أحد الأبوين بمرض عقلي، أو الطلاق فقد ثبت أن الوجود الدائم لشخص متوازن عاطفياً، كأن يكون الأخ الأكبر مثلاً، يزيد من فرص نضجهم في سن الرشد كأفراد أسوياء.
• إن الدعم والقرب بين الأخوة يترافق مع انخفاض مستويات الشعور بالوحدة والاكتئاب كما يترافق كذلك مع شعور أكبر بالرضا لاحقاً.
وهنا نتساءل عن ما يستطيع الآباء أن يفعلوه حيال ذلك؟
يتمحور دور الآباء حول كونهم من يضع اللَّبِنَة الأولى للعلاقة بين الأخوة وحول قدرتهم على دعم أطفالهم ليؤسسوا علاقات متينة، وإليكم بعض الوسائل التي تمكّن الآباء من توطيد الروابط بين الأبناء:
• إياكم والمقارنة بين الأخوة، وتجنبوا الانحياز لصالح أحد الأبناء حال نشوب الخلافات بينهم، وعوضاً عن ذلك ساعدوهم على التوصل لحل مناسب للطرفين.
• حاذروا تفضيل أحد الأبناء على غيره، فتفضيل أحدهم على الآخر من شأنه أن يولّد بينهم المنافسة والخصومة.
• خذوا بأيدي أبناءكم لينطلقوا في الحياة بشكل عملي ودرّبوهم على تطوير مهاراتهم في إدارة النزاعات، وإذا نشب خلاف بينهم علّموهم كيف يعبّرون عن آرائهم مع السعي لحل المشكلة في آنٍ واحد.
• اخلقوا لهم فرصاً تساعدهم في توطيد العلاقة بينهم عبر القيام بأنشطة عائلية مشتركة، كالتمارين الرياضية، أو ألعاب الرقعة (كالشطرنج)، أو المواظبة على أنشطة منتظمة كالقيام بنزهة عائلية أسبوعياً أو مشاهدة فيلم في إحدى الأمسيات.
• امدحوا أبناءكم حال تحسنهم الملحوظ فهذا يؤكد عندهم أن والديهم يقدّرون أهمية العلاقات المتآلفة.
• احرصوا على أن يبني أبناؤكم علاقات متينة مع الأصدقاء وأفراد العائلة، فقد وجدت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين نجحوا بالانخراط في علاقة صداقة حقيقية واحدة على الأقل تسبق التحاقهم بالمدرسة وقبل أن يولد لهم أخ استطاعوا أن يكوّنوا علاقة إيجابية مع إخوتهم الجدد بنسبة أعلى.
ويوصي الدكتور Waldinger الناس على مختلف فئاتهم العمرية ويخص بالذِّكر البالغين أن يزرعوا بذور الاستثمار في جميع علاقاتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فبدلاً من أن يهدروا أوقاتهم وراء الشاشات من الأولى أن يغتنموها بمخالطة الناس، ولا ضَيرَ في إضرام جذوة العلاقات الخامدة مجدداً وذلك بالتخطيط للمشاركة بأنشطة جديدة كأن يخرجوا لنزهة طويلة نهاراً أو للسهر مساءً أو التواصل مع أحد أفراد العائلة ممن انقطعت العلاقة معهم لسنوات، وذلك لأن جميع هذه الخصومات العائلية الشائعة جداً ما هي إلا ناقوس يقرع محذراً أصحاب الضغائن من خطرٍ قادم.
ويقرّ Waldinger بكون العلاقات أمرًا معقّدًا وتتخلله تحديات كثيرة، إلا أنه ينصح الأفراد أن يتحلوا بشجاعة الالتزام وقبول التحدي الأهم وهو الحفاظ على استمرارية العلاقات مدى الحياة. ويضيف قائلاً: “إن العلاقة استثمار يستحق منا أن نبذل فيه كل طاقتنا”، وذلك كون البحث الذي أجراه يعزو سرَّ الارتقاء لحياة هانئة وهادفة إلى صلابة الروابط بين أفراد العائلة.
ونختم باقتباسٍ خطَّة Waldinger: “الحياة الهانئة ليست غاية بحد ذاتها، إنما هي طريق ورفيق يخطوه معك جنباً إلى جنب. وأثناء سيرك لحظة تلو اللحظة ستقرر ما ومن ذا الذي يستحق اهتمامك. يوم وراء يوم ستعرف أي العلاقات جديرة أن تُدرج على قائمة أولوياتك وستتقن فن انتقاء من يستحقّ منك البقاء. عاماً بعد عام ستقطف ثمار الحكمة وراء ذلك كله من الأرواح التي أثريتها والعلاقات التي تعهّدتها بالرعاية. وبحرصك على تنمية الفضول لديك واهتمامك بالتواصل مع الآخر سواءً أكان فرداً من العائلة، حبيباً، شريكَ عمل، صديقاً، أحدَ معارفك بل وحتى غريباً وفي كل مرة تهتم فيها للسؤال عنهم، ومع كل لحظة تقتطعها من وقتك لتكرّسها لهم، ومع كل اهتمام صادق منك، فإنك ترسخ جذور حياتك الهانئة إلى أعمق نقطة.”.
- ترجمة: آلاء نوفلي
- تدقيق علمي ولغوي: قيس شعبية
- المصادر: 1