فيزيائيون من معهد MIT يحوّلون قلم الرصاص إلى «ذهب»
نجح فيزيائيون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «بشكل مجازي» في تحويل الجرافيت أو قلم الرصاص إلى ذهب عن طريق عزل خمس رقائق فائقة الرقة متراصة بترتيب معين. يمكن بعد ذلك ضبط وتعديل المادة الناتجة لإظهار ثلاث خصائص مهمة للجرافيت الطبيعي لم تُعرف من قبل.
يقول لونج جو الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء والمؤلف الرئيسي لهذه الدراسة التي نُشرت في دورية Nature Nanotechnology في عدد 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إن «الأمر يشبه عملية التسوق الشامل؛ فالطبيعة تمتلك الكثير من المفاجآت، وفي حالتنا هذه لم نكن ندرك أبدًا أن كل هذه الأمور المثيرة للاهتمام موجودة في الجرافيت».
وأضاف: «من النادر جدًا العثور على مواد تمتلك هذا العدد الكبير من الخصائص».
يتكون الجرافيت من الجرافين وهو عبارة عن طبقة واحدة من ذرات الكربون المرتبة في أشكال سداسية تشبه في هيئتها قرص العسل. وقد خضع الجرافين بشكل محوري للبحث المكثف منذ عزله لأول مرة قبل ما يقرب من 20 عامًا. وفي الآونة الأخيرة، منذ خمس سنوات تقريبًا، اكتشف باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن تكديس صفائح مفردة من الجرافين وتدويرها بزاوية بسيطة مع بعضها البعض، يمكن أن يضفي خصائص جديدة على المادة، بداية من الموصلية الفائقة إلى المغناطيسية، مما يجعلها أشبه بسلوك إلكترونات الذهب. حينها وُلِد مجال «التويسترونيكس» أو تكنولوجيا التدوير.
وأوضح جو، الذي ينتمي أيضًا إلى مختبر أبحاث المواد، أنه في أثناء العمل البحثي الحالي «اكتشفنا خصائص مثيرة للاهتمام من دون أي تدوير على الإطلاق». لقد اكتشف هو وزملاؤه أن ترتيب خمس طبقات من الجرافين بطريقة معينة يسمح للإلكترونات التي تتحرك داخل المادة بالتفاعل مع بعضها البعض. وتُعرف هذه الظاهرة باسم الارتباط الإلكتروني، ويصفها جو بأنها «السحر الذي يجعل ظهور كل هذه الخصائص الجديدة ممكنًا».
يعتبر الجرافيت المكدس وحتى صفائح الجرافين المفردة موصلات كهربائية جيدة، ولكن هذا كل ما في الأمر. أما المادة التي عزلها جو وزملاؤه، والتي أطلقوا عليها اسم الجرافين المكدس ذو الطبقات الخماسية المتراصة بشكل مُعيني السطوح، تصبح أكبر بكثير من مجموع أجزائه.
مجهر جديد
يعود الفضل في عزل المادة إلى مجهر جديد صنعه جو في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في العام 2021، ويمكن عن طريقه تحديد مجموعة من الخصائص المهمة للمادة على المقياس النانوي بسرعة وبتكلفة زهيدة نسبيًا. يبلغ سمك الجرافين المكدس ذو الطبقات الخماسية مُعينة السطوح فقط بضعة أجزاء من المليار من المتر.
بحث العلماء بمن فيهم جو عن جرافين متعدد الطبقات كُدّس بترتيب دقيق للغاية يُعرف باسم التراصّ المُعيني السطوح. ويقول جو: «هناك أكثر من 10 ترتيبات ممكنة للتراصّ عند الوصول إلى الطبقات الخماسية. والتراصّ المُعيني هو مجرد أحد هذه الأشكال». لقد سمح المجهر الذي بناه جو، والمعروف باسم الفحص المجهري البصري ذو المجال القريب التشتتي النمط أو s-SNOM، للعلماء بتحديد وعزل الطبقات الخماسية فقط في ترتيب التراصّ المعيني السطوح الذي كانوا مهتمين به.
ثلاثة في واحد
من هذه النقطة، وصّل الفريق أقطاب كهربائية إلى ما يشبه شطيرة صغيرة مكونة من «خبز» متمثل في نيتريد البورون الذي يحمي «اللحم» الرقيق للجرافين خماسي الطبقات المتراصّ بشكل معيني السطوح. وقد سمحت لهم هذه الأقطاب الكهربائية بضبط النظام بجهد كهربائي مختلف أو كميات مختلفة من الكهرباء. والنتيجة أنهم اكتشفوا ظهور ثلاث ظواهر مختلفة تختلف وفقًا لعدد الإلكترونات التي تغمر النظام.
يقول جو: «لقد وجدنا أن المادة يمكن أن تكون عازلة أو مغناطيسية أو طوبولوجية». ترتبط هذه الخاصية الأخيرة إلى حد ما بكل من الموصلات والعوازل على حد سواء. إذ أوضح جو أن المادة الطوبولوجية تسمح بحركة الإلكترونات من دون عوائق حول حواف المادة، ولكن ليس عبر المنتصف. ثم تتحرك الإلكترونات في اتجاه واحد على طول «طريق سريع» عند حافة المادة المفصولة بوسط يُشكّل مركز المادة. لذا فإن حافة المادة الطوبولوجية هي موصل مثالي في حين أن المركز هو العازل.
وأكد جو في دورية Nature Nanotechnology أنه وزملائه استنتجوا أن «جهدهم البحثي يؤسس للجرافين متعدد الطبقات المتراصّ بشكل مُعيني السطوح كمنصة قابلة للضبط بدرجة كبيرة لدراسة هذه الاحتمالات الجديدة للفيزياء الطوبولوجية والتفاعلية».
بالإضافة إلى جو، شارك في هذه الورقة العلمية تونغهانغ هان طالب دراسات عليا في قسم الفيزياء، وزينغوانغ لو باحث ما بعد الدكتوراة في مختبر أبحاث المواد. وكلاهما مؤلفان أوائل في هذه الورقة العلمية.
كما شارك مجموعة من الباحثين الآخرين في هذه الورقة العلمية وهم جيوفاني سكوري وجيهو سونغ وجوي وانغ وهونغكون بارك من جامعة هارفارد، وكينجي واتانابي وتاكاشي تانيجوتشي من المعهد الوطني لعلوم المواد في اليابان، وتيان يى هان من قسم الفيزياء بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
دُعِم هذا العمل من قبل زمالة سلون، مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية ومكتب وكيل وزارة الدفاع الأمريكي للبحوث والهندسة والجمعية اليابانية لتعزيز العلوم KAKENHI ومبادرة البحوث الدولية الرائدة في العالم في اليابان؛ ومكتب القوات الجوية الأمريكية للبحث العلمي.
- ترجمة: رانا عبد الرحمن
- تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
- المصادر: 1