تأثير الدّورة الشّهريّة على الأداء الرّياضيّ ليس كما توقّعنا!

تشير أبحاث جديدة إلى أنّ النّساء الرّياضيّات تتمتّعن باستجابة أسرع وترتكبن أخطاءً أقلّ عندما تكنّ حائضات، حتّى وإن كُنّ يشعرن أنّ أدائهن يتأثّر سلبًا مقارنةً بمراحل أخرى من دورتهنّ الشّهريّة.

سعت دراسة لأكثر من مئتي امرأة رياضيّة، بقيادة باحثين من جامعة كوليدج لندن، لفهم سبب ارتفاع معدّلات الإصابات لدى الرّياضيّات النّساء مُقارنةً بزملائهن الذّكور. فمع تزايد شعبيّة الرّياضة النّسائيّة، ارتفعت أيضًا إصاباتهنّ، ممّا أثار جدلًا كبيرًا حول الأسباب المحتملة.

تُشكّل الهرمونات فرقًا واضحًا بين من لديهم دورة شهريّة ومن لا يملكونها أو من يستخدمون وسائل منع الحمل الهرمونيّة.

ولم يتّضح بعد كيف تؤثّر هذه الهرمونات أثناء ارتفاعها وانخفاضها على مدار الدّورة الشّهريّة، رغم أنّ الأبحاث تشير إلى تغييرات في وظائف الدّماغ الّتي قد تؤثّر على أداء الرّياضيّ أو ربّما تجعله أكثر عرضةً للإصابة.

بينما كان علماء الأعصاب مهتمّين بتلك التّغيّرات الشّهريّة في الدّماغ، لم يبحث علماء الرّياضة بشكل كافٍ كيف تُعزَّز أو تُقيَّد وظائف الدّماغ بفعل تغيّرات الهرمونات لدى الرّياضيّات المُحترفات، وكيف تؤثّر هذه التّقلّبات على خطر الإصابة.

توضح فلامينيا رونكا، عالمة الرّياضة في جامعة كوليدج لندن، وزملاؤها في بحثهم العلمي المنشور: «من الناحية النظرية، يمكن أن تكون التّغيّرات في الإدراك المكاني عاملًا مساهمًا في خطر الإصابة، خاصّةً في الرّياضات السّريعة الّتي تتطلّب دقّة أجزاء من الثانية في التّعامل مع الأجسام المتحرّكة».

غالبًا ما تُبلِغ الرّياضيّات الإناث مثلًا عن شعورهنّ بالارتباك أثناء فترة الإباضة أو تدهور أدائهنّ في الجزء الأخير من الدّورة الشّهريّة، المرحلة الأصفريّة، وأثناء الحيض.

ولكنّ الدّراسات الّتي حاولت قياس هذه التّأثيرات الملاحَظَة كانت غير حاسمة، إذ قد تبلغ القوّة والقدرة ذروتها حول فترة الإباضة، وربّما ينخفض التّحمّل أثناء الحيض.

ركّز علماء الرّياضة أيضًا بشكل كبير على الميكانيكا الحيويّة لجسم الأنثى والّتي قد تُفسِّر ارتفاع مُعدّلات الإصابة بين الرّياضيّات، خصوصًا تمزّق الرّباط الصّليبيّ الأماميّ.

قد تكون هنا الاختلافات في التّقنيّة والتّدريب والهرمونات مرّة أخرى عاملًا مؤثّرًا.

من المنطقيّ أنّ التّغيّرات الهرمونيّة قد تؤدّي إلى ارتخاء الأربطة والأوتار المفصليّة، ممّا يؤدّي إلى المزيد من الإصابات في أوقات معيّنة من الشّهر. ومع ذلك، لا تُفسّر المفاصل المرتخية أنواع الإصابات الأخرى سوى تمزّق الرّباط الصّليبيّ الأماميّ، مثل: الارتجاجات والإجهاد العضليّ الذي يحدث أيضًا بشكل متكرّر خلال مراحل معيّنة من الدّورة الشّهريّة.

لذلك، قامت رونكا وزملاؤها باختيار 241 مشاركًا في دراستهم، بما في ذلك 96 رياضيًّا ذكرًا، و105 رياضيّات إناث لديهنّ طمث، و47 أخريات أبلغن عن استخدام وسائل منع الحمل.

خضع الرّياضيّين لمجموعة من الاختبارات الإدراكيّة عبر الإنترنت، أجريت كلّ أسبوعين وصُمّمت لتقليد ما يجب على أدمغة الرّياضيّين فعله أثناء المباريات: التّفكير بسرعة، والاستجابة بسرعة، ومعالجة المعلومات المكانيّة والتّركيز الشّديد.

لم تستطع الدّراسة استكشاف الفروق الفرديّة في الأداء الإدراكيّ عبر مراحل الدّورة الشّهريّة، واعتمدت على الرّياضيّات اللّاتي أبلغن عن المرحلة الحاليّة لدورتهنّ في يوم الاختبار (استخدمت ثلثهنّ تطبيق تتبّع الدّورة الشّهرية).

بشكل عام، يميل أداء الرّياضيّات عبر مراحل دورتهنّ الشّهريّة إلى الأسوأ في المهام الإدراكيّة في المرحلة الجُريبيّة المتأخّرة من الدّورة، مع اقتراب الإباضة، وفي المرحلة الأصفريّة المُتأخّرة، قبل النّزيف مباشرةً.

لكن أداؤهُن الإدراكيّ بلغ ذروته أثناء الحيض، رغم شعورهنّ بالسّوء عند مجيء الحيض واعتقادهنّ أنّ ذلك سيؤثّر سلبًا على أدائهن.

قالت رونكا لمراسل صحيفة الغارديان توبي توماس: «الأمر المُثير للدّهشة هو أنّ أداء المُشاركات كان أفضل عندما كنّ في فترة الحيض، وهو يتحدّى ما تفترضه النّساء، وربّما المجتمع بشكل عام، بشأن قدراتهنّ في هذا الوقت بالذّات من الشّهر».

مع عدم وجود فروقات في أوقات الاستجابة والدّقّة بين الرّياضيّين الذّكور والإناث، تتمثّل الخطوة التّالية للباحثين في استكشاف كيف تؤثّر أنواع أو جرعات مختلفة من وسائل منع الحمل الهرمونيّة على وظائف دماغ الرّياضيّات، أو حتّى حمايتهن من الإصابات كما تشير بعض الأبحاث السّابقة.

  • ترجمة: نِهال عامر حلبي
  • تدقيق علمي ولغوي: عبير ياسين
  • المصادر: 1